فسرت دراسة حديثة أسباب اختفاء معظم الهيكل العظمي للسحالي والثعابين والتي تظهر في سجل الحفريات على شكل أجزاء متناثرة تشمل عظام معزولة من الفك أو فقرات صغيرة فقط.
وقدمت الدراسة التي قادها هانك وولي، الباحث في معهد الديناصورات بمتحف التاريخ الطبيعي في مقاطعة لوس أنجلوس، ونشرتها دورية Paleobiology، لأول مرة تفسيراً علمياً مفصلاً لهذا الانحياز في السجل الأحفوري.
وتعد مشكلة عدم اكتمال سجل الحفريات من أبرز التحديات التي واجهت علماء الأحياء القديمة منذ نشأة علم التطور، إذ أشار داروين في كتابه “أصل الأنواع” إلى أن الحفريات لا تعكس مسار الحياة عبر العصور بصورة دقيقة وكاملة، وأن هناك فجوات واسعة تجعل العلماء يرون القفزات التطورية وكأنها مفاجئة، بينما هي في الحقيقة نتاج تغيّرات تراكمية لم تُسجَّل أو لم تُكتشَف بعد.
ويقول العلماء إن السبب الأول وراء هذه المشكلة هو أن عملية التحجر نادرة ومعقدة، فلكي يتحول الكائن الحي إلى أحفورة، يجب أن يدفن سريعاً في ظروف معينة تمنع تحلّله الكامل، مثل الطمر في الرواسب الغنية بالمعادن أو غياب الأكسجين، وبما أن هذه الظروف استثنائية، فإن الغالبية العظمى من الكائنات التي عاشت على الأرض لم تترك أثرًا في السجل الأحفوري.
وإلى جانب ذلك، تؤثر العوامل الجيولوجية والزمنية في مصير الحفريات، فالكثير من الطبقات الرسوبية تآكلت أو غُمرت أو تحولت بفعل الضغط والحرارة إلى صخور متحولة لا تحتفظ ببقايا الكائنات، وهذا يعني أن أجزاء كاملة من تاريخ الأرض مسحت أو طمست، ما يزيد من الفجوات في التسلسل الأحفوري.
وهناك أيضاً انحياز في السجل الأحفوري؛ إذ إن الكائنات ذات الهياكل الصلبة مثل الأصداف والعظام تحفظ بصورة أفضل من الكائنات الرخوة أو الدقيقة، وهذا يعطي صورة غير متوازنة عن تنوع الحياة القديم، كما أن أماكن البحث والتنقيب لا تغطي سوى مناطق محدودة من القارات، ما يجعل المعرفة محدودة بالبيئات الأخرى التي لم تُستكشف.
وتوصل فريق البحث في الدراسة الحديثة، إلى أن كثافة العظام وحجم الجسم، إلى جانب البيئة التي عاش ومات فيها الحيوان، هي العوامل الرئيسية التي تحدد مدى اكتمال الحفرية، وأطلق قائد فريق البحث على هذه العمليات اسم “المرشحات الكبرى” أي العوامل الطبيعية الضخمة التي تُعيد تشكيل الطريقة التي يمكن بها رؤية الماضي عبر الحفريات.
وأظهر التحليل أن معظم أنواع السحالي والثعابين الأحفورية معروفة بأقل من 20% من سماتها العظمية الكاملة، وعلى النقيض تُظهر الموزاصورات – السحالي البحرية العملاقة المنقرضة – سجلاً أحفورياً أكثر اكتمالاً لأنها غالباً ما دفنت في بيئات بحرية تحفظ العظام جيداً، أما الثعابين، ورغم انتشارها الواسع عبر البيئات، فإن حفرياتها في الغالب مجزأة وغير مكتملة.
وقال الباحثون إن هذا الانحياز البيئي لا يقل أهمية عن العوامل الجيولوجية أو حتى “الانحياز البشري”، مثل تفضيل العلماء التنقيب عن الديناصورات أكثر من الزواحف الصغيرة، لكن الدراسة أظهرت أنه في حالة السحالي والثعابين، تظل الطبيعة نفسها هي العامل الأكثر تأثيراً.
بدأت الدراسة كهواية شخصية في أثناء جائحة كورونا، إذ قرر “وولي” أن يقرأ كل ورقة علمية وصفت حفريات الزواحف الحرشفية عبر التاريخ والتي تصل إلى ما يقارب 500 بحث علمي.
وبفضل التحول الرقمي في المتاحف وقواعد البيانات تمكن الباحث من جمع صورة عالية الدقة لمسار تطور هذه الكائنات خلال العصور، بما في ذلك فترات الانقراض الجماعي.
وقال وولي إن السحالي والثعابين تكيفت وانتشرت بشكل هائل، لكن الحقيقة أن أغلب حفرياتها مجتزأة وغير كاملة “وفهم لماذا يحدث هذا عالميًا هو الخطوة الأولى لكسر هذه الانحيازات ومعرفة تاريخها الحقيقي.”
وكشفت النتائج أن الفجوات في سجل الحفريات لا تعني مجرد نقص في المعلومات، بل قد تحجب أسراراً كبرى فالموزاصورات مثلًا لا تزال موضع جدل بين علماء الحفريات “فهل هي أقرب إلى الثعابين؟ أم إلى الورليات أم أنها فرع مستقل تماما؟”.
ومن خلال تحديد الثغرات في السجل الأحفوري، يأمل الباحثون في إعادة بناء صورة أوضح عن كيفية انتشار هذه الزواحف عبر العالم البحري واليابسة، وكيف نجت من أزمات الانقراض الكبرى لتصبح واحدة من أنجح مجموعات الفقاريات اليوم.
ويرى الباحث المشارك في الدراسة، ناثان سميث، أن هذا البحث يحقق ما كان يحلم به داروين نفسه حين خصص فصلاً كاملاً من أصل الأنواع لمشكلة “عدم اكتمال سجل الحفريات”.
وأضاف: “اليوم، بفضل جهود الباحثين بدأنا نقر بوجود هذه الانحيازات، ونقيسها ونفهم أثرها”.