24 سبتمبر 2025Last Update :

عزلة إسرائيل الدولية.. هل ستثمر حل الدولتين؟

صدى الإعلام – الكاتب: باسم برهوم – في العام 1987 كنت عضوا بالوفد الفلسطيني لحضور قمة دول عدم الانحياز في هراري عاصمة زيمبابوي في الجزء الجنوبي من إفريقيا، وخلال الزيارة ألقيت محاضرة في معهد الاعلام في جامعة هراري، وكان بين الحضور طلاب من جنوب أفريقيا، جهدت واجتهدت في شرح القضية الفلسطينية، وابراز أوجه الشبه بين كفاح الشعوب الافريقية ضد الاستعمار والعنصرية، وكفاح الشعب الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني العنصري، وفجأة رفع احد الحضور يده، وعرفني على نفسه بأنه طالب من جنوب أفريقيا، سأل: أيهما سينتصر أولا الشعب في جنوب أفريقيا أم الشعب الفلسطيني؟ احترت بالإجابة وفكرت لثوان ثم استلهمت سرعة بديهة ياسر عرفات وقلت: سننتصر معا، وصفق الحضور بشدة.

من منا كان في حينه يتوقع أن يسقط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بهذه السرعة في مطلع التسعينيات من القرن العشرين؟ ولكن عندما سقط كانت العزلة الدولية قد اكتملت من حوله، والشعب الجنوب افريقي كان يواصل كفاحه السلمي ضد العنصرية بنفس العزيمة. إسرائيل اليوم في عزلة، وإلا لما جاءت سلسلة الاعترافات الهامة والتاريخية بالدولة الفلسطينية.

في السنوات الأخيرة، ومع إصرار الحكومة الإسرائيلية المتطرفة على مواصلة حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتهديد بضم الضفة، نشأ قلق عميق واعتقاد جازم على الساحة الدولية، من أن إسرائيل، حكومة اليمين المتطرف، تقوم فعليا بمحاولة قبر حل الدولتين نهائيا. لذلك فإن الدول الأكثر موضوعية ونضجا في العالم تدرك ان انهاء حل الدولتين هو الوصفة الأكثر ملاءمة للمتطرفين في الشرق الأوسط، ولاستمرار دائرة العنف إلى ما لانهاية في المنطقة والعالم، وهنا لا بد من الاشارة والإشادة لأهمية المبادرة السعودية الفرنسية في عقد المؤتمر دولي الواسع لحماية حل الدولتين، والذي من دون شك فعل فعله وحصد كل هذه الاعترافات وزاد عمليا من عزلة إسرائيل، وأعاد الأمل بحل الدولتين من جديد.

صحيح ان نتنياهو ليس فريدريك كليرك الذي أدرك ان الاستمرار بالمكابرة ليمد من عمر نظام الفصل العنصري، واكتشف أن ذلك ليس مجديا، وأن إنهاء الألم والمعاناة هو الأهم، في حالتنا نحن، سيبقى الأمل أن يأتي رئيس وزراء إسرائيلي يصل إلى الاستنتاج نفسه الذي توصل اليه كليرك، بان الشعب الفلسطيني لن يرحل وهو باق وصامد على ارضه، وان الأنسب هو حل الدولتين لفتح صفحة جديدة في الشرق الأوسط. المهم في كل هذه المعادلة ان نكرس قاعدة النضال السلمي، وان تستمر القيادة الفلسطينية في نهجها الهادئ والمتزن، ولا تنجر إلى أي ردات فعل يريدها اليمين المتطرف الإسرائيلي، ولا يخرج اي فصيل فلسطيني ويأخذ على عاتقه ويقرر منفردا القيام بمغامرة تهدم كل ما تم انجازه.

لعل المقولة السحرية والضرورية اليوم، والتي تحتاج إلى الحزم، هي ان الشعب الفلسطيني من الآن فصاعدا سيكون له سلطة واحدة وسلاح واحد وقانون واحد، وان لا يسمح بأي شكل في الدولة الفلسطينية بوجود ميليشيا مسلحة تحت أي مبرر، ولكن يجب الإدراك ان الحزم ليس مجرد إجراء أمنى، بل بناء نظام سياسي ديموقراطي شفاف، وان نمتلك دستورا يمنع انشاء أحزاب على أسس طائفية او دينية، نظام لا يسمح باستخدام الدين في السياسة، ولا خلط السياسة بالدين.

هناك مرحلة جديدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهي مرحلة تتطلب منا ان ندرك طبيعتها وأن نعرفها جيدا، وأن ندرك أن القضية الفلسطينية ليست كأي قضية أخرى، وهي بحاجة إلى ذكاء وليس إلى مغامرات، تعريف المرحلة يفرض أساليب النضال، والتي تحت اي ظرف ستكون سلمية.

بعض الفصائل والقوى والشخصيات لا تزال تفكر بالمنطق الذي كان سائدا خلال حقبة الحرب الباردة، وتقدم وصفات لا تلائم الظروف الراهنة للقضية الفلسطينية، وتتحدث اننا لا نزال في مرحلة التحرر الوطني، قد يكون هذا صحيحا بالشكل لأن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال جاثما على صدورنا، ولكن اليوم نحن دولة تعترف بها اكثر من 160 دولة، وعلينا ان نتصرف بمنطق الدولة وفي نفس الوقت نكافح قانونيا وسياسيا وشعبيا بشكل سلمي وعبر التفاوض لانهاء الاحتلال.

هناك حاحة لنبدأ التفكير جديا بتحويل الفصائل إلى احزاب سياسية، في إطار الدستور وقانون خاص لتشكيل الاحزاب، مع الحفاظ على التعددية ولكن في إطار الدستور والقانون.

هناك حاجة للتفكير بخصوص مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية، هي اليوم ممثلنا الشرعي الوحيد، ولكن السؤال: كيف سيكون دورها في ظل الدولة؟ هل سينحصر دورها للشعب الفلسطيني في الشتات وتنظيم هذا الشتات ام ماذا؟ اسئلة عديدة بحاجة لإجابات سريعة قد نكون بحاجة إلى ورشة وطنية، لوضع رؤية وطنية ولكن ورشة لا تجتر الأساليب القديمة، ان كنا نريد دولة حديثة لا بد من أساليب تتلاءم مع المرحلة، وتبدأ من أساليب تحرير دولتنا من الاحتلال بأن تكون سلمية.

شاركها.