اخبار تركيا

قال عمر أونهون، آخر سفير تركي في دمشق قبل سقوط نظام البعث، إنلقاء الرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض يعكس نهج تركيا البراغماتي في التعامل مع التحديات الدولية، مشيراً إلى أن الزيارة مثلت فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين، مع إدارة الملفات الحساسة بطريقة تحفظ مصالح أنقرة الوطنية.

وأضاف في مقال له على موقع “المجلة”، أن ترمب اعتمد في تعامله مع تركيا نهجا برغماتيا، يركّز على المصالح الاقتصادية، فيما يسعى أردوغان إلى استغلال هذه المقاربة لتعزيز موقع بلاده.

وأوضح الكاتب أنه ووعقب الاجتماع، قال الرئيس دونالد ترمب: “لقد كان لقاء رائعا، ستُدهشون عندما تسمعون ما جرى اليوم”، أما السفير الأميركي توم باراك فقد وصف اللقاء بـ”الملحمي”.

وفيما يلي تتمة المقال:

سادت أجواء إيجابية خلال الزيارة، إذ وصف ترمب نظيره التركي بـ”الصديق القديم” مشيرا إلى أنه يحظى باحترام عالمي، وكرّر عبارات الإطراء خلال المؤتمر الصحافي المشترك.

وحرص الطرفان على عدم السماح للقضايا الإقليمية الخلافية، بأن تطغى على جدول الأعمال، وبحسب ما جرى الإعلان عنه، فقد وقِّعت عدة اتفاقيات في مجالات متنوعة .ومن بين أبرز هذه الاتفاقيات، استيراد تركيا للغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة حتى عام 2045، وشراؤها 225 طائرة ركاب من شركة “بوينغ”، يُتوقع تسليمها بين عامي 2029 و2034. كما وقّع الجانبان مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة النووية المدنية.

أما فيما يتعلق بالتعاون والمشتريات في مجال الدفاع، فقد أعلن ترمب عزمهما مناقشة شراء تركيا لمقاتلات (إف35)، و(إف16) من الولايات المتحدة، مشيرا إلى احتمال رفع العقوبات المفروضة بموجب “قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات” قريبا.

ولم تُكشف تفاصيل هذه النقاشات، كما لم يُعلن عن أي خطوات ملموسة، بشأن هذه القضايا التي تسببت في توتر كبير في العلاقات بين البلدين على مدى سنوات.

وكانت تركيا قد أقصيت من برنامج (إف35) في عام 2019، وفرضت عليها عقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات، بعد شرائها منظومة الدفاع الجوي (إس400) من روسيا. ورفضت الولايات المتحدة، تسليم الطائرات الست من طراز (إف35) التي سبق أن دفعت تركيا ثمنها، والبالغ 1.5 مليار دولار أميركي، كما أنها لم تُرجع المبلغ المذكور. وعقب اللقاء قال ترمب: “إنه من الممكن التوصل إلى اتفاق مع تركيا بشأن طائرات (إف35) بسهولة”، مضيفا: “لكن أولا، على الرئيس أردوغان القيام بأمر ما من أجلنا”.

إضافة إلى ما سبق، هناك أيضا مسألة تتعلق بنحو 40 طائرة مقاتلة من طراز (إف16) كانت تركيا ترغب في شرائها من الولايات المتحدة، إلا أن هذه الصفقة تعطلت، لأسباب غير واضحة تماما.

وفيما يخص القضايا الإقليمية، تصدرت غزة وفلسطين جدول الأعمال. وتُعد تركيا من بين الدول التي اتخذت موقفا واضحا جدا، ضد الحرب الإسرائيلية في غزة، في حين تقف الولايات المتحدة بشكل قاطع إلى جانب إسرائيل، ويتمسك ترمب بدعمه القوي لها. إذ يصف ترمب حركة “حماس” بأنها “أسوأ منظمة إرهابية في العالم” بينما يعتبرها أردوغان “حركة مقاومة تقاتل من أجل قضية عادلة”.

وكان من الممكن أن تتحول هذه القضية إلى عامل يُفسد المشهد، وأن تُضفي توترا على اللقاء، كما حدث في مناسبات مشابهة مع زيلينسكي، وعدد من الشخصيات الدولية الأخرى، لكن ذلك لم يحدث. ويبدو أن الدبلوماسيين الذين أعدوا هذا اللقاء بين الزعيمين، قد توصلوا إلى تفاهم بشأن كيفية التعامل مع هذه النقطة الحساسة، وقد التزم القادة بذلك.

وردا على الأسئلة المتعلقة بغزة، قال ترمب إن الاجتماع الذي عُقد بشأن فلسطين في نيويورك في اليوم السابق “كان ناجحا جدا” وإنهم باتوا قريبين من التوصل إلى نوع من الاتفاق، مشددا على ضرورة الإفراج عن الرهائن. فيما لم يتطرق أردوغان إلى غزة سوى بإشارة عامة موجزة في مستهل حديثه، حين قال إن الصعوبات في المنطقة يمكن تجاوزها بالتعاون مع الولايات المتحدة.

ويُرجّح أن الجانبين تبادلا وجهات النظر بشأن غزة والمستقبل، خلال الاجتماع المغلق، ولكن بطريقة لا تُفسد الأجواء الإيجابية التي سادت الزيارة.

أثّرت الأزمة في سوريا بشكل سلبي جدا على العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، خلال الولاية الأولى لترمب، وازدادت حدّة هذا التأثير خلال فترة بايدن. غير أن المشكلات بين البلدين بدأت تتراجع بعد الإطاحة بالأسد، وتولي دونالد ترمب الرئاسة لولاية ثانية.

إذ يدعم البلدان معا شخصية “الشرع” ويشاركان في العملية الرامية إلى حل الكثير من المشكلات في سوريا.

وأشار ترمب مرة أخرى إلى أردوغان بوصفه “المسؤول عن تخليص سوريا من زعيمها السابق” واعتبر ذلك “إنجازا عظيما”.

وقال ترمب مخاطبا أردوغان: “كنتم تحاولون السيطرة على سوريا منذ ألفي عام، فلتنسبوا الفضل لأنفسكم”. ولم يتضح ما الذي تمثّله هاتان الألفا عام، فهي من أسرار ترمب وحده. أما القضية الكبرى بين البلدين في سوريا، فلا تزال تتعلق بـ”قوات سوريا الديمقراطية” ومستقبل الأكراد في تلك البلاد. وقد أصبحت الولايات المتحدة أكثر استعدادا من السابق، لأخذ مخاوف تركيا بشأن هذه القوات بعين الاعتبار، إلا أنه لا يُتوقع أن توافق على القضاء التام عليها، كما ترغب تركيا. وما زال الطريق طويلا لحل هذا الملف المعقد.

ومن بين أكثر اللحظات المفاجئة في اللقاء الصحافي، كانت إشارة أردوغان إلى معهد “هالكي الديني الأرثوذكسي اليوناني” في إسطنبول.

فقد زار البطريرك الأرثوذكسي اليوناني برثلماوس الرئيس دونالد ترمب في المكتب البيضاوي قبل نحو أسبوع، ويبدو أنه أثار عدة قضايا خلال ذلك اللقاء، وقد نقلت الولايات المتحدة هذه الهواجس إلى الجانب التركي. وقبل أن يذكر ترمب الموضوع، أعلن أردوغان أن تركيا مستعدة “للقيام بكل ما يُطلب منا” بخصوص مدرسة “هالكي”، مضيفا أنه سيناقش هذا الموضوع مع البطريرك برثلماوس عند عودته.

وجدير بالذكر أن تركيا لا تعترف بأية صفة للبطريرك برثلماوس تتجاوز كونه الزعيم الروحي للأرثوذكس اليونانيين داخل تركيا، في حين يعترف به العالم المسيحي كبطريرك مسكوني.

ورغم أن ترمب أشار إليه بوصفه زعيم “الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية” خلال لقائه بأردوغان، فإن الإشارة إليه قبل أسبوع من ذلك، سواء من الرئيس ترمب أو في البيانات الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض، جاءت بصفته “المسكونية”.

لطالما كانت العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين ذات أهمية، لكنها اكتسبت بعدا مختلفا مع ترمب. فعلى الرغم من الرسوم الجمركية، التي فرضتها الولايات المتحدة، وأثّرت بشدة على الكثير من الدول، ظلّت تركيا من بين الدول التي حظيت بمعاملة تفضيلية، إذ لم تتجاوز الرسوم المفروضة عليها نسبة 10 في المئة.

وفي بادرة حسن نية تجاه ترمب، وقّع الرئيس أردوغان مرسوما برفع الرسوم الإضافية، التي كانت تركيا قد فرضتها على الولايات المتحدة، وذلك قبل يوم واحد من سفره إلى أميركا.

وقد أثارت صفقة شراء طائرات “بوينغ” جدلا، قبيل مغادرة أردوغان إلى الولايات المتحدة، حيث ادعى زعيم “حزب الشعب الجمهوري” المعارض، أوزغور أوزال، أن أردوغان نسّق زيارة آمنة عبر اجتماع سري وغير معلن عُقد في إسطنبول مع نجل ترمب، وتعهّد خلاله بشراء 300 طائرة ركاب من “بوينغ”، إلى جانب صفقات أخرى. إلا أن أردوغان نفى هذه المزاعم، مؤكدا على أنه لا يحتاج إلى التحدث مع ابن ترمب، لأنه على تواصل مباشر مع الرئيس نفسه.

وقد سلّط إعلان ترمب على حسابه في منصة “تروث سوشيال” بأن “صفقة ضخمة لشراء طائرات (بوينغ) واتفاقا كبيرا على طائرات (إف16) كانا قيد النقاش خلال زيارة أردوغان الضوء على حقيقة تلك الصفقات”، خاصة مع ظهور نموذج لطائرة ركاب من “بوينغ”، على الطاولة الرئيسة في المكتب البيضاوي خلال الاجتماع.

ومن مصادر التوتر الأخرى بين البلدين، قضية “بنك خلق” وهو بنك حكومي تركي. إذ تتواصل الإجراءات القضائية في الولايات المتحدة ضد البنك، بتهم تتعلق بانتهاك العقوبات الأميركية المفروضة على إيران. وفي حال صدور حكم ضد البنك، فقد يُطلب منه دفع غرامات بمليارات الدولارات. ويأمل أردوغان في إغلاق هذا الملف.

وقبيل قمة ترمب وأردوغان، أثار السفير توم باراك جدلا حين قال، خلال ندوة أُقيمت ضمن قمة “كونكورد 2025” في نيويورك، إن “تركيا دولة ديمقراطية، لكنها سلطوية في الوقت ذاته”، مضيفا أن ترمب انتهج سياسة تقوم على “منح الشرعية لأردوغان”.

وأضاف أن ترمب “يُقدّر أردوغان، ويتخذ خطوات من منظور مختلف لتحسين العلاقات المتوترة مع تركيا”.

وعادة ما تُثير مثل هذه التصريحات الصادرة عن سفير، بشأن الدولة التي يخدم فيها ورئيسها أزمة دبلوماسية كبيرة، لكن في ظل الظروف الراهنة، يبدو أن الحكومة التركية ستتغاضى عن زلة باراك.

يبدو النهج العام الذي يتبعه ترمب واعدا بالنسبة لتركيا، لكنه قد لا يتمكن من الوفاء بجميع وعوده لأسباب متعددة. وبأسلوبه التجاري المعتاد، قال ترمب: “لدى أردوغان بعض المطالب، ولدينا نحن أيضا مطالب. سنرى ما الذي يمكن تحقيقه في نهاية المطاف”.

ومن بين مطالب الولايات المتحدة من تركيا، وقف استيراد النفط من روسيا، وهو مطلب يصعب قبوله، إذ تعتمد تركيا على روسيا في أكثر من نصف وارداتها من النفط الخام، والمنتجات البترولية، كما تجمع بين البلدين مصالح وتعاون مشترك بحكم الجغرافيا.

من جهة أخرى، ظل الكونغرس الأميركي، مصدرا دائما للتعقيد في العلاقات التركيةالأميركية. ومؤخرا، تبنى الكونغرس موقفا سلبيا تجاه تركيا بتأثير من العامل الإسرائيلي، وطالما استمرت العلاقات بهذا المستوى من التوتر، فمن المرجح أن تواجه أي قرارات تصب في مصلحة تركيا عقبات متعددة داخل الكونغرس. ورغم أن اللقاء لم يُسفر عن حل جميع القضايا العالقة بين البلدين، إلا أنه شكّل خطوة إيجابية، عكست رغبة الطرفين في إحراز تقدم. أما تطوّر العلاقات بالشكل المأمول، فسيعتمد على مدى قدرة ترمب على تنفيذ وعوده، ومدى تجاوب تركيا مع توقعات الولايات المتحدة.

شاركها.