اخبار تركيا
تناول تقرير للكاتب والإعلامي التركي طه قلينتش، الذكرى الخامسة عشرة لحادثة “مافي مرمرة” بوصفها نقطة تحوّل رمزية في مسار التضامن العالمي مع غزة، حيث مثّلت أول محاولة كبرى لكسر الحصار الإسرائيلي بجهود مدنية دولية.
يروي الكاتب في تقريره بصحيفة يني شفق تجربته الشخصية في نيويورك أثناء وقوع الحدث، وكيف شكّل الهجوم الإسرائيلي على السفينة لحظة وعي جماعي جمعت مسلمين ويهودًا وأمريكيين معارضين للصهيونية في موقف إنساني واحد.
كما يسلّط التقرير الضوء على امتداد إرث “مافي مرمرة” إلى “أسطول الصمود العالمي” الذي يواصل حتى اليوم محاولات كسر الحصار، مؤكدًا أن هذه المبادرات الشعبية أصبحت تمثل جبهة أخلاقية عالمية في مواجهة الاحتلال، وأن الزخم المناهض لإسرائيل يتصاعد باستمرار، مُهدّدًا الأنظمة التي ما تزال تراهن على تحالفها مع الكيان الصهيوني.
وفيما يلي نص التقرير:
عندما داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي سفينة “مافي مرمرة” في المياه الدولية، كنتُ متواجدًا في نيويورك بغرض تعلم اللغة. وما إن بلغنا الخبر، حتى هرعت مع مجموعة من الأصدقاء إلى تايمز سكوير، قلب نيويورك النابض، وانضممنا إلى الحشود المتجمعة هناك. وشهدت المظاهرة حضور مسلمين من مختلف الجنسيات، إلى جانب عدد لافت من الأمريكيين واليهود المعارضين لإسرائيل. وفي سكن الطلاب الذي كنت أقيم فيه، كتبت على لافتات من الورق المقوّى شعارات باللغتين الإنجليزية والعبرية؛ وحملنا تلك اللافتات جنبًا إلى جنب مع اليهود المشاركين في المظاهرة.
وتعد حادثة “مافي مرمرة” عام 2010 أول وأكبر محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2007، سواء من الجو أو البحر أو البر. وربما لم تُحقَّق “النجاح الكامل” وقتها، ولكن بالنظر إلى التطورات اللاحقة، يمكن القول بكل ثقة إن “مافي مرمرة” لعبت دورًا رائدًا ومؤثرًا.
ومن منظور الفلسطينيين، كان معنى “مافي مرمرة” هو: “لأول مرة بعد سقوط الدولة العثمانية، يُقدّم الأتراك دماءهم وأرواحهم من أجل فلسطين.” لقد شكّلت الحادثة إثباتًا عمليًا للوعود السابقة، وتجسيدًا لما كان يُقال منذ زمن. ورغم أن السفينة لم تصل إلى الشواطئ، إلا أن الفلسطينيين استقبلوها بكل حب، حتى تم بناء نصب تذكاري لشهداء “مافي مرمرة” في ميناء غزة. وكان ذلك النصب أحد أوائل المواقع التي قصفتها إسرائيل على شاطئ غزة في نوفمبر 2023، لأنه كان يشكل رمزاً حتى بالنسبة للصهاينة.
وبعد مرور خمسةَ عشر عامًا، بلغ عدد السفن التي تحرّكت لكسر الحصار 44 سفينة بالتمام. ناهيك عن السفن التي تعطلت محركاتها أو اضطُرّت إلى الانسحاب من الرحلة. وبما أن أسطول الصمود العالمي شارك فيه مئات الأشخاص من شتى دول العالم، فقد اكتسبت عملية كسر الحصار طابعًا عالميًا. وتواجه إسرائيل الآن موجة غضب عارمة، انضم إليها ملايين الأشخاص حول العالم. ويبدو أن أيام اعتبار المرء يهوديًا صهيونيًا معادلًا لحمل عدوى الطاعون باتت قريبة جدا. إن حكومة إسرائيل المجنونة الحالية تفتقر لبُعد النظر الذي يسمح لها بإدراك هذا الواقع، ولكن ثمة بصيص أمل في نهاية النفق. ويُعد أسطول الصمود أحد أبرز هذه الدلائل. هذا الأمر لن يتوقف عند هذا الحد؛ بل سيستمر بأعداد أكبر وغضب أشد. ومن يعشْ طويلاً فسيشهد في منطقتنا تطوّرات مذهلة للغاية.
في الوقت الراهن، يتم احتجاز عدد كبير من معارفنا وأصدقائنا وكبارنا، وفي مقدمتهم صديقنا العزيز أرسين جليك، من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وكما أعلنت عائلاتهم منذ اللحظة الأولى، فإننا فخورون جداً بهذا العمل الشجاع الذي قاموا به. ورغم أن قلوبنا تخفق بقلق يسيرٍ على سلامتهم، فإن هذه التضحية الكبيرة التي قاموا بها نيابة عنّا جميعاً قد منحتهم بالفعل شرفاً يكفيهم في الدنيا والآخرة. أملنا ودعاؤنا كله أن يعودوا إلى منازلهم وعائلاتهم سالمين في أقرب وقت ممكن.
ويجب عدم الاستهانة أبداً بقوة الحشود أو المبادرات المدنية. ففي بعض الأحيان، تُنجز أعمال على يد الجماهير الشعبية لا تستطيع الدول القيام بها لسبب أو لآخر. بل قد يكون من الأجدى أحيانًا عدم تدخل الدول وعدم انخراطها في الأمر خيراً لسلامة النتيجة ونقائها. إن الإرادة المدنية والمستقلة تولد قوة لا يستهان بها على الإطلاق. وهذه حقيقة أخرى أثبتها لنا أسطول الصمود.
إن التيار المناهض للصهيونية وإسرائيل يتعزز ويتعمق بكل أبعاده في جميع أنحاء العالم. كل شيء يتقدم خطوة بخطوة. والخناق يضيق حول إسرائيل. وبالمثل، بدأ العد التنازلي للأنظمة التي استثمرت في إسرائيل أو ربطت وجودها بها. وللأسف، بعض هذه الأنظمة تقع في العالم الإسلامي. وعليها أن تقرأ المشهد سريعًا وتعيد تموضعها وتصحح مساراتها بأسرع ما يمكن، وإلا فلن تستطيع النجاة من العاصفة التي ستنفجر في وجهها.
لم تبلغ القوى الصهيونية ما هي عليه اليوم بين عشية وضحاها. ومن ثم فإن فقدان هذه القوة لن يحدث بسهولة بين يوم وليلة. ورغم ذلك، فقد بدأ الزخم يتصاعد. ومن يملك البصيرة يرى النور. ومن هذه النقطة، لا عودة إلى الوراء.