قالت الأكاديمية والباحثة في الطب الجزيئي وعضو جمعية أصدقاء الصحة د. رباب عبدالوهاب إنه رغم ارتفاع نسب النجاة من سرطان الثدي بفضل الكشف المبكر والعلاجات المتطورة، إلا أن خطر الانتكاس يظلّ كابوساً يلاحق الناجيات، حيث يرافقهن الخوف من عودة المرض حتى بعد إعلان الشفاء.

وأضافت أن دراسة منشورة في مجلة Nature Medicine في سبتمبر 2025 أشارت إلى أن نحو ثلاثة من كل عشرة مرضى معرضون لاحتمال عودة الورم، ما يحوّل حياتهم إلى دورة علاجية دائمة لا تقضي على المرض نهائياً، موضحة أن بعض الأنواع العدوانية مثل السرطان الثلاثي السلبي وسرطان الثدي إيجابي البروتين قد تعود خلال سنوات قليلة فقط، بينما يمكن أن يظهر سرطان الثدي الإيجابي لمستقبلات الإستروجين بعد عقد أو عقدين من العلاج.

وتابعت أن الأبحاث الحديثة قادت إلى اختراق طبي غير مسبوق قد يغيّر قواعد المعركة ضد سرطان الثدي عالميًا، ويقلل من خطر الانتكاس، مؤكدة أن هذا الاكتشاف يمنح أملاً جديداً للناجيات ويثبت أن الوقاية من الانتكاس لم تعد حلماً بعيد المنال.

وأشارت د. رباب عبدالوهاب إلى أن فريقاً من الباحثين في برنامج أبحاث سرطان الثدي بجامعة بنسلفانيا الأمريكية أعلن عن نتائج تجربة سريرية هي الأولى من نوعها نجحت في رصد «الخلايا السرطانية النائمة» في أجساد الناجيات والتخلّص منها باستخدام أدوية متوفرة في الأسواق، حيث اعتمد الباحثون على مهاجمة خلايا السرطان في مرحلة السكون قبل أن تستيقظ.

وقالت إن الباحثين كشفوا أن هذه الخلايا النائمة، التي لا تظهر في الفحوص التقليدية أو صور الأشعة، تُعد السبب الخفي وراء عودة المرض بعد سنوات من الشفاء الظاهري، لافتة إلى أن ما يجعل الاكتشاف أكثر إثارة هو أن العلاج اعتمد على إعادة توظيف أدوية موجودة أصلًا لعلاج أمراض أخرى، بدلاً من تطوير عقاقير جديدة تستغرق سنوات من البحث والتجارب. وأضافت أن التجربة اعتمدت على بروتوكول سريري شمل 51 ناجية أنهين علاجهن خلال السنوات الخمس الماضية، حيث كانت فحوصهن سليمة، لكن باستخدام فحوص متقدمة تم اكتشاف وجود خلايا سرطانية نائمة في نخاع العظام. وخضعت المريضات لست دورات علاجية متتالية باستخدام دواء واحد أو مزيج من دوائين، وبعد متابعة تراوحت بين ستة واثني عشر شهراً أظهرت النتائج أن 80% من المريضات تخلصن نهائياً من الخلايا النائمة.

وأشارت إلى أن معدل البقاء دون انتكاس تجاوز 90% لدى من تلقين دواء واحداً بعد ثلاث سنوات، فيما بلغ 100% لدى من تلقين مزيج الدوائين، مضيفة أنه بعد متابعة استمرت 42 شهراً لم تُسجل سوى حالتي انتكاس فقط. وأوضحت أن الباحثين أطلقوا على هذه الخلايا مصطلح «المرض المتبقي المجهري» لأنها لا تنقسم بسرعة ولا تُكتشف بالوسائل التقليدية، لكنها تحتفظ بقدرتها على الاستيقاظ والانتشار حتى بعد سنوات طويلة، مسببةً سرطاناً انتقالياً خطيراً.

وتابعت أن مرحلة السكون تمثل فرصة ذهبية للهجوم باستخدام أدوية لم تكن فعالة ضد الأورام النشطة لكنها قد تشكل سلاحاً قوياً ضد الخلايا الكامنة، مما يؤكد أن خصائص هذه الخلايا الحيوية مختلفة تماماً.

وأوضحت أن الفريق البحثي شدد على أن الطريق ما زال طويلاً، إذ شملت التجربة 51 مريضة فقط، ما يستلزم دراسات أوسع وأكثر تنوعاً لتأكيد النتائج، لكن في الوقت نفسه تُعتبر النتائج مبشرة للغاية، خاصة أن الأدوية المستخدمة معروفة ومتوفرة بالفعل، الأمر الذي يتيح تسريع الانتقال إلى نطاق أوسع من التجارب وربما تطبيق الاستراتيجية في الممارسة الطبية خلال سنوات قليلة.

وختمت عبدالوهاب بالتأكيد على أن الباحثين يرون أنه أصبح من الممكن التفكير في منع عودة سرطان الثدي قبل أن يبدأ، عبر القضاء على الخلايا النائمة التي كانت حتى الأمس القريب لغزاً عصياً على الاكتشاف والعلاج، مشيرة إلى أنه إذا أثبتت الدراسات الموسعة نجاح هذا الاكتشاف فسيؤدي إلى تحول تاريخي في مفهوم الشفاء من السرطان، من الاكتفاء بغياب الورم إلى ضمان منع الانتكاس نهائياً.

شاركها.