علق مسؤولون من بولندا ودول البلطيق بغضب على ما اعتبروه “اتهاماً جزئياً” من المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل لهم، بالمسؤولية عن الغزو الروسي لأوكرانيا، في أعقاب كشفها عن “عرقلة” مساعيها مع الرئيس الفرنسي، لبدء حوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل غزو أوكرانيا.
وفي مقابلة مع صحيفة “بارتيزان” المجرية المعارضة، نُشرت الجمعة، أشارت ميركل إلى رفض دول أوروبا الشرقية، إجراء محادثات مباشرة بينها وبين الرئيس الروسي، والزعيم الفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك في معرض وصفها للأحداث التي سبقت غزو أوكرانيا في عام 2022.
وقالت ميركل، التي تعد أهم سياسية أوروبية خلال العقدين الماضيين، على حد وصف مجلة “بوليتيكو”، في إشارة إلى اتفاقية السلام المتعلقة بالسيطرة على إقليم دونباس شرق أوكرانيا عقب صراع 2014-2015: “في يونيو 2021، شعرتُ أن بوتين لم يعد يأخذ اتفاقية مينسك على محمل الجد. ولهذا السبب أردتُ صيغة جديدة تُمكّننا، كاتحاد أوروبي، من التحدث مباشرةً مع بوتين”.
في اجتماع المجلس الأوروبي في ذلك الشهر، اقترحت ميركل وماكرون إجراء مفاوضات مباشرة مع قادة آخرين، رداً على حشد القوات الروسية قرب حدود أوكرانيا، لكن تحالفاً من دول أوروبا الشرقية، بما في ذلك بولندا، عارض الفكرة.
وقالت: “لم يحظَ هذا بدعم البعض. كانت دول البلطيق هي الداعمة الرئيسية، لكن بولندا عارضته أيضاً”، موضحة أن أن هذه الدول كانت “تخشى ألا نتفق على سياسة مشتركة تجاه روسيا… على أي حال، لم يحدث ذلك. ثم تركتُ منصبي، وبدأ عدوان بوتين”.
انتقادات أوروبية لميركل
وفي خلاف صارخ مع ميركل، صرّح رئيس الوزراء اللاتفي السابق، كريسيانيس كارينش، الاثنين، بأنّ العديد من الدول لم تكن تفهم روسيا آنذاك، “بما في ذلك ألمانيا والمستشارة السابقة نفسها”.
وقال كارينش: “لطالما قلتُ لها إنّه لا يُمكن التعامل مع بوتين بحسن نية، لكنها كانت تعتقد أنّ دول البلطيق مُخطئة. كنتُ مُطّلعاً على آراء ميركل، لكنني مُندهش من أنّها لا تزال تُفكّر بهذه الطريقة بعد كلّ ما حدث في أوكرانيا”.
وأضاف: “يتصرف بوتين كما يتصرف، والخيارات الوحيدة أمام الغرب هي إما الخضوع أو المقاومة (…) من المدهش أن تقول المستشارة الألمانية السابقة شيئاً كهذا اليوم، في حين أنه من المفترض أن يكون واضحاً للجميع نوع النظام الذي تتبعه روسيا. يسعدني أن المستشار الألماني الجديد، فريدريش ميرتس، لا يشارك ميركل آراءها”.
بدوره، قال وزير الخارجية الإستوني، مارجوس تساهكنا، الاثنين، إن روسيا تتحمل وحدها المسؤولية عن الصراع.
وكتب في منشور على منصة “إكس”: “حرب روسيا على أوكرانيا مدفوعة بشيء واحد فقط: رفضها قبول انهيار الاتحاد السوفيتي وطموحاتها الإمبريالية المتواصلة. روسيا وحدها هي المسؤولة عن هذا العدوان”.
كما أثارت تعليقات ميركل، موجة من ردود الفعل في بولندا، وخاصة من جانب المشرعين اليمينيين. وفي الإطار، قال رئيس الوزراء البولندي السابق، ماتيوش مورافيتسكي، نائب رئيس حزب “القانون والعدالة القومي” المعارض: “أثبتت أنجيلا ميركل، من خلال مقابلتها غير المدروسة، أنها من بين أكثر السياسيين الألمان ضرراً بأوروبا في القرن الماضي”.
وقال فالديمار بودا، النائب البولندي عن حزب “القانون والعدالة” في البرلمان الأوروبي: “عندما تقول ميركل إنها تريد التوصل إلى اتفاق مع بوتين مجدداً، لكان ذلك سيؤدي على الأرجح إلى تقسيم أوكرانيا. إنهم لا يدركون أن تعاملهم التجاري مع بوتين هو ما أدى إلى نشوب الحرب”.
من جانبها، لاحظت كاتارزينا بيلشينسكا نالونتش، السفيرة البولندية السابقة لدى روسيا، ووزيرة السياسة الإقليمية الحالية من حزب “بولندا 2050” الوسطي، أن تصريحات ميركل “لم تُؤدِّ إلا إلى تغذية الدعاية الروسية”.
وقالت إن “إلقاء اللوم على طرفٍ ما في الحرب لمجرد عدم الجلوس مع روسيا في الوقت المناسب وعدم الخضوع الكافي لموسكو أمرٌ سخيف. كان الأمر ليكون أسوأ”.
لكن ماريك ماجيروفسكي، السفير البولندي السابق لدى الولايات المتحدة، انتقد وسائل الإعلام لـ”تحريفها كلام ميركل”.
وكتب ماجيروفسكي في منشور عبر منصة “إكس”: “المستشارة السابقة تقول فقط إن دول البلطيق وبولندا لم توافق على صيغة جديدة للمحادثات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. المسافة بين هذا التصريح وقولها إن بولندا مسؤولةٌ مسؤوليةً مشتركةً عن حرب بوتين طويلةٌ جداً”. مع ذلك، لم يُخفِ ماجيروفسكي أيَّ تحفُّظ في تقييمه لميركل، واصفاً فترة ولايتها السياسية بأنها “كارثةٌ كبيرةٌ على ألمانيا وأوروبا”.