تسعى حكومة اليابان جاهدةً لتطوير منتجات ذات تطبيقات مدنية وعسكرية، وسط مخاوف بشأن استيلاء الصين على تايوان القريبة، بالإضافة إلى التهديدات من كوريا الشمالية وروسيا، إذ ترى طوكيو نفسها “محاصرة” في بيئة متوترة سياسياً، حسبما أوردت “بلومبرغ”.
وتشمل المنتجات ذات التطبيقات المدنية والعسكرية، الاستخدام المزدوج لأنظمة الملاحة ذاتية القيادة القادرة على توجيه السيارات أو الصواريخ، أو حتى مواد مثل الألياف عالية القوة التي تُستخدم في الملابس أو الطائرات المقاتلة.
وتتجنب اليابان المخاطرة، إذ لطالما كان لديها عدد قليل من الشركات الناشئة وحظر ضد صناعة الدفاع، بما في ذلك القيود الصارمة على صادرات الأسلحة، لكن بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، تخلت البلاد عن حقها في شن الحرب وحتى الاحتفاظ بجيش قوي، واعتمدت “دستور السلام” الذي كتبته الولايات المتحدة والذي ظل دون تغيير حتى الآن.
وبحلول سبعينيات القرن الماضي، أعادت اليابان بناء جيشها، الذي أصبح الآن أحد أكبر الجيوش وأفضلها تجهيزاً في آسيا، لكنها تُسمى قوات الدفاع الذاتي، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمساعدة خلال الزلازل المتكررة في البلاد والكوارث الطبيعية الأخرى.
ولا يزود سوى عدد قليل من المتعاقدين اليابانيين، قوات الدفاع الذاتي بالأسلحة والمعدات الأخرى، التي تستورد أيضاً أسلحة من الولايات المتحدة، ففي عام 2017، أصدر مجلس العلوم الياباني، الذي يمثل العلماء الذين يقدمون المشورة للحكومة، بياناً أعرب فيه عن معارضته لبرامج البحث العسكري.
وأظهرت استطلاعات الرأي تنامي الدعم الشعبي لدفاع أقوى، إذ دعت الزعيمة الجديدة للحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، ساناي تاكايتشي، إلى زيادة الإنفاق العسكري، كما فعلت الأحزاب السياسية اليمينية الصغيرة سريعة النمو، كما تعهدت تاكايتشي، التي من المقرر أن تصبح رئيسة للوزراء، ببذل جهد جديد لتعديل الدستور لينص على حق اليابان في امتلاك جيش.
مبادرات بحثية دفاعية
وفي هذا الإطار، يتزايد الاهتمام ببرنامج حكومي عمره 8 سنوات، كان متعثراً في السابق، لدعم المبادرات البحثية التي يمكن أن تُسهم في الدفاع الوطني.
وعلى الرغم من أن ميزانية البرنامج لا تزال صغيرة وتبلغ 11.4 مليار ين (77.1 مليون دولار)، فقد قدمت 134 شركة خاصة، طلبات هذا العام حتى يونيو الماضي، بزيادة عن أدنى مستوى لها مؤخراً وهو 49 شركة في عام 2021 بأكمله.
وفي أكتوبر 2024، أطلقت اليابان معهد علوم وتكنولوجيا الابتكار الدفاعي، على غرار وكالات وزارة الدفاع الأميركية التي تسعى إلى استخدام التقنيات الناشئة لتعزيز الأمن القومي، كما تلعب وزارة الدفاع دوراً في مساعدة الشركات الناشئة على التواصل مع أصحاب رؤوس الأموال المغامرة.
وقالت روميكو إيتشيكاوا، المنسقة الرئيسية في وكالة الاستحواذ والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية بوزارة الدفاع اليابانية: “من الضروري بناء علاقة مفيدة للطرفين مع الشركات الناشئة”.
وفي إنجازٍ تاريخي لصادرات الدفاع، أعلنت أستراليا في أغسطس الماضي، خططاً لشراء أسطول من السفن الحربية من اتحاد ياباني بقيادة شركة “ميتسوبيشي” للصناعات الثقيلة المحدودة.
وستكون هذه ثاني صفقة تصدير دفاعية كبرى تحصل عليها اليابان منذ الحرب العالمية الثانية، وهو أمر ممكن فقط بفضل إعفاء خاص من مجموعة من القيود المفروضة على تصدير الأسلحة إلى الخارج، بما في ذلك حظر المعدات العسكرية الفتاكة.
ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن هذه القواعد تُقيّد الأسواق المحتملة، ما يُبقي الأموال الخاصة نادرةً نسبياً، إذ بلغ إجمالي التمويل لجميع الشركات الناشئة في اليابان العام الماضي 5.3 مليار دولار، أي ما يُعادل 2.5% من المبلغ في الولايات المتحدة، وفقاً لشركة الاستثمار اليابانية، إحدى صناديق الثروة السيادية في البلاد.
وتتكون صناعة رأس المال المُغامر في اليابان في الغالب من شركات مملوكة لمؤسسات مالية أو شركات كبيرة أخرى. وتفرض العديد من صناديق رأس المال المُغامر قيوداً داخلية على الاستثمارات في الشركات التي تعمل على التكنولوجيا العسكرية.
استثمارات يابانية
واستثمرت شركة “كورال كابيتال”، وهي رأس مال استثماري مقرها طوكيو، في شركتين ذات استخدام مزدوج هما “أوشيانك كونستليشنز”، لتصنيع الطائرات البحرية بدون طيار، و”أوكوما دايموند ديفايس”، التي تنتج أشباه موصلات موفرة للطاقة من الماس يمكن استخدامها في تطبيقات دفاعية.
وقال جيمس ريني، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة “كورال كابيتال”: “نعلم أن تثقيف الناس هنا حول تكنولوجيا الدفاع سيستغرق وقتاً، إن نقاط قوة اليابان في الهندسة والتكنولوجيا المتقدمة قد تمنحها ميزة تنافسية في قطاع الشركات الناشئة في مجال الدفاع”.
وتعمل شركة ناشئة أخرى، وهي “إليفيشن سبيس”، على تطوير وحدات قابلة لإعادة الاستخدام لنقل الحمولات إلى محطات الفضاء المدارية.
ويمكن أن تساعد هذه التقنية في الدفاع ضد الأسلحة الأسرع من الصوت، إذ ابتكر كازوناري ميامارو، الرئيس التنفيذي للعمليات، هذه الفكرة بعد دراسة هندسة الطيران في أكاديمية الدفاع الوطني اليابانية.
وقال ميامارو: “على اليابان والدول المتحالفة معها العمل معاً لمواجهة أنواع جديدة من التهديدات الجوية”، مضيفاً أنه تواصل مع وزارة الدفاع وشركة إم بي دي إيه الفرنسية لخدمات أنظمة الصواريخ، أكبر شركة لتصنيع الصواريخ في أوروبا”.
في مايو الماضي، أعلنت شركة AirKamuy لتصنيع الطائرات المسيرة، جمع 100 مليون ين من خلال إصدار أسهم لثلاثة صناديق يابانية، بالإضافة إلى قروض من بنك تجاري واحد ومؤسسة Japan Finance Corp التي تديرها الدولة.
وفي عام 2022، قالت الحكومة إنها سترفع الإنفاق الدفاعي من سقف غير رسمي قدره 1% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 2% على مدى خمس سنوات.
كما تعرضت اليابان لضغوط من الولايات المتحدة، حليفتها الوحيدة في معاهدة الأمن، لتقليل اعتمادها على الحماية الأميركية، وقد خُصصت مليارات الدولارات لدفع ثمن معدات جديدة، مثل الصواريخ بعيدة المدى لردع المعتدين المحتملين والأقمار الاصطناعية العسكرية لمراقبة الأعداء، بالإضافة إلى المساعدة في بناء قاعدة صناعية دفاعية محلية أقوى.