تترقب الأوساط العلمية والثقافية حول العالم بشغف شهر أكتوبر من كل عام، حيث يُرفع الستار عن أسماء الفائزين بجوائز نوبل، التي تُعد أرفع تكريم عالمي في ميادين الطب والفيزياء والكيمياء والأدب والسلام والاقتصاد.
وفيما يلي نسلط الضوء على 6 مرشحين بارزين لنيل جائزة نوبل في الطب، أو الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء)، وفق ما أعلنت عنه مؤسسة “كلاريفيت” الرائدة.
ومع اقتراب الإعلان عن جوائز هذا العام، يزداد الفضول لمعرفة من سيكون أصحاب الاكتشافات والإنجازات التي ستخلد في سجل نوبل العريق، خاصة أن الجائزة لا تكرم الأفراد فحسب، بل ترمز أيضاً إلى الانتصار للعلم والفكر والإبداع في خدمة الإنسانية.
وأعلنت مؤسسة “كلاريفيت”، عن قائمة للمرشحين بالفوز بالجائزة تضم 22 باحثاً بارزاً اعتبر عملهم من الطراز الذي يستحق جائزة نوبل. وتم اختيار المرشحين من قِبَل خبراء “معهد المعلومات العلمية” التابع للمؤسسة، بعد تحليل علمي دقيق لأكثر الأبحاث تأثيراً واستشهاداً بها في مختلف التخصصات.
وأشارت المؤسسة إلى أن 83 من الباحثين الذين سبق ترشيحهم حصلوا بالفعل على جائزة نوبل، ما يجعل هذا البرنامج مؤشراً موثوقاً على المسارات المستقبلية للعلماء. وقد غطت اختيارات هذا العام مجالات الطب والفيزياء والكيمياء والاقتصاد، مع الاعتراف للمرة الأولى بباحث من الصين.
وأوضحت “كلاريفيت” أن أبحاث هؤلاء العلماء تصدرت أعلى نسب الاستشهاد في قاعدة بيانات “ويب أوف ساينس”، وأن تأثيرها تجاوز حدود التخصصات العلمية ليشكل إضافات نوعية للبشرية في قضايا ملحة مثل السرطان والمناعة والحوسبة الكمومية والطاقة النظيفة واللامساواة الاقتصادية.
وجاءت الأسماء موزعة على 8 بلدان، حيث تركز عشرة منهم في الولايات المتحدة، وثلاثة في فرنسا، واثنان في كل من ألمانيا وسويسرا واليابان، وواحد في كل من كندا وهولندا والصين.
رغم الأهمية الكبيرة لقائمة “كلاريفيت” وما تحمله من أسماء بارزة في شتى مجالات البحث العلمي، فإن الترشيحات الحقيقية لجوائز نوبل تظل طي الكتمان وفقاً لتقاليد الأكاديمية السويدية، ولا يكشف عنها إلا بعد مرور خمسين عاماً، وبذلك فإن مثل هذه القوائم لا تمثّل إلا تكهنات مبنية على تحليل الاستشهادات العلمية ومؤشرات التأثير، لكنها لا تعكس بالضرورة قرارات لجان نوبل التي تعتمد معاييرها الخاصة، ما يجعل هذه الترشيحات أقرب إلى مؤشر لاتجاهات البحث العلمي ومستوى التأثير العالمي للباحثين أكثر منها توقعاً حاسماً للفائزين.
شملت قائمة المرشحين في مجال الطب أو الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) عدداً من العلماء الذين أحدثوا نقلة نوعية في فهم أمراض خطيرة وآليات بيولوجية أساسية، حيث برزت “أندريا أبلاسر” أستاذة العلوم الحياتية بالمدرسة الفيدرالية السويسرية التقنية في لوزان، لبحوثها الرائدة في الاستجابة المناعية.
فيما تميّز “جلين باربر” أستاذ الجراحة ورئيس قسم أبحاث السرطان بجامعة أوهايو، بإسهاماته في تطوير أبحاث المناعة الفطرية والالتهاب.
أما “تشيجيان جيمس تشين” أستاذ البيولوجيا الجزيئية بجامعة تكساس وباحث معهد هوارد هيوز الطبي، فقد عرف باكتشافه مساراً أساسياً في جهاز المناعة الفطرية ساعد في فهم كيفية دفاع الجسم عن نفسه.
وفي كندا، جاء إنجاز “جون ديك” الباحث في مركز “برنسيس مارجريت” للسرطان وأستاذ جامعة تورونتو، الذي كشف عن وجود الخلايا الجذعية لسرطان الدم ودورها في فشل العلاجات التقليدية، مما غير مسار أبحاث السرطان.
ومن اليابان، ساهم كل من “كينجي كانجاوا” المدير العام السابق للمعهد الوطني للقلب والأوعية الدموية، و”ماساياستو كوجيما” الأستاذ الفخري بجامعة كورومه، في اكتشاف هرمون “جريلين” الذي ينظم الشهية والطاقة والتمثيل الغذائي، وهو اكتشاف فتح آفاقاً جديدة لفهم أمراض السمنة والتمثيل الغذائي.
أندريا أبلاسر وبحوث المناعة
وُلدت “أندريا أبلاسر” عام 1983 في بلدة باد فريدريشسهاول الألمانية لأسرة علمية متميزة، فوالدها طبيب بارز شغل منصب كبير الأطباء في مستشفى بوخلويه، بينما كانت والدتها عالمة رياضيات، وهو ما جعلها تنشأ في بيئة يغمرها العلم والانضباط الفكري منذ طفولتها.
وانتقلت العائلة إلى مدينة “بوخلويه” عندما كانت أندريا في الثالثة من عمرها، وهناك تابعت تعليمها في مدارس ثانوية مرموقة مثل “جيمنازيوم” في تركهايم حيث بدأت اهتماماتها بالطب تتشكل بتأثير مباشر من والدها.
واختارت دراسة الطب في جامعة لودفيج ماكسيميليان في ميونيخ، وهي واحدة من أعرق الجامعات الألمانية، وهناك برز نبوغها العلمي مبكراً، فأتاحت لها الجامعة إكمال جزء من دراستها في جامعة ماساتشوستس المرموقة، إضافة إلى تدريب عملي في كلية الطب بجامعة هارفارد، وهو ما منحها خبرة أكاديمية دولية واسعة.
وعندما حصلت على شهادة الطب عام 2008، كانت واحدة من بين أفضل عشرة طلاب على مستوى ألمانيا بأكملها. ورغم أن ميولها الأولى كانت تتجه نحو التخصص في الأورام، فإن شغفها بالأبحاث الأساسية دفعها إلى اختيار مجال علم المناعة موضوعاً لأطروحة الدكتوراه التي أنجزتها في جامعة ميونيخ عام 2010، وهو قرار غيّر مسارها العلمي وأطلق مسيرتها البحثية الفريدة.
بعد نيلها الدكتوراه، التحقت “أبلاسر” بجامعة بون حيث واصلت العمل مع المشرف على أطروحتها في معهد الكيمياء السريرية والدوائيات السريرية، وهناك قادت مجموعة بحثية صغيرة وركزت جهودها على فهم الآليات التي تسمح للجهاز المناعي الفطري بالتعرف على الخلايا المصابة بالفيروسات.
وتمكنت “أبلاسر” خلال أبحاثها من تحديد جزيء رسول ثانوي جديد ينتج عند تفعيل مستشعرات الحمض النووي في الخلايا، ويعمل هذا الجزيء كإشارة إنذار تنتقل إلى الخلايا المجاورة لتحفزها على الاستجابة ضد العدوى، وهو اكتشاف اعتبر خطوة محورية في علم المناعة الفطرية.
وبفضل هذه الإسهامات، حصلت في عام 2013 على جائزة “يورجن فيهلاند” الممنوحة من مركز “هلمهولتس” لأبحاث العدوى تكريماً لأعمالها في كشف مستقبلات وعوامل تنظيمية جديدة يتم تفعيلها في الخلايا المصابة بالفيروسات. وفي العام التالي، توجت جهودها بجائزة “باول إيرليش” و”لودفيج دارمشتات” للباحثين الشباب، إلى جانب جائزة مؤسسة “جلاكسو سميث كلاين” الألمانية لأبحاث الطب، لترسخ مكانتها كباحثة رائدة في جيلها.
وتوالت الجوائز بعد ذلك، إذ فازت عام 2018 بجائزة إبيندورف للباحثين الأوروبيين الشباب بفضل مساهماتها في فهم المناعة الفطرية، وفي العام نفسه حصلت على منحة “البداية” من المجلس الأوروبي للأبحاث لمشروعها ImAgine الذي يسعى إلى استكشاف العلاقة بين المناعة الفطرية والشيخوخة الخلوية، واضعة نصب عينيها هدف تحويل هذه المعرفة إلى استراتيجيات علاجية جديدة. كما انتخبت في عام 2019 عضواً في المنظمة الأوروبية للبيولوجيا الجزيئية وهو اعتراف دولي بمكانتها المرموقة في الوسط العلمي.
وتواصلت مسيرتها الأكاديمية في سويسرا عندما عينت عام 2014 أستاذة مساعدة على مسار التثبيت الدائم في المعهد العالمي للصحة التابع للمدرسة الفيدرالية العليا في لوزان حيث أسست مختبراً بحثياً خاصاً بها وواصلت بناء فريق علمي متكامل.
وبفضل إنجازاتها المتلاحقة وترسيخها لخط بحثي أصيل يجمع بين علم المناعة والبيولوجيا الخلوية، تمت ترقيتها إلى أستاذة مشاركة، ثم إلى أستاذة كاملة في مايو 2021، وهو أعلى منصب أكاديمي يمكن أن يبلغه الباحث داخل المؤسسة.
وفي الوقت الذي تواصل فيه أبحاثها حول كيفية تفاعل الجهاز المناعي الفطري مع مسببات الأمراض والفيروسات، وقد أصبحت “أبلاسر” من أبرز الأصوات العلمية في أوروبا والعالم، ليس فقط لما حققته من اكتشافات نوعية في مجال المناعة، بل أيضاً لأنها تمثّل نموذجاً للباحثة التي جمعت بين التفوق الطبي والريادة البحثية والقدرة على صياغة رؤى علاجية مستقبلية قد تغير وجه الطب في العقود القادمة.
جلين باربر واستجابات خط الدفاع الأول
يُعد البروفيسور “جلين باربر” واحداً من أبرز العلماء في مجال المناعة الفطرية، وهو المجال المسؤول عن استشعار العدوى الميكروبية وتنشيط آليات الدفاع الطبيعي في الجسم.
وقد أظهرت أبحاثه أن هذه الاستجابات تمثّل خط الدفاع الأول ضد الأمراض، بما في ذلك السرطان، لكنها قد تتحول إلى مصدر للالتهاب المزمن إذا تم تحفيزها بشكل مفرط.
ومن بين إسهاماته البارزة اكتشاف بروتين خلوي يقوم بدور محوري في تحفيز إنتاج الإنترفيرون وتنظيم عمل الجينات المرتبطة بالمناعة، بالإضافة إلى توضيح الكيفية التي تؤدي بها الأحماض النووية إلى تنشيط إنتاج السيتوكينات، وهي جزيئات أساسية في توليد المناعة المضادة للأورام.
كما كان رائداً في مجال الاستفادة من الفيروسات كعلاج محتمل للسرطان، وهو توجّه بحثي يجمع بين الجرأة والابتكار في مواجهة الأمراض المستعصية.
وحصل باربر على درجته العلمية الأولى في العلوم من جامعة بورتسموث، ثم نال الدكتوراه في بورتون داون وكلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، قبل أن يستكمل تدريبه البحثي في جامعات مرموقة بالولايات المتحدة واليابان.
ومع انتقاله لاحقاً إلى جامعة ميامي، تولى رئاسة قسم بيولوجيا الخلية وشغل مقعد أبحاث مرموق في مركز سيلفستر لعلاج السرطان.
وقد حظي بتكريم علمي رفيع، حيث نال عام 2009 جائزة “سيمور وفيفيان ميلستين” تقديراً لإسهاماته في أبحاث الإنترفيرون والسيتوكينات، ثم جائزة “ويليام كولي” عام 2020 تكريماً لأبحاثه المتميزة في علم المناعة الأساسي ومناعة الأورام.
ويشغل حالياً منصب مدير مركز المناعة الفطرية والالتهاب بجامعة ولاية أوهايو، ويقود أبحاثاً متقدمة في مجالات الكيمياء الحيوية، وبيولوجيا الخلية، وعلم المناعة الجزيئي، وعلم الأحياء الدقيق، جامعاً بين الدراسة العميقة للبنى الجزيئية والآليات المناعية ودورها في مقاومة العدوى والأورام.
جيمس تشن.. الصيني مكتشف حساس الحمض النووي
وُلد العالم تشن تشيجيان، المعروف باسم جيمس تشن، عام 1966 في مقاطعة آنشي بمقاطعة فوجيان في الصين، ونشأ في أسرة متواضعة حيث اضطرت والدته، التي كانت تعمل معلمة ابتدائية، إلى تربية أبنائها الثلاثة بمفردها بعد أن نُقل والده للعمل في مكان آخر.
وأظهر تشن نبوغاً علمياً منذ مراحله الدراسية الأولى، فتخرج من مدرسة آنشي الثانوية الأولى عام 1981، ثم التحق بجامعة فوجيان العادية حيث حصل على درجة البكالوريوس في علم الأحياء عام 1985.
وبفضل تفوقه في امتحان الكيمياء الحيوية، فاز بمنحة دراسية مكنته من السفر إلى الولايات المتحدة، حيث التحق بجامعة ولاية نيويورك في بوفالو ونال درجة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية عام 1991.
وخلال دراسته العليا، انجذب إلى دراسة مسار البروتين “يوبيكويتين” في وقت لم يكن هذا المجال يحظى إلا باهتمام محدود عالمياً، وبعد فترة قصيرة من البحث ما بعد الدكتوراه في معهد سالك لدراسات الأحياء، بدأ عمله في مجال الصناعة الدوائية بشركة “باكستر” في كاليفورنيا، ثم انتقل إلى شركة “بروسكربت” في ماساتشوستس، حيث أسهم في تطوير اختبارات ساعدت على ابتكار علاج السرطان المعروف باسم “فيلكاد”.
وفي عام 1997، قرر العودة إلى المجال الأكاديمي فأنشأ مختبره الخاص في مركز ساوث وسترن الطبي بجامعة تكساس في دالاس، حيث يشغل اليوم كرسي جورج ماكجريجور المتميز في العلوم الطبية الحيوية، كما يعمل محققاً في معهد هوارد هيوز الطبي.
تركزت أبحاث تشن الأولى على دور بروتين اليوبيكويتين في مسارات الإشارة المرتبطة بعامل النسخ “إن إف-كابا بي”، ثم توسعت لتشمل دراسة كيفية استجابة الجهاز المناعي الفطري للفيروسات.
وتمكن فريقه البحثي من الكشف عن بروتين “مافس” الموجود في الميتوكوندريا ودوره في الاستجابة المناعية ضد الفيروسات، ثم اكتشف لاحقاً إنزيماً بالغ الأهمية هو “سي جي إيه إس” الذي يعمل كحساس للحمض النووي داخل الخلية، وينتج جزيئاً رسولاً جديداً هو “سي جي إيه إم بي”، وكلاهما يعد من الركائز الأساسية في فهم كيفية تفعيل المناعة الفطرية ومكافحة الفيروسات، لكنه في الوقت ذاته يرتبط بتطور أمراض المناعة الذاتية.
وقد غيرت هذه الاكتشافات جذرياً فهم العلماء لآليات الدفاع المناعي، وفتحت آفاقاً جديدة في تطوير العلاجات المناعية والسرطانية.
معلومات عن نوبل الطب
- في 27 نوفمبر 1895، وقّع العالم السويدي ألفريد نوبل وصيته الأخيرة، وخصص الجزء الأكبر من ثروته لإنشاء جوائز نوبل، ومنها جائزة الطب أو الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء).
- مُنحت جائزة نوبل في الطب 115 مرة منذ عام 1901، ولم تُمنح في تسعة أعوام (1915، 1916، 1917، 1918، 1921، 1925، 1940، 1941، 1942) بسبب الحروب أو لعدم وجود اكتشافات ذات أهمية كافية.
- تقسيم الجوائز:
40 جائزة منحت لعالم واحد فقط.
36 جائزة اشترك فيها عالمان.
39 جائزة اشترك فيها 3 علماء وهو الحد الأقصى المسموح به.
- بلغ عدد الفائزين بنوبل في الطب 229 عالماً بين 1901 و2024.
- أصغر الفائزين: فريدريك بانتنج عام 1923 عن اكتشاف الإنسولين، وكان عمره 31 عاماً.
- أكبر الفائزين: بيتون روس عام 1966 عن اكتشاف الفيروسات المسببة للأورام، وكان عمره 87 عاماً.
- عدد العالمات الفائزات بالجائزة: 13 امرأة فقط، منهن باربارا مكلنتوك التي كانت الوحيدة التي فازت بالجائزة منفردة.
- من بين الأسماء البارزة من العالمات: جيرتي كوري (1947)، وروزالين يالوف (1977)، وريتا ليفي-مونتالشيني (1986)، وجيرترود إيلون (1988)، وكريستيان فولهارد (1995)، وليندا باك (2004)، وفرانسواز باري سينوسي (2008)، وإليزابيث بلاكبيرن وكارول جرايدر (2009)، وماي بريت موسر (2014)، وتو يويو (2015)، وكاتالين كاريكو (2023).
- لم يحصل أي عالم في الطب على الجائزة مرتين، بخلاف فروع أخرى من نوبل.
- لا تُمنح الجائزة بعد الوفاة منذ 1974، إلا إذا توفي الفائز بعد الإعلان مباشرة، كما حدث مع رالف شتاينمان عام 2011.
- من الفائزين المشهورين كأزواج: غيرتي وكارل كوري (1947)، وماي بريت موسر وإدفارد موسر (2014).
- من العائلات: أولف فون يولر (طب 1970) ابن هانز كارل أوجست سيمون (كيمياء 1929)، وسفانتي بابو (طب 2022) ابن سونه بيرجستروم (طب 1982).
- من الإخوة: يان تينبرجن (اقتصاد 1969) ونيكولاس تينبرجن (طب 1973).
- بعض العلماء أُجبروا على رفض الجائزة بضغط سياسي مثل جيرهارد دوماك (1939) بأمر من هتلر.
- شهدت نوبل في الطب شراكات علمية طويلة مثل تعاون براون وجولدستين (40 عاماً) وكوري وزوجته جيرتي (34 عاماً) وواتسون وكريك (عامان).
- من الطرائف: سيجموند فرويد رشح 32 مرة لنوبل في الطب ولم يحصل عليها، ورُشح مرة لنوبل في الأدب عام 1936.
- تصميم ميدالية نوبل في الطب من عمل النحات السويدي إريك ليندبرغ، وتظهر “عبقرية الطب” وهي تسقي فتاة مريضة.
- كل دبلومة جائزة نوبل عمل فني فريد بخط ورسم فنانين سويديين ونرويجيين.
- قيمة الجائزة عام 2025 بلغت 11 مليون كرونة سويدية لكل جائزة كاملة.
- مصطلح “لوريات” (Laureate) يشير إلى إكليل الغار الذي كان يُتوج به الفائزون في اليونان القديمة.
نال تشن سلسلة من الجوائز المرموقة تقديراً لإسهاماته، منها جائزة الأكاديمية الوطنية للعلوم في علم الأحياء الجزيئي عام 2012، وجائزة “لوري” في العلوم الطبية الحيوية عام 2018، وجائزة “راي وو” في العام نفسه.
وفي 2019 حصل على جائزة “الاختراق في علوم الحياة” لاكتشافه إنزيم “سي جي إيه إس”، ثم جائزة “لويسا هورويتز” عام 2023، وجائزة “لاسكر” عام 2024، وأخيراً جائزة “باول إيرليش ولودفيج دارمشتات” عام 2025. كما انتُخب عضواً في الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة عام 2014، وأصبح في عام 2025 عضواً أجنبياً في الجمعية الملكية البريطانية.
وبفضل هذه المسيرة الاستثنائية، يُعتبر جيمس تشن واحداً من أبرز علماء البيولوجيا الجزيئية في العالم المعاصر، ورائداً في كشف الروابط الدقيقة بين الأحماض النووية والمناعة، الأمر الذي جعل أبحاثه مرجعاً أساسياً في فهم الجهاز المناعي وابتكار استراتيجيات علاجية جديدة ضد الأمراض المستعصية.
فأر “جون ديك”.. المصاب بالسرطان
يُعد “جون إدجار ديك” المولود عام 1954، واحداً من أبرز علماء أبحاث الخلايا الجذعية والسرطان في العالم، وهو يشغل منصب كرسي كندا لأبحاث بيولوجيا الخلايا الجذعية، وباحثاً أول في مركز برنسيس مارجريت للسرطان التابع لشبكة الصحة الجامعية، وأستاذاً في قسم الوراثة الجزيئية بجامعة تورونتو.
واشتهر “ديك” بكونه أول من حدد وجود الخلايا الجذعية السرطانية في بعض أنواع سرطان الدم البشري، وهو اكتشاف أحدث ثورة في فهم طبيعة السرطان، إذ أبرز أن الخلايا السرطانية ليست متجانسة بل تتباين في وظائفها وقدرتها على إعادة تكوين الورم، الأمر الذي غيّر مسار أبحاث الأورام وفتح آفاقاً جديدة للعلاجات المستهدفة.
كما ارتبط اسمه باكتشاف قدرة الخلية الجذعية الدموية على إعادة بناء جهاز الدم في الفأر، وتطوير تقنية مبتكرة تمكن فأراً فاقد المناعة من إنتاج دم بشري، وإنشاء أول نموذج فأري مصاب بسرطان الدم البشري، ما وفّر للباحثين أداة بالغة الأهمية لدراسة تطور المرض واختبار العلاجات.
نشأ “ديك” في مزرعة بجنوب مقاطعة مانيتوبا الكندية، وبدأ تعليمه في مدرسة صغيرة من فصل واحد، قبل أن يتوجه إلى جامعة وينيبيج لدراسة الأشعة السينية، لكن شغفه بعلم الأحياء دفعه إلى تغيير مساره نحو الجامعة.
التحق بجامعة مانيتوبا حيث تخصص في علم الأحياء الدقيقة، وحصل منها على درجة الدكتوراه عام 1984، وانتقل بعدها إلى تورونتو ليلتحق بمختبر ألان بيرنشتاين، أحد أبرز الباحثين في مجال السرطان وتلميذ العالم الشهير جيمس تيل، وهناك بدأ أبحاثه حول سرطانات الدم. ومن خلال عمله طوّر تقنية “الفأر ناقص المناعة” التي سمحت بزراعة خلايا الدم البشرية في أجسام الفئران، ما منحه اعترافاً عالمياً بصفته رائداً في هذا المجال.
في عام 1994 نشرت مجلة “نيتشر” بحثه الذي كشف أن الخلايا الجذعية السرطانية تنمو ببطء، وهو ما يفسر عودة سرطان الدم بعد العلاج الكيميائي المصمم لاستهداف الخلايا سريعة النمو.
وقد قوبل اكتشافه في البداية بالتشكيك، لكن مع اكتشافه عام 1997 للخلايا الجذعية السرطانية في ثلاثة أنواع أخرى من سرطان الدم، طرح فرضية “الخلايا الجذعية السرطانية” التي غيرت النظرة العلمية للسرطان، حيث أكد أن الخلية الجذعية غير الطبيعية هي المحرك الأساسي لتكون الورم واستمراره، ومن دونها لا يمكن للسرطان أن ينمو.
وقد رسخ هذا الاكتشاف نموذجاً أصبح أساساً للأبحاث الحالية التي تسعى لتطوير استراتيجيات علاجية تستهدف الخلايا الجذعية السرطانية تحديداً.
وغيّر “ديك” بشكل جذري فهمنا لتكون الدم البشري وتطور سرطان الدم، بفضل تطويره تقنيات زرع نخاع العظم البشري في الفئران ناقصة المناعة، وتحديده للخلايا الجذعية المكوّنة للدم على المدى الطويل.
ومن خلال هذه النماذج الحيوانية، استطاع أن يبرهن أن جزءاً صغيراً من الخلايا السرطانية يمتلك القدرة الفعلية على إعادة تكوين الورم، وهو اكتشاف اعتبر حجر الأساس لنظرية الخلايا الجذعية السرطانية ولتطبيقاتها العلاجية في السرطان.
حصل “ديك” على العديد من الجوائز المرموقة، منها جائزة مايكل سميث من معاهد أبحاث الصحة الكندية عام 1997، وجائزة روبرت إل. نوبل للتميز في أبحاث السرطان عام 2000، والميدالية الطبية من جامعة لايدن عام 2002، وانتُخب زميلًا في الجمعية الملكية الكندية عام 2004، وحصل على جائزة وليام داميشك من الجمعية الأميركية لأمراض الدم عام 2005، وجائزة قمة أبحاث أونتاريو الطبية عام 2007.
وفي عام 2014، نال عضوية الجمعية الملكية البريطانية، وفي عام 2017 حصل على جائزة جامعة كيو للعلوم الطبية تقديراً لأبحاثه في الخلايا الجذعية السرطانية، ثم جائزة مؤسسة بيسكولر والجمعية الأميركية لأبحاث السرطان عام 2020 عن إنجازاته الاستثنائية في أبحاث السرطان.
كينجي كانجاوا وماسايا سو كوجيما.. صائدا الهرمونات
تصدَّر العالمان اليابانيان كينجي كانجاوا وماسايا سو كوجيما قائمة الباحثين الأكثر نشراً للأوراق العلمية خلال العامين الماضيين وفقاً لمؤشر الاقتباس العلمي الدولي، وذلك بفضل اكتشافهما هرمونا ارتبط بآليات التغذية والسمنة، ما جعلهما محط أنظار المجتمع العلمي.
بدأت قصة تعاونهما عام 1983 في كلية الطب بجامعة ميازاكي، حيث كان كوجيما طالباً مبتدئاً، بينما كان كانجاوا أستاذاً مساعداً يحظى بمكانة دولية، بعد أن تمكن من عزل هرمون القلب المعروف باسم “البيبتيد الأذيني المدر للصوديوم”، الذي كشف أن القلب ليس مجرد مضخة للدم بل أيضاً غدة صماء.
تميزت اليابان خلال العقود الماضية بكونها موطناً لاكتشافات بارزة في مجال البيبتيدات الفعالة حيوياً، إذ عزلت فيها هرمونات مثل الإندوثيلين والهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية، إضافة إلى مساهمات كانجاوا نفسه الذي حدد البنية الكيميائية لأكثر من خمسين بيبتيدا، بينها الهرمون الدماغي المدر للصوديوم والهرمون المدر من النوع “سي”.
وعندما انتقل إلى المركز القومي للقلب والأوعية في أوساكا، تمكن من عزل هرمون “الأدرينوميدولين”، فيما كان العالم يبحث عن الربيطة الطبيعية لمستقبل مقترن بالبروتين “جي” مسؤول عن تحفيز إفراز هرمون النمو.
تولت مجموعة كانجاوا، بمساعدة خبرة كوجيما في البيولوجيا الجزيئية، تطوير فحص مبتكر ساعد في تحديد تلك الربيطة، غير أن المفاجأة كانت أن مصدرها لم يكن الدماغ كما اعتقد، بل المعدة.
ومن هناك اكتُشف هرمون “الجريلين” عام 1999، وهو بيبتيد يتألف من 28 حمضاً أمينياً مع تعديل كيميائي فريد يمنحه خواصه المميزة. وينتج هذا الهرمون بكثرة أثناء الصيام وحالات الهزال، بينما ينخفض في السمنة، ما جعله عنصراً رئيسياً في تنظيم توازن الطاقة وفي تحفيز إفراز هرمون النمو من الغدة النخامية الأمامية.
منذ ذلك الحين، أصبح الجريلين محوراً لمئات الدراسات العلمية، تجاوزت 130 بحثاً، شارك كانجاوا في أكثر من 40 منها. ووسّع فريقه أبحاثه لدراسة تأثير الجريلين على أمراض القلب المزمنة وفشل القلب، بل وبدأ البحث في قيمته العلاجية المحتملة لمرضى السرطان وفقدان الشهية. أما كوجيما، وبعد 18 عاماً من العمل المشترك، انتقل إلى جامعة كورومي ليؤسس مختبره الخاص ساعياً وراء هرمونات جديدة.
أما كوجيما، فرغم إيمانه بقوة المختبرات اليابانية، فقد انتقد السياسة البحثية في بلاده التي تركز على سن الباحثين وقيمة أبحاثهم التجارية بدلاً من محتواها العلمي.ورغم ارتباط أبحاثهما بشبكات تعاون واسعة مع جامعات في أوروبا وأميركا، فإن كليهما ظل وفياً للمختبرات اليابانية التي أمدتهما بالبيئة العلمية الخصبة. كانجاوا نفسه يقر بأنه لو بقي في الولايات المتحدة بعد تجربته القصيرة هناك لما تمكن من اكتشاف هرمون القلب.
واليوم، يواصل كانجاوا جهوده في مطاردة هرمونات جديدة، وقد قدم بالفعل بيانات عن هرمون حديث للنشر العلمي، فيما يسعى كوجيما من جانبه إلى فتح آفاق مستقلة.