في واقعة غريبة أثارت جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، تداول مستخدمو “فيسبوك” و”إكس” مقطع فيديو يُظهر مجموعة من الأشخاص أثناء قيامهم بسرقة الأبواب الحديدية وتكسير الحوائط الخاصة بالمقابر في دائرة قسم شرطة حلوان، جنوب محافظة القاهرة، في مشهد صادم اعتبره كثيرون تعديًا على حرمة الموتى واستهتارًا بالقيم الإنسانية والدينية.
الفيديو، الذي لم تتجاوز مدته الدقيقة الواحدة، أظهر شخصين أثناء قيامهما بفك الأبواب الحديدية المثبتة على مداخل المقابر، مستخدمين أدوات حديدية في التكسير والخلع، بينما كان أحدهم يتولى المراقبة، والآخر يباشر السرقة دون أي خوف أو تردد، وكأنهم يعملون في ورشة خفية داخل المقابر.
تحرك سريع من مباحث حلوان
ورغم أن الواقعة لم تكن مصحوبة ببلاغ رسمي من الأهالي أو القائمين على المقابر، فإن رجال مباحث قسم شرطة حلوان بقيادة المقدم محمد مجدي ومعاونيه أحمد الدالي ومحمود صلاح وكريم عبد العاطي ومحمود عز وأحمد صبرة وبيجاد علي ومحمد بدوي ومحمد ايمن وعمرو أبو زيد تحركوا فور تداول الفيديو، وبدأت عمليات فحص دقيقة للمقطع لتحديد المكان والزمان والهوية المحتملة للمتهمين. وتم تتبع خطوط السير والأماكن المحيطة بالمقابر الظاهرة في الفيديو، إلى أن تمكن فريق البحث من تحديد هوية الجناة وضبطهم في وقت قياسي.
ضبط المتهمين والمضبوطات
وتبين من التحريات أن وراء ارتكاب الواقعة شخصين لهما معلومات جنائية سابقة، يقطنان بدائرة قسم حلوان، اعتادا ممارسة نشاط إجرامي في سرقة الأبواب والنوافذ المعدنية من المناطق المهجورة والمقابر بغرض بيعها لتجار الخردة مقابل مبالغ مالية.
وعقب تقنين الإجراءات، تمكنت قوة أمنية من ضبطهما، وعُثر بحوزتهما على خمسة أبواب حديدية خاصة بالمقابر كانت معدّة للبيع، وعتلة حديدية استخدماها في عمليات الخلع والتكسير، بالإضافة إلى كمية من مخدر الشادو كانت بحوزتهما بقصد الاتجار.
اعترافات صريحة أمام رجال المباحث
وبمواجهتهما بما أسفرت عنه التحريات والأدلة، اعترفا تفصيليًا بارتكاب واقعة سرقة الأبواب الحديدية من داخل المقابر، موضحين أنهما استغلا فترة الليل لارتكاب الجريمة بعيدًا عن أعين الحراس أو الزائرين، كما أقرا بحيازتهما المواد المخدرة بقصد الاتجار لتوفير مصدر دخل غير مشروع.
عقب ضبطهما، تم تحرير محضر بالواقعة، وأُخطرت النيابة العامة لتتولى التحقيق، حيث أمرت بحبس المتهمين على ذمة التحقيقات، ومصادرة المضبوطات وإرسال المخدر للمعمل الكيماوي لفحصه وبيان نوعه وكميته.
بيان الداخلية: لا بلاغات رسمية ولكن تحرك فوري
وأكدت وزارة الداخلية، في بيان رسمي، أن الواقعة لم يتم الإبلاغ عنها مسبقًا، وأن كشفها جاء نتيجة لرصد الأجهزة الأمنية لمحتوى الفيديو المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، ضمن جهود الوزارة في تتبع المنشورات التي تتضمن مخالفات أو جرائم تمس النظام العام.
وشدد البيان على أن الأجهزة الأمنية لن تتهاون مع أي محاولة للاعتداء على حرمة المقابر أو الممتلكات العامة والخاصة، وأنها مستمرة في توجيه حملات أمنية موسعة لتأمين المناطق النائية والمقابر لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.
غضب الأهالي ومطالب بتأمين المقابر
من جانبهم، عبّر عدد من أهالي حلوان عن استيائهم الشديد من الحادث، مطالبين بتكثيف الرقابة على المقابر وتعيين حراس دائمين لحمايتها من العابثين، خاصة بعد تكرار وقائع مشابهة خلال الفترات الماضية.
وقال أحد سكان المنطقة: “حرمة الميت لازم تتصان، واللي يمد إيده على المقابر ده معدوم الضمير.. إحنا عايزين رقابة مستمرة علشان الحوادث دي متتكررش.”
بينما أشار أحد مسؤولي إدارة المقابر إلى أن ضعف الإضاءة وانعدام الرقابة الليلية يشجع بعض الخارجين عن القانون على ارتكاب جرائم من هذا النوع، مستغلين خلو المنطقة ليلًا.
ظاهرة مقلقة تتصاعد
وتعكس هذه الواقعة الوجه الآخر لظاهرة آخذة في الانتشار ببعض المناطق، حيث تحولت المقابر إلى هدف لسرقات الحديد والنحاس والرخام، في ظل ارتفاع أسعار الخردة، ما جعلها مصدرًا سهلًا للربح السريع لدى بعض العناصر الإجرامية.
دعوات للرقابة وتزويد المقابر بالكاميرات
ويبقى السؤال: هل ستدفع هذه الحادثة الجهات المحلية والأمنية إلى إعادة النظر في تأمين المقابر وتزويدها بكاميرات مراقبة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم التي تمس حرمة الأموات وتؤذي مشاعر الأحياء؟
التحقيقات لا تزال جارية، والمتهمان قيد الحبس، بينما تتواصل جهود الأجهزة الأمنية في تتبع باقي العناصر المحتمل تورطها في سرقات مماثلة بدوائر أخرى في جنوب القاهرة.







