صبا العصفور

في أحد أيام الإجازة الصيفية كانت «ندى» وحدها في المنزل، فقررت أن تفاجئ أسرتها بوجبة إفطار، فتحت الثلاجة وأخرجت البيض، لكنها توقفت حائرة: لم تعرف كيف تكسر البيضة دون تناثر القشرة، ولم تميّز بين زيت القلي وزيت السلطة! وبعد عدة محاولات، اكتفت بإرسال صورة للبيض النيء في مجموعة العائلة، وكتبت: «يوم أتعلم، أوعدكم أفاجئكم».

المشهد طريف ظاهرياً، لكنه يكشف فجوة حضارية أوسع في تعليمنا وثقافتنا الأسرية، فالمسألة ليست «قلي بيضة»، بل عرضٌ للانفصال بين المعرفة ومقاصدها العملية، وبين التعليم ووظيفته في تمكين الإنسان من العيش بكرامة، والاكتفاء دون تبعية.

في الماضي، كان المنهج المدرسي يضم «الاقتصاد المنزلي» بجانب العلوم والرياضيات، ليخرج الطلاب وهم يتقنون الطهو، وإصلاح الأعطال، وإدارة شؤون البيت. لم تكن هذه مهارات ترفيه، بل جزءًا من تعليم متكامل يوازن بين العقل والعمل، بين المعلومة والقيمة.

اليوم، ورغم توفر المعرفة الأكاديمية، يغيب هذا البعد العملي الذي هو من صميم المقاصد القرآنية في التمكين «وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا» كي يتعلّم الإنسان القدرة على تدبير شؤونه.

في كل مرة تملأ وسائل الإعلام شاشاتنا بصور لشباب يجهلون أبسط مهارات العيش من قلي بيضة إلى تشغيل الغسالة، علينا أن نتساءل: هل هذا هو سقف طموحنا للأبناء؟ أن نوفّر لهم أرقى المدارس والجامعات، ونتركهم عاجزين عن الاستغناء عن الآخرين في أبسط شؤونهم؟

الفجوة ليست قدراً، بل فرصة للإصلاح. فالإحصاءات تقول إن 61% من جيل Z لا يستطيع إعداد عجة، و80% لا يعرفون طهو وجبة أساسية، ونصفهم يشعر بعدم الاستعداد لإدارة المنزل. لكنهم في المقابل بارعون في التقنية، سريعو التعلّم، قادرون على اكتساب أي مهارة في بيئة مناسبة.

لذلك، بدل أن نضحك على هذه المشاهد، لنجعلها بداية لمشروع تربوي يعيد للتعليم وظيفته في التزكية والتمكين وبناء إنسان حر، عبر إدخال «مهارات الحياة» في المناهج، وتنظيم ورش عائلية، وتشجيع المبادرات الشبابية التي تدمج العمل التطوعي بالممارسة الواقعية، واستثمار الإعلام لنشر محتوى مهاري راقٍ.

المستقبل مليء بالتحديات، لكننا قادرون على صناعة جيل يملك أدوات العيش بكرامة، ويتحرك بروح العدل والمسؤولية، مؤمنًا بأنَّ التعليم قدرة على إدارة الحياة وصناعة الأثر، لا مجرد شهادة على الجدار.

شاركها.