طرح مستشارون لقائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير، على مسؤولين أميركيين، مقترحاً يقضي بإنشاء وتشغيل ميناء جديد على ساحل بحر العرب، يمنح الولايات المتحدة موطئ قدم في واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز”. 

وتضع الخطة، التي اطّلعت عليها الصحيفة، تصوراً لتطوير بلدة الصيادين الساحلية “باسني”، كميناء يتيح الوصول إلى المعادن الحيوية في باكستان، وذلك عبر استثمارات أميركية، إذ تقع “باسني” على بعد 100 ميل فقط من إيران، و70 ميلاً من مدينة جوادر الباكستانية، التي تضم ميناءً تديره الصين.

ويُظهر هذا الطرح، الذي لا يمثل سياسة رسمية بعد، كيف يسعى مسؤولون باكستانيون لاستثمار التحولات الجيوسياسية المتسارعة في جنوب آسيا خلال الأشهر الماضية.

وأوضح اثنين من مستشاري قائد الجيش للصحيفة، أن العرض طُرح بالفعل أمام بعض المسؤولين الأميركيين، وتمت مشاركته مع منير قبل لقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، أواخر الشهر الماضي، غير أن مسؤولاً رفيعاً في إدارة ترمب أكد أن الرئيس وفريقه لم يناقشوا مثل هذا المقترح. 

خطة ميناء “باسني”

ويقوم التصور المقترح لميناء “باسني”، وفق “فاينانشيال تايمز”، على ربطه بخط للسكك الحديدية لنقل المعادن من داخل باكستان، خصوصاً النحاس والأنتيمون، وهو عنصر حيوي في صناعة البطاريات والمواد المقاومة للنار والصواريخ، إذ تُقدر كلفة المشروع بما يصل إلى 1.2 مليار دولار، على أن يكون تمويله مزيجاً من الحكومة الباكستانية وتمويلات تنموية مدعومة أميركياً.

ويرى مؤيدو الخطة، أنها وسيلة لموازنة موقع باكستان على الساحة العالمية بين الصين والولايات المتحدة وإيران والسعودية.

ووفق المخطط، فإن قرب “باسني” من إيران وآسيا الوسطى يعزز خيارات الولايات المتحدة للتجارة والأمن، كما أن الانخراط في “باسني” سيُوازن نفوذ ميناء “جوادر” ويوسّع حضور واشنطن في بحر العرب وآسيا الوسطى”، بحسب “فاينانشيال تايمز”. 

كما أشار المخطط، إلى أن استثمارات الصين في ميناء “جوادر” ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، تثير “مخاوف الاستخدام المزدوج”، في إشارة إلى احتمال تحويله لقاعدة بحرية صينية، وهو ما تنفيه إسلام آباد وبكين. 

وتبقى الصين الشريك الأقرب لباكستان، إذ توفر معظم أسلحتها إلى جانب مليارات الدولارات من القروض والاستثمارات. 

واستخدمت باكستان طائرات وأنظمة أسلحة صينية لإسقاط ما يصل إلى ست طائرات هندية في مايو الماضي، ومع ذلك، شدد مستشارو منير على أن خطة “باسني” تستثني “التمركز المباشر”، أي أنها لن تتحول إلى قاعدة عسكرية أميركية.  

العلاقات الباكستانية الأميركية

وذكرت “فاينانشيال تايمز”، أن هذا المشروع يعد واحداً من عدة أفكار طرحها مسؤولون باكستانيون، علناً وسراً، للحفاظ على زخم العلاقة مع إدارة ترمب. 

وتشمل هذه الأفكار: الانخراط في مشروع للعملات المشفّرة مدعوم من ترمب، وتعميق التعاون ضد تنظيم “داعش-خراسان” المتمركز في أفغانستان، ودعم خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة، إضافة إلى فتح باب الاستثمارات في قطاع المعادن الاستراتيجية. 

ويصف دبلوماسيون أميركيون وباكستانيون، العلاقة بين ترمب ومنير بأنها “صداقة وثيقة” منذ أن نسب الرئيس الأميركي لنفسه الفضل في مايو الماضي في وقف إطلاق النار الذي أنهى أسوأ مواجهة عسكرية بين باكستان والهند منذ عقود. 

ورغم نفي الهند أي دور لترمب، فقد شكره منير ورئيس الوزراء شهباز شريف علناً، ورشحاه لجائزة “نوبل” للسلام، فيما كال ترمب المديح لقائد الجيش الباكستاني. 

وبعد لقائهما الأخير الشهر الماضي، نشر البيت الأبيض صوراً لمنير وشريف وهما يقدمان لترمب علبة عرض تضم عينات من المعادن. 

وقال أحد مستشاري منير، ممن شاركوا في قنوات تواصل غير رسمية مع دائرة ترمب منذ أكثر من عام: “لقد تغيّر السرد بالكامل بعد الحرب. كان الوضع سيئاً للغاية قبل ذلك. لم نعتنِ بالعلاقة كما ينبغي، وخلال العقدين الماضيين شغلت الهند الفراغ في هذه العلاقة”.

وتدهورت العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد، التي اتسمت بالتحالف الوثيق خلال الحرب الباردة وبعد هجمات 11 سبتمبر، لاحقاً بسبب دعم باكستان لحركة “طالبان” الأفغانية، أثناء الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان.  

وتسعى إسلام آباد لإعادة صياغة هذه الروابط من خلال الاستثمار والتجارة. وفي مؤشر مبكر على اهتمام أميركي بقطاع المعادن الباكستاني، وقّعت شركة US Strategic Metals، ومقرها ولاية ميزوري، مذكرة تفاهم مع الهيئة الهندسية العسكرية الباكستانية في سبتمبر الماضي، لتعزيز التعاون. 

وقال مايك هولومون، المدير التجاري للشركة، إنهم يطمحون لإنشاء مصفاة للنفط، مشيراً إلى أنه التقى الشهر الماضي بمسؤولي المينائين الرئيسيين في كراتشي وضواحيها، إضافة إلى ممثل عن ميناء “جوادر”، خلال زيارة إلى باكستان. 

وأضاف أن الشركة سمعت أحاديث عن مشروع ميناء محتمل قرب “باسني”، موضحاً أن البلدة تمتلك ميناءً طبيعياً عميق المياه ويمكن ربطها بالسكك الحديدية بمشروع “ريكو ضيق”، وهو منجم للنحاس والذهب تطوره شركة “باريك مايننج” الكندية، ما يجعل إنشاء منشأة في المنطقة أمراً منطقياً للغاية.  

وتابع: “في محادثاتنا مع القائد العسكري، شدد على أن باكستان كانت حليفاً للولايات المتحدة منذ وقت طويل، وأن قطاع المعادن يمثل وسيلة لإحياء صداقة خامدة”. 

وفي أواخر الشهر الماضي، شحنت باكستان أول دفعة تجريبية صغيرة (أقل من طنين) من المعادن الحيوية والنادرة إلى الشركة الأميركية، تضمنت النحاس والأنتيمون والنيوديميوم. 

ويُسهم قطاع المعادن في باكستان حالياً بنحو 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تتركز معظم الموارد غير المستغلة في الأقاليم الغربية التي تشهد تمردات دامية أودت بحياة أكثر من 2000 شخص العام الماضي.   

شاركها.