اخبار تركيا

تناول تقرير للكاتب والمحلل السياسي التركينيدرت إيرسانال، أبعاد ما يسمى بـ “خطة السلام لغزة” التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، محللاً أهدافها الخفية وأبعادها السياسية.

يوضح الكاتب التركي أن الخطة ليست سعياً لتحقيق سلام عادل، بل محاولة لتصفية القضية الفلسطينية عبر محاصرة غزة وحماس، وتفريغ مفهوم الدولة الفلسطينية من مضمونه، وتحويلها إلى كيان تابع يخدم المصالح الإسرائيلية.

كما يشير إلى توظيف الخطة في إطار إقليمي أوسع يرتبط باتفاقيات أبراهام وإعادة ترتيب الشرق الأوسط، مع احتمال استخدامها لتصعيد الضغط على إيران، محذراً من أن الإجماع الشكلي قد يشرعن واقعاً ظالماً، ويؤدي إلى طمس “الروح الفلسطينية” ومكتسبات المقاومة.

وفيما يلي نص التقرير:

إن “خطة السلام لغزة” التي أعلنها الرئيس ترامب والقاتل ومرتكب الإبادة نتنياهو مساء الإثنين لا تكتفي بمحاصرة فلسطين وحماس فحسب، بل تدفع أيضاً المجتمع الدولي الذي ثار ضد نتنياهو إلى طريق مسدود. لقد كان الجزء الغربي من هذا المجتمع يذرف دموع التماسيح، فسارع إلى تبني الخطة فوراً.

من الآن فصاعداً، كل من ينتقد هذه الخطة أو يشير إلى أنها فخّ، سيُوصَف بأنه يدعو إلى استمرار مقتل الفلسطينيين؛ وسيُهمَّش السؤال عن القاتل الحقيقي، إنه مأزق حقيقي…

إنها فخاخ متداخلة..

فالنقاشات الدائرة حول الخطة وبنودها، وتحليلات مدى قابلية تطبيقها ونجاحها، قد تدفع الجميع إلى نسيان قضية “الدولة الفلسطينية”. وهذا يمثل خطر “إضعافها وتفكيكها”.

وحتى إن لم تنجح في ذلك، فإن جوهر هذه الخطة يخفي هجوماً أكبر؛ فهي لا تهدف فقط إلى القضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية، بل تطمح إلى تدمير حماس وفروعها وأي تيارات شبيهة بها. إنها تستهدف طمس “الروح الفلسطينية” وتاريخها وثقافتها ومكتسبات المقاومة. ولم يلتفت أحد إلى العبارات التي استخدمها نتنياهو في هذا الصدد، مع أنه تحدث حتى عن “الكتب المدرسية”.

وإذا نجحت هذه الخطة بنسبة مئة بالمئة، فإنها تحمل في طياتها خطر القضاء على قضية الدولة الفلسطينية. قد تظهر بعد ذلك دولة باسم فلسطين، لكنها لن تكون أبداً الدولة الشرعية التي نعرفها ويرغب بها الجميع. ستُقام فلسطين كدولة تابعة أو حتى كامتداد لإسرائيل، وسيشرف عليها “مجلس إدارة دولي”. فماذا يعني “حكومة غزة المؤقتة”؟ ومن يعين “حاكم عام”؟ هل الطريق المرتقب يمر عبر أسماء مثل جاريد كوشنر وتوني بلير؟

ولا ننسَ أن وراء هذه الخطة تكمن «اتفاقيات إبراهيم». ستتبعها خطواتٌ تستأنف المسار الذي توقف في ولاية ترامب الأولى بالتعاون مع إسرائيل. طبعًا هناك مكان لإيران في هذا السياق أيضا؛ ولست متفائلا أبدا في تصريح ترامب بأن إيران “قد تشارك أيضا”. فنحن نعلم جيداً أن مرحلة جديدة من التوتر والتصاعد ضد طهران قد بدأت بالفعل.

وتُعدّ كيفية نظر السياسة الداخلية الإسرائيلية، وتحديداً شركاء نتنياهو في الائتلاف، إلى عرض الاتفاقية من بين النقاط الفرعية الحرجة، ولكنهم قد يجدون الولايات المتحدة في مواجهتهم. ومع ذلك، سيحسم مصير هذا الاتفاق نتائج الانتخابات النصفية الأمريكية.

وكما يدرك الجميع، أعلن ترامب بنفسه ما سيحدث لحماس إذا لم تقبل بالاتفاق. فهل ستتحول الولايات المتحدة، التي قدمت حتى الآن دعماً لوجستياً وسياسياً، إلى داعم مباشر للإبادة الجماعية؟ حسناً، وماذا سيحدث لإسرائيل إذا لم تلتزم بالاتفاق، هذا غير مذكور في الخطة.

المطلوب من حماس هو أن تُقدّم نفسها للموت. ومن الواضح أن حماس تقع تحت حصار خانق. فرفضها للاتفاق قد يُشَوّه إلى حدٍّ بعيد الصورة الإيجابية التي بنتها لدى الرأي العالمي العام حتى الآن بدماء الفلسطينيين. . وقد يؤدي إلى انهيار الموقف الصارم تجاه إسرائيل الذي بات يكاد يُلمَس في الأمم المتحدة. وكونوا على يقين أن ذلك سيحدث أسرع مما هو متوقع.

إن الخطة المكتوبة لا تحتوي على هدف نهائي واضح. فلا يوجد فيها ذكر لـ “الدولة الفلسطينية”، ولا للقدس، ولا لحل الدولتين، ولا للضفة الغربية. إنها ترى فلسطين مجرد عقبة يجب إزالتها لإقامة شرق أوسط جديد. ولكنها في معرض إزالتها لتلك العقبة تقول: “سوف نقدم الطعام للفلسطينيين الذين عانوا كثيراً حتى الآن”.

وفي أعقاب الإعلان عن الخطة، نشر الرئيس أردوغان تغريدة قال فيها: “أُقدر الجهود والقيادة التي أظهرها الرئيس الأمريكي السيد ترامب لوقف إراقة الدماء وضمان وقف إطلاق النار في غزة. تركيا ستواصل المساهمة في عملية لإرساء سلام عادل ودائم يقبله الطرفان”.

ويشير الوصف الصادر عن أنقرة إلى أن هذه الخطوة تسعى إلى “وقف إطلاق النار”، ولكنه يوحي بأن السلام، ولا سيما السلام العادل والدائم، ليس موجوداً بعد أو غير مدرج في الخطة.. وتتعهد تركيا بدعم التقدم على هذا المسار.

من الواضح أن الخطة تحظى بدعم واسع النطاق؛ فالبيانات المشتركة الصادرة عن قطر، والأردن، والإمارات، وإندونيسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وباكستان، التي شاركت في الاجتماع نفسه، كانت في الاتجاه ذاته. إضافة إلى ذلك، رحب الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية بالخطة، رغم أن الموقف النهائي لإسبانيا وإيرلندا لم يتضح بعد.

هذا الجبهة الواسعة قد تخلق ظرفًا يتجاوز أي اعتراضات محتملة ومبررة، أي أن ما سيوافق عليه الأطراف قد لا يتحقق ضمن شروط عادلة.

في الختام يمكن تبسيط الأمر على النحو التالي: من هو الفاعل الأساسي في بناء هذه الخطة وتنفيذها، فلسطين أم إسرائيل؟ وإذا كانت إسرائيل، فهذا يعني أن المنطقة ستتشكل وفقًا لمصالحها.

بعد ذلك، سيتم وضع المنطقة في سياق عالمي أوسع.

وربما ينبغي وضع مقترح دولت بهجلي، الذي توسّع ليشمل مثلث روسيا والصين وتركيا، ثم ضم إليه إيران، في هذا الإطار الزمني والمكاني.

هذا ليس بديلاً مقابلاً، بل اقتراح توازن يتعلق بالشكل الجديد الذي ستأخذه المنطقة خلال وقت قصير. وهو يمثل متنفسًا لتخفيف الضغوط المحتملة على تركيا ضمن الجبهة التي ستنشأ نتيجة التغير الإقليمي، وإن لم يكن مضمونًا. لأن الخريطة الجديدة تمتد، باستثناء إيران، من حدود الهند مرورًا بباكستان، وأذربيجان وحوض بحر قزوين، وشبه الجزيرة العربية بما فيها مصر، وشرق البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك قبرص، ودول الخليج. أما تأثير سوريا والعراق على اتجاه وقوة هذه التطورات فمحدود جداً.

شاركها.