على خشبة مسرح لا پيرجولا (La Pergola) التاريخي في قلب مدينة فلورنسا الإيطالية، تجمعت أجساد نساء ورجال لتشكل معاً كلمة واحدة تُقرأ من الأعلى: “غزة”.
مشهد رمزي مؤثر، امتزجت فيه الأذرع والسيقان والرؤوس في صورة واحدة، ليرتفع منها صوت جماعي يطالب: “أوقفوا القنابل، أسكِتوا السلاح”.
من على هذا المسرح الشاهد على قرون من التاريخ والإبداع الفني والثقافي، رفع اليوم القائمون عليه الستار ليعرضوا حكاية إنسانية لا يمكن تجاهلها: مأساة غزة.
جسر رمزي إلى غزة
المبادرة جاءت من مسرح توسكانا ومديره الفني الكاتب المسرحي ستيفانو ماسّيني ومديره العام كارلو كالابريتا وبمشاركة العاملين والعاملات في المسرح، حيث اختاروا تحويل ألواح الخشبة إلى جسر رمزي يصل إلى غزة، تعبيراً عن قربهم ومؤازرتهم للغزاويين في مواجهة الدمار والموت اليومي.
وقد التُقطت صورة جماعية للعمل الفني الحي، إلى جانب فيديو بتقنية “التايم-لابس” يختصر المشهد في لوحة ديناميكية تعكس حقيقة مكان يعيشه سكانه بين المأساة وفقدان الأرواح.
وأكد البيان الصادر عن المسرح أنّ “أذهاننا تتّجه اليوم إلى من فقدوا حياتهم، ومن جُرحوا، ومن أُجبروا على ترك منازلهم، ومن يعيشون وسط أنقاض كابوس لم تتضح بعد نهايته”، مشددًا على أن المسرح ليس فقط مساحة للعرض الفني، بل أداة للمعرفة والالتزام الأخلاقي، ورسالة ثقافية من أجل السلام.
تاريخ فلورنسا المسرحي
يُعتبر مسرح لا بيرغولا من أعرق المسارح الإيطالية والأوروبية، إذ افتُتح في 1656 وصُمّم على طراز الباروك الكلاسيكي، وكان مخصّصاً في بداياته للعروض الموسيقيّة الراقصة الأرستقراطية قبل أن يتحوّل إلى فضاء مفتوح أمام الجمهور في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
يتميّز المسرح ببنيته المعمارية ذات الخشبة العميقة والأجنحة الواسعة، ما جعله نموذجاً للعمارة المسرحية الإيطالية، فضلًا عن شرفته الملكية المزخرفة وأروقته الغنية بالزخارف، وعلى مدار تاريخه، استضاف المسرح عروضاً لمؤلفين ومخرجين عالميين، وظلّ شاهداً على تطور المسرح الإيطالي الحديث.
اليوم، يواصل مسرح لا بيرجولا أداء دوره كمؤسسة ثقافية بارزة في فلورنسا، حيث يجمع بين العروض الكلاسيكية والتجريبية، ويقدّم مبادرات فكرية وإنسانية تعكس التزامه بقضايا الإنسان، كما فعل في مبادرته الأخيرة من أجل غزّة.
بهذا الحدث الرمزي، يؤكد مسرح لا بيرجولا أنّ الثقافة والفن لا ينفصلان عن الواقع، بل يشكّلان جسرًا للتضامن الإنساني، وفي رسالته الختامية شدّد المسرح على أنّه يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وإلى جانب جميع الشعوب التي تعيش ويلات الحروب، إيماناً بأن الثقافة قادرة على توحيد البشر في مواجهة الألم وبناء طريق نحو السلام.