موفق الخوجة | محمد كاخي | عبادة الشيخ

تتزايد المؤشرات على احتمال التصعيد العسكري بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، خاصة بعد تصريحات رسمية سورية وتركية عن التوجه إلى الصدام إذا لم يُحل ملف القوات التي تسيطر على شمال شرقي سوريا قبل نهاية العام.

وظهر أحد مقاتلي “قسد”، في 3 من تشرين الأول الحالي، أمام رتل عسكري في دير الزور، وقال بلغة عربية ركيكة، إن الرتل متوجه إلى جبهات دير حافر شرقي حلب، والمقاتلون مستعدون لحماية جميع محافظات سوريا، وصولًا إلى الساحل.

وفي الرقة، شنّت “قسد” حملة اعتقالات واسعة طالت المئات، وهدفت إلى البحث عن متخلفين عن التجنيد الإجباري، وامتدت إلى مناطق ومحافظات أخرى.

على الجانب المقابل، تتزايد التحضيرات والتعزيزات السورية والتركية، التي توحي بالضغط العسكري.

وقال مصدر عسكري في وزارة الدفاع السورية، ل، في 29 من أيلول الماضي، إن مطار “كويرس العسكري” في ريف حلب الشرقي جرى “تأمينه”، بعد نشر عربات مدرعة تركية من نوع “سامور” داخله، إلى جانب منظومات دفاع جوي وطائرات مروحية تركية، بالإضافة إلى انتشار عدة فرق من الجيش السوري في محيط المطار، وفي مدينتي رأس العين وتل أبيض، على الحدود السورية- التركية.

وأكدت مصادر من قرية حميمة في ريف حلب، ل، إغلاق طريق دير حافر المؤدي إلى مناطق “قسد”.

وبحسب هذه المؤشرات والمعطيات، تتجه الأنظار نحو معركة محتملة شمال شرقي سوريا، بين الجيش السوري والتركي و”قسد”، ولذا تناقش في هذا الملف احتمالية نشوب المعركة، والمواقف الدولية حيالها، وتفاصيل نطاقها العسكري، مع باحثين وخبراء.

سد نقص أم تفريغ حاضنة مناهضة؟

شهدت مناطق سيطرة “قسد” تصعيدًا في حملات التجنيد الإجباري تحت ما تسميه “واجب الدفاع الذاتي”، وطالت محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، وأثارت موجة عارمة من القلق الشعبي نتيجة طابعها العشوائي واعتقال قاصرين.

ونفذت الشرطة العسكرية التابعة لـ”قسد” حملة واسعة في مدينة الرقة وريفها نهاية أيلول الماضي، تجاوزت في الرقة وحدها 500 حالة اعتقال عشوائية، تخللتها تجاوزات في آلية الاعتقال والأعمار المستهدفة.

تدريب بالذخيرة الحية للفرقة 42 ضمن الجيش السوري - 7 تموز 2025 (وزارة الدفاع)

تدريب بالذخيرة الحية للفرقة 42 ضمن الجيش السوري – 7 تموز 2025 (وزارة الدفاع)

الرقة.. “اعتقالات عشوائية”

​اتسمت الحملة في الرقة بالعشوائية والمفاجئة، بحسب الناشط فارس الذخيرة، إذ أثارت ارتباكًا بين السكان لعدم تقيد الحواجز بالفئة العمرية المستهدفة رسميًا، ولم تعتمد الحواجز على التحقق من البطاقات الشخصية بقدر الاعتماد على “الشكل”.

هذه الآلية أدت إلى اعتقال مراهقين لم يبلغوا السن القانونية للتجنيد، إذ طالت طالبًا يبلغ من العمر 14 عامًا وهو في طريقه إلى المعهد، بالإضافة إلى رجال تجاوزت أعمارهم الـ30 عامًا، في حين أفرجت “قسد” عن عدد منهم، وفق الذخيرة.

نجلاء الجليل، من مدينة الرقة، أكدت أن الخوف من الاعتقال العشوائي دفعها لإبقاء ابنها، وهو من مواليد 2008 وغير مطلوب للتجنيد، في المنزل حتى انتهاء الحملة، خوفًا من مصير مجهول.

في حين قال نصر الهاشمي، إن حالة من الفزع سادت في المدينة ما دفع بعض المعاهد إلى إغلاق أبوابها أو اتخاذ إجراءات احترازية مشددة.

حددت “الإدارة الذاتية” المواليد التي يجب عليها الالتحاق بالصفوف العسكرية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بموجب قرار أصدرته في 22 من حزيران 2024.

وذكرت “الإدارة” أن الفئات العمرية بين مواليد 1998 و30 من حزيران 2006، مطلوبون لخدمة ما تسميه “واجب الدفاع الذاتي لإقليم شمال وشرق سوريا”.

وأضاف التعميم أن “على جميع المكلفين ممن دخلوا سن الـ18 مراجعة مراكز واجب الدفاع الذاتي لقطع الدفتر”.

وتنتهج “الإدارة الذاتية” سياسة التجنيد الإجباري، عبر شن حملات اعتقال متكررة تطول الشبان وحتى الأطفال لتجنيدهم لمدة تصل إلى سنة تقريبًا، يتلقون فيها التدريبات ودروسًا عقائدية من “فكر أوجلان” وعلى يد ضباط من “جبال قنديل”، ومن ثم يجري زجهم في الجبهات العسكرية.

وكانت “الإدارة الذاتية” فرضت قانون التجنيد الإجباري أو ما أطلقت عليه اسم “واجب الدفاع الذاتي” في تشرين الثاني 2017، على الشباب ذكورًا وإناثًا في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا.

التجنيد الإجباري هو قانون يلزم الأفراد في مناطق “الإدارة الذاتية” بالالتحاق في صفوف قواتها العسكرية والأمنية للدفاع عن مناطق سيطرتها وحدودها، على غرار الخدمة الإلزامية في صفوف قوات النظام السابق.

​امتدت إلى دير الزور والحسكة

الباحث في مركز “الحوار السوري” عامر المثقال، أوضح أن الحملة لم تشمل مدينة الرقة فقط، بل حتى الطريق الذي يصل مع حلب مرورًا بدير حافر شرقها، حيث نصبت “قسد” نقاطًا وحواجز “طيارة” واعتقلت شبانًا من خلالها.

وأفاد مراسل باعتقال عدد من الشبان في ريف دير الزور، عبر حاجز “الجعابي”، إلا أنه لا تتوفر إحصائية دقيقة لأعداد المعتقلين.

أحمد، أحد أبناء دير الزور (تحفظت على نشر اسمه الأخير حفاظًا على أمنه وأمن شقيقه)، قال إن “قسد” اعتقلت شقيقه في مدينة الشدادي، جنوبي الحسكة، واقتادته إلى معسكر تدريبي في حقل “الجبسة” النفطي، ما يشير إلى استخدام المواقع النفطية كمراكز تجميع وتدريب للمجندين قسرًا.

توتر متصاعد

​يخشى الأهالي أن تكون حملات التجنيد هذه محاولة من “قسد” لملء النقص البشري ورفد الجبهات استعدادًا لمعارك محتملة، ما يعرض حياة أبناءهم لخطر الموت.

الصحفي من مدينة دير الزور لؤي الأحمد، اعتبر أن “قسد” بتبنيها نهج التجنيد القسري تخاطر بزج الشباب في حرب “لا ناقة لهم فيها ولا جمل”، غير آبهة بالتبعات الإنسانية والتدمير الذي سيطول المنطقة.

وأكد الباحث السياسي فراس علاوي، ل، أن “قسد” تمارس سياسة “الأمر الواقع” في عمليات التجنيد الإجباري، وتصعّد من ضغوطها على الأهالي في مناطق سيطرتها لدفعهم لإرسال أبنائهم إلى صفوفها، وذلك في سياق مرتبط بشكل مباشر بالتصعيد السياسي والعسكري الأخير مع الحكومة السورية.

الصحفي باسل المحمد، قال ل، إن هذه الحملة تبدو أبعد من مجرد إجراء أمني عابر، فهي تكشف عن توتر متصاعد تعيشه “قسد” مع بيئتها المحلية من جهة، ومع حكومة دمشق من جهة أخرى، وسط مناخ إقليمي ودولي بالغ الحساسية.

توجس من العشائر.. دمشق تراقب

في الوقت الذي تتحدث فيه الأوساط السياسية عن استعصاء لتنفيذ اتفاقية 10 من آذار بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قسد”، مظلوم عبدي، تلجأ الأخيرة إلى تكثيف قبضتها الأمنية عبر الاعتقالات والتجنيد الإجباري، في محاولة لإحكام السيطرة على الداخل الذي يزداد احتقانًا، خصوصًا مع تصاعد مشاعر “السخط” بين العشائر العربية في الرقة ودير الزور، وفق الصحفي باسل المحمد.

واعتبر أن هذا التوجس من تحركات العشائر يدفع “قسد” إلى خطوات استباقية، لكنها قد تؤدي في النهاية إلى نتيجة عكسية، إذ تعمّق الفجوة مع الحاضنة الاجتماعية وتغذي احتمالات المواجهة.

في المقابل، يرى الصحفي، المحمد، أن دمشق تقف في موقع المترقب، وتمارس ضغوطًا على العشائر لضبط النفس، لكنها لا تخفي استعدادها لاستثمار أي انهيار في الجبهة الداخلية لـ”قسد” لمصلحتها.

من جانبه، يرى الباحث في مركز “الحوار السوري” عامر المثقال، أن “قسد” تتخوف من إطلاق عمل عسكري جديد ضدها، بغض النظر عن حدود هذه العملية وما إذا كانت موسعة أو محدودة للضغط عليها لتنفيذ اتفاقية 10 من آذار، وتستعد لذلك عبر زيادة عدد عناصرها.

وفي حال فشلت التفاهمات مع دمشق، فإن هذه الاعتقالات لن تكون ذات فعالية كبيرة، وفق ما يراه الباحث المثقال في حديثه إلى.

وشرح ذلك بأن “قسد” تزج بجنود غير مدربين بشكل جيد على المواجهات، ولذلك من المتوقع أن يفر كثير من عناصر “قسد” بمجرد ما أتيحت لهم الفرصة، وخاصة من أبناء المكون العربي الذين تعتمد عليهم “قسد” عادة في الخطوط الأمامية للمواجهات.

وبحسب الصحفي باسل المحمد، تجعل هذه المؤشرات من حملة الاعتقالات الأخيرة “جرس إنذار” لما هو قادم، فهي تعكس ما وصفه بـ”مأزق قسد” بين ضغوط الداخل والخارج، وتكشف عن بيئة قابلة للاشتعال في أي لحظة.

 

حملات التجنيد الإجباري الواسعة، والمداهمات المستمرة للقرى والبلدات التي تشنها “قسد” تحت مسمى “الدفاع عن النفس” ما هي إلا محاولة لتعويض النقص الحاد في صفوف مقاتليها، وتعبير عن قلقها المتزايد من التغيرات في المشهد الإقليمي والدولي.

ويأتي هذا التصعيد بالتزامن مع التقارب الملحوظ بين دمشق ومحيطها الإقليمي والدولي، وهو ما قوّض بشكل كبير أوراق “قسد” التي كانت تراهن على التدخل الخارجي لتثبيت سيطرتها على المنطقة ومواردها.

لؤي الأحمد

صحفي سوري

“قسد” تنفي التجنيد

بالرغم من المعلومات التي يؤكدها ناشطون وأهالٍ في شمال شرقي سوريا، نفت “قسد” الاتهامات التي وُجّهت إليها بشأن التجنيد الإجباري في الرقة، ووصفتها بأنها “باطلة تمامًا”.

وقالت في بيان، صدر في 1 من تشرين الأول الحالي، إن ما جرى “إجراء أمني روتيني للتحقق من الهويات الشخصية وضمان سلامة الوثائق التعريفية”، مشيرة إلى أن هذه الخطوة جاءت بهدف “الحفاظ على استقرار المنطقة وأمنها من أي خروقات”.

المحلل السياسي حسن النيفي، قال ل، إن نفي “قسد” يندرج تحت بند ما أسماها “سياسة الإنكار” التي تتبعها الأخيرة، موضحًا أنها تحاول دائمًا أن تنفي عن نفسها مسألة الحشد والتجنيد الإجباري وخاصة تجاه القاصرين.

كما قلل الباحث المثقال، من أهمية نفي “قسد” قائلًا إنها اعتادت مواجهة الحقائق التي ينقلها الناشطون من مناطق سيطرتها بالنفي والتكذيب، وفق تعبيره.

تدريب بالذخيرة الحية للفرقة 42 ضمن الجيش السوري - 7 تموز 2025 (وزارة الدفاع)تدريب بالذخيرة الحية للفرقة 42 ضمن الجيش السوري - 7 تموز 2025 (وزارة الدفاع)

تدريب بالذخيرة الحية للفرقة 42 ضمن الجيش السوري – 7 تموز 2025 (وزارة الدفاع)

تركيا على الخط..

انسحبت دمشق من المفاوضات التي كانت مقررة بباريس في تموز الماضي، وطالبت بأن يتم التفاوض في دمشق حصرًا. واجتمعت مسؤولة الشؤون الخارجية في “الإدارة الذاتية” (الذراع الحوكمية لقسد) في شمال شرقي سوريا، إلهام أحمد، مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، آخر مرة في نهاية آب الماضي.

وأعلنت “الإدارة الذاتية” في مناسبتين، أن لجانها جاهزة وتنتظر تحديد مواعيد رسمية من قبل الحكومة السورية لاستئناف عقد لقاءات مباشرة مع ممثلي الحكومة لمناقشة سبل دمج المؤسسات الإدارية والعسكرية، دون أن يصدر عن دمشق أي تصريحات بخصوص استئناف انعقاد المفاوضات وعمل اللجان.

ونفت الحكومة السورية ما جرى تداوله عن رفض الشيباني لقاء إلهام أحمد، مطلع تشرين الأول. وقال مصدر مسؤول في الحكومة السورية تحفظ على نشر اسمه، ل، “ننفي ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام حول رفض حكومة دمشق استقبال وفد من قوات سوريا الديمقراطية”.

وأوضح المصدر، في 4 من تشرين الأول، أنه لم يكن هناك “أي موعد محدد من الأساس”، وأن وصول الوفد تم دون تنسيق مسبق مع الجهات المعنية.

وكان موقع “العربية نت” نقل عن مصدرين أحدهما مقرب من وزارة الخارجية السورية والآخر من “الإدارة الذاتية”، في 3 من تشرين الأول، أن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، امتنع عن لقاء إلهام أحمد بسبب “رفضه حضور مسؤولين أمريكيين للاجتماع المرتقب بين الجانبين”.

وكان الاجتماع، بحسب “العربية”، سيناقش كيفية تطبيق اتفاقية 10 من آذار المبرم بين الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد “قسد” مظلوم عبدي.

الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قال في لقائه مع صحيفة “ملييت”، في 19 من أيلول الماضي، إن “أجنحة معيّنة داخل (قسد) وحزب (العمال الكردستاني) خربت تنفيذ الاتفاقية، وأبطأت العملية”.

وفي حوار مع  قناة “الإخبارية السورية” الحكومية، قال الشرع، إنه هناك تقدمًا في المفاوضات مع “قسد”، إلا أن هناك نوعًا من التعطيل أو التباطؤ في تنفيذ الاتفاق. ولفت الشرع إلى أن دمشق كانت تسعى لأن تطبق بنود الاتفاق نهاية كانون الأول المقبل.

الباحث في الشؤون العسكرية نوار شعبان، قال ل، إن المهلة التي منحتها دمشق لـ”قسد” تبدو منطقية، فهي تعطي “قسد” فرصة للتفكير بجدية في الخيارات المطروحة أمامها، بما قد يساعد على تجنيب المنطقة مواجهة عسكرية.

في المقابل، كل المؤشرات حتى الآن لا توحي بأن شيئًا ملموسًا سيتغيّر مع انتهاء هذه المهلة، لأن “قسد” تبدو وكأنها حسمت خيارها، بحسب شعبان.

ويرى المحلل السياسي حسن النيفي، أن “قسد” تتلكأ بتطبيق الاتفاق، ما يؤدي إلى تصعيد متبادل بين الطرفين، وخصوصًا من جانب الحكومة المركزية التي بات لديها شبه يقين بأن “قسد” لا تريد تطبيق هذا الاتفاق.

وبدأ سقف مطالب “قسد” يرتفع، بحسب النيفي، بعد أحداث السويداء، ومطالبة الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، حكمت الهجري، بحق تقرير المصير والانفصال.

وتجد “قسد” بهذه الدعوات مبررًا لها، إذ تراهن على ضعف الحكومة السورية فيما يخص ملفات الداخل وتحرك الأقليات، وتراهن أيضًا على ضعف الحكومة المركزية، فترفع من سقف مطالبها.

ولفت إلى أن “قسد” طالبت بالنظام الفيدرالي، أو اللامركزية السياسية، وهذا لا يمكن أن توافق عليه الحكومة المركزية في دمشق، مما يجعل الصدام العسكري أمرًا قائمًا ومحتملًا، فهي في سياق الاستعداد لمواجهة عسكرية، خصوصًا مع تركيا وربما مع الحكومة السورية.

مسافة حذرة بين دمشق وتركيا

رغم التقاء دمشق وأنقرة على رفض أي مشروع انفصالي شمال شرقي سوريا، فإن دمشق تميل إلى خيار المفاوضات ومحاولة دمج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة لتفادي أي مواجهة عسكرية جديدة.

بالمقابل، تصرّ تركيا على إبقاء ورقة التهديد بالعمل العسكري حاضرة، وتعتبر أن أي تسويف أو مماطلة من جانب “قسد” يشكّل خطرًا مباشرًا على أمنها القومي.

وصرّح الرئيس السوري، الشرع، في أكثر من مناسبة بأن خيار دمشق هو التفاوض، وأنه أقنع أنقرة بعدم شن عملية ضد “قسد” بعد الإطاحة بالأسد، وإعطاء المفاوضات فرصة.

وفي لقائه مع صحيفة “ملييت” التركية، قال الشرع إنه “إذا لم تتحقق عملية التكامل بحلول كانون الأول، فقد تتخذ تركيا إجراء عسكريًا”.

بينما هددت تركيا، عبر وزير خارجيتها، ووزير دفاعها، بالعمل العسكري ضد “قسد”، إذا استمرت بمحاولات المماطلة في تنفيذ اتفاقية 10 من آذار.

من وجهة نظر الباحث في الشؤون العسكرية نوار شعبان، فإن أولويات تركيا الآن هي أمنها القومي، والأولوية لدى دمشق هي تهدئة الوضع، وتوحيد الصفوف، وبسط السيادة.

بسط السيادة بتحرك عسكري سيكون مكلفًا وله تداعيات أكبر، فلذلك خيار التفاوض هو الأفضل لدمشق، والتباين بين البلدين ليس حادًا، فعلى الرغم من أن الموضوع يتعلق بأمن تركيا القومي، تنتظر أنقرة نهاية مدة التفاوض للحكم على نتائجها.

ويرى الباحث السياسي معن طلاع، أن أنقرة تتعامل مع ملف “قسد” بمنطق متعدد الأدوات، فهي لم تعد تكتفي بمقاربة دفاعية لحماية حدودها كما كان الحال عام 2015، بل انتقلت إلى سياسة هجومية تهدف إلى فرض شروطها في الميدان.

وأشار إلى أن تركيا تستغل الظرف الإقليمي والدعم الدولي لمسار الاستقرار في سوريا من أجل دفع “قسد” نحو تقليص خياراتها الأمنية والسياسية، وجعل التفاوض السبيل الوحيد أمامها.

ومع أن الظروف السياسية تبدو اليوم أكثر نضجًا، أكد طلاع أن استبعاد الخيار العسكري غير ممكن، خصوصًا في ظل تغير المواقف الدولية ورسم ملامح نظام أمني إقليمي جديد قد يعيد طرحه بقوة، ولو عبر عمليات محدودة كالمسيّرات وضبط الحدود، في محاولة للضغط على “قسد” لتقديم تنازلات أكبر في مفاوضاتها مع دمشق أو أنقرة.

في المقابل، يرى الباحث في المركز الكردي للأبحاث طارق حمو، أنه بالرغم من تصريحات تركيا التي تلوّح بعمل عسكري ضد “قسد”، فإن أنقرة تعيش في الوقت نفسه مسار حوار داخلي مع الحركة الكردية، وهو ما يجعل من الصعب أن تذهب نحو مواجهة واسعة، خاصة في ظل حساسية التوازنات السياسية الداخلية وسعي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الحفاظ على عملية السلام وتعزيز موقعه في المشهد السياسي.

ويذهب حمو إلى أن التهديدات التركية في هذه المرحلة لا تتجاوز كونها أدوات ضغط سياسية، تستهدف دفع الحركة الكردية إلى إبداء مرونة أكبر، وكذلك طمأنة الأصوات القومية الرافضة لمسار السلام في الداخل التركي.

ويرى أن سيناريو تكرار عمليات عسكرية واسعة كتلك التي جرت في أعوام 2016 و2018 و2019 يبدو مستبعدًا، في حين يبقى خيار الاندماج مطروحًا أمام “قسد”، سواء عبر الانخراط في الجيش السوري أو المشاركة في العملية السياسية بدمشق بصيغة تعترف بالحقوق الكردية وتُبقي على إطار من اللامركزية.

أحد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) خلال تخريج دفعة مقاتلين من القوات الخاصة - 13 آب 2025 (قسد/المركز الإعلامي)أحد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) خلال تخريج دفعة مقاتلين من القوات الخاصة - 13 آب 2025 (قسد/المركز الإعلامي)

أحد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) خلال تخريج دفعة مقاتلين من القوات الخاصة – 13 آب 2025 (قسد/المركز الإعلامي)

إذا بدأت المعركة..

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية، عبر مبعوثها الخاص إلى سوريا توم براك، أن تسرّع عملية الاندماج بين الحكومة السورية و”الإدارة الذاتية”.

وحذر براك “قسد”، في 11 من آب الماضي، من مواجهة مشكلات مع الحكومتين السورية والتركية إذا لم تتحرك بسرعة نحو الاندماج. واتهم القوات، في 9 من تموز الماضي، بالمماطلة في تنفيذ الاتفاق، وأوضح أنه هناك طريقًا واحدًا فقط أمامها، وهذا الطريق يؤدي إلى دمشق.

كما أعفت الولايات المتحدة مؤخرًا عددًا من أرفع دبلوماسييها العاملين في الملف السوري، وبحسب “رويترز”، فإن المسؤولين الذين شملتهم الإعفاءات كانوا جميعًا يعملون تحت إشراف براك. وأشار مصدر دبلوماسي غربي إلى أن الخطوة ارتبطت جزئيًا بـ”تباين في وجهات النظر” بين بعض الموظفين وبراك حول ملف العلاقة بين “قسد” والرئيس السوري، أحمد الشرع.

يرى الباحث السياسي في المركز الكردي للدراسات طارق حمو، أن الدور الأمريكي في شمال شرقي سوريا يتجاوز الحسابات الظرفية، إذ إن الملف موكَل أساسًا إلى وزارة الدفاع (البنتاجون) التي بنت علاقة طويلة الأمد مع “قسد”، ويشير إلى أن هذه العلاقة ليست عسكرية فقط، بل تحمل بعدًا استراتيجيًا وإنسانيًا، ما يجعل من الصعب الحديث عن تخلٍّ أمريكي عن “قسد” في الوقت القريب.

وتابع حمو حديثه إلى بالقول، إن الإدارة الأمريكية ما زالت ترى في حكومة دمشق شريكًا، رغم تراجع حالة الاحتواء والإعجاب بعد أحداث الساحل والسويداء، ولكن الملف العسكري موكَل لـ”البنتاجون”، والتعاون الأمريكي مع “قسد” لم يتراجع، بل يظل محوريًا في تنفيذ العمليات ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وفي ملاحقة قادته، على عكس محدودية التعاون مع قوات الحكومة السورية، وسط توجس أمريكي من تركيبة وهيكلية الفصائل وتوجهاتها الأيديولوجية داخل نظام الحكم الجديد.

بينما يرى الباحث السياسي فراس حاج يحيى، أن الرهان على واشنطن “محفوف بالمخاطر” دائمًا، لأن السياسة الأمريكية في سوريا لم تكن يومًا مبنية على التزامات طويلة المدى، بل على إدارة التوازنات بين الأطراف، ومن خلال التغييرات الأخيرة التي قام بها توم براك، وتصريحاته الداعية لتسريع الاندماج، نفهم أن الإدارة الأمريكية لا ترى “قسد” ككيان دائم، بل كأداة يجب أن تدمج في مؤسسات الدولة السورية لتأمين استقرار نسبي.

وبالتالي، بحسب حديث حاج يحيى إلى، فإن واشنطن لن تحمي مشروع اللامركزية إلى ما لا نهاية، بل تستخدمه الآن كورقة تفاوضية، ولذلك، الرهان الواقعي أمام “قسد” ليس في انتظار ضمانات أمريكية، بل في الوصول إلى تسوية مع دمشق تضمن الحقوق الثقافية والإدارية، دون المساس بوحدة الدولة والسيادة الوطنية.

العقيد الركن والباحث العسكري خالد المطلق

لا يمكن لأحد بمفرده تحديد موازين القوى بين دمشق و”قسد”، فهناك معايير وتداخلات عديدة، ولا شك أن “قسد” تتمتع بانضباط وهيكلية وتنظيم وعمل قتالي وتدريب أفضل بكثير، وإذا لم تتخلَّ الولايات المتحدة عنها فسيكون لها غطاء جوي، والمعركة يحسمها الغطاء الجوي.

أما بالنسبة للجيش السوري فحاليًا لا تزال هناك فصائل، والتدريب التكتيكي ضعيف جدًا، فهو ليس جيشًا منظّمًا بل عبارة عن فصائل تقاتل كما كان الحال أيام الثورة، فصيل يقاتل في جبهة معينة وفق خطة بسيطة.

يختلف نظام عمل الجيوش عن الفصائل، الخطة الاستراتيجية للجيش تحكمها قضايا عدة، والأهم فيها الانضباط ووجود قيادة مركزية وغرفة عمليات موحّدة بعيدة عن الانقسامات، وحتى الآن لم نشهد ذلك.

رأينا عمليات دخول فاشلة، سواء في الساحل حيث غابت الانضباطية، أو في السويداء حيث لم تكن هناك تعبئة نظامية.

المدافع أقوى.. التدخل التركي يحسم

دائمًا ما يكون المدافع أقوى من المهاجم، لذلك في الجيوش النظامية إذا أردنا مهاجمة كتيبة يجب أن نهاجم بثلاث كتائب (لواء)، وإذا أردنا مهاجمة لواء فلا بد من فرقة.

المهاجم يحتاج إلى ثلاثة أضعاف قوة المدافع، ووضع الجيش لا يزال مهزوزًا ولم يصل إلى المستوى المطلوب، لكن في حال وجود غطاء جوي وتدخل مباشر من تركيا، أعتقد أن الأمور ستحسم جزئيًا وربما كاملًا، لأن الضربات الجوية أو القصف الجوي أو الصاروخي لا تحسم المعركة بالكامل إلا إذا تزامن ذلك مع تقدم على الأرض.

في حال كان هناك تدخل تركي مباشر، فباعتقادي ستحسم الأمور جزئيًا، و”قسد” مستعدة جيدًا لهذه الوضعية، بسبب تحصين المنشآت الدفاعية، والاعتماد الكبير على الأنفاق، والخنادق، ونقاط الاستناد.

وكما لاحظنا في غزة، فإن إسرائيل بكامل قوتها لم تستطع حسم المعركة نتيجة وجود المقاومة في الأنفاق، وهنا نفس الحالة، فتركيا بقوتها لم تستطع القضاء على حزب “العمال الكردستاني” لأنه يستخدم الأنفاق أيضًا، بالرغم من استخدام تركيا قنابل ووسائط نارية مضادة للأنفاق.

واقع المعركة

من منظورٍ عسكري، هناك احتمال لعملية محدودة للسيطرة على دير الزور والرقة، أي المناطق التي يقطنها عدد قليل من الكرد، ثم تنسحب “قسد” إلى مناطق الحسكة والقامشلي.

هذا أقصى مدى للمعركة المحتملة، بهدف تقليص وجود “قسد” في بعض المناطق. وأظن أنه لن تكون هناك معركة شاملة أو واسعة، وستقتصر السيطرة على دير الزور والرقة فقط، وهذا أمر أعتقد أنه متفق عليه سياسيًا.

وبالنسبة لتركيا ومشاركتها في المعركة، أعتقد أن دورها سيقتصر على الدعم اللوجستي، ولا أعتقد أنها ستدخل بريًا.

لا تنفتح معركة عسكرية إلا بقرار سياسي، والقوات التركية لن تشارك بريًا، لكنها قد تقدم دعمًا جويًا أو لوجستيًا. ولو تدخلت بريًا فستكون مواجهة ذات أبعاد كبيرة، ولدى الجيش التركي منظومة نظامية وقوة كبيرة وإمكانيات هائلة وتجهيزات، لكن ذلك يتطلب قرارًا سياسيًا، ولا يوجد مثل هذا القرار الآن.

لا أحد من اللاعبين السياسيين اليوم له مصلحة في أن تنتهي “قسد” تمامًا باستثناء تركيا، والأخيرة لها مسارات سياسية مع الولايات المتحدة، لكن أمريكا لا يمكن أن تتخلى عن “قسد” لأنها تقوم بعمليات مهمة ضد تنظيم “الدولة”، وقد نفذت “قسد” مهام صعبة جدًا، لذا لا يمكن القضاء عليها ميدانيًا أو سياسيًا.

ميدانيًا، بسبب خطوطها الدفاعية المعقدة وتجهيزات الأنفاق والسواتر ونقاط الاستناد ومراكز العمليات، وسياسيًا لأن أمريكا لن تتخلى عن “قسد” مطلقًا.

وما يجب أن نأخذه بعين الاعتبار هو إمكانية تدخل ميليشيات إيرانية وعراقية وفتح معركة على الجبهة الشرقية لسوريا. هنا تختلط الأوراق والنتائج لا أحد يعرفها، خصوصًا إذا كانت هناك عملية قادمة في لبنان على عناصر “حزب الله” في الجنوب، وترحيلهم إلى الشمال، وبمجرد وصولهم إلى الشمال فقد تنشأ مواجهة بين الجيش السوري و”حزب الله” على الحدود اللبنانية- السورية.

عمليات عسكرية تركية في سوريا 2016 - 2025عمليات عسكرية تركية في سوريا 2016 - 2025

المصدر: عنب بلدي

شاركها.