ماذا كان في ذهن قادة حركة “حماس” في غزة عندما أطلقوا عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، وهل توقعوا هذا الرد الإسرائيلي الذي وصل إلى حد الإبادة الجماعية ومحاولة تهجير كافة سكان القطاع؟
هذه بعض الأسئلة التي تدور في أذهان الفلسطينيين، وكثير من المراقبين منذ 7 أكتوبر 2023.
أجرت “الشرق” مقابلات معمقة مع عدد من المسؤولين الفلسطينيين في حركة “حماس”، وفي عدد من الفصائل الأساسية المتواجدين في دول الشرق الأوسط، وخلصت إلى هذه النتائج.
متى وكيف ظهرت الفكرة؟
ظهرت فكرة “اجتياح إسرائيل” عقب المواجهة التي وقعت بين حركة “حماس” في غزة وإسرائيل في عام 2021.
ودرس مسؤولون في الحركة وفي “حزب الله” اللبناني، مجريات وديناميكيات تلك المواجهة، ووصلوا إلى أنه “يمكن لقوات مسلحة فلسطينية ولبنانية وعراقية وسورية اجتياح إسرائيل من غزة ولبنان وسوريا، والسيطرة على المدن الرئيسية (حيفا وتل أبيب وعسقلان والقدس…)، واشتراط الانسحاب منها بانسحاب إسرائيلي كامل من الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ودرس المسؤولون في “حماس” والفصائل الفلسطينية والمجموعات المشاركة معها، الردود الإسرائيلية المحتملة، ومنها قصف غزة، وبيروت ودمشق وطهران واليمن.
وقدم “حزب الله” في هذه الاجتماعات السيناريوهات المحتملة وسبل الرد عليها، موضحاً أن لديه صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة قادرة على ضرب المراكز الحيوية في إسرائيل في اللحظة التي تقوم فيها الأخيرة بقصف هذه المواقع.
وحدد الحزب اللبناني، في تلك النقاشات، الأهداف الإسرائيلية الحيوية التي يمكن إصابتها بالشلل التام منذ اليوم الأول للهجوم، إذ تمثلت في “كامل محطات الكهرباء والمياه وعددها 12 محطة”، و”المطار الدولي الوحيد (بن جوريون)”، و”شارع عابر لإسرائيل يربط شمالها بوسطها وجنوبها”، و”الموانئ في حيفا وأشدود وإيلات”، و”المجمعات الحكومية (مقر الكنيست والحكومة والوزارات)”.
ورجح قادة “حزب الله” أن “إسرائيل لن تجرؤ على قصف أهداف مدنية في غزة وبيروت ودمشق، تجنباً لسيناريو تغرق فيه إسرائيل في ظلام دامس، وتصبح بلا مياه ولا طرق برية ولا وبحرية وجوية، وبلا موانئ”.
رهانات على فلسطينيي الداخل
بينت مواجهة عام 2021، حسبما رأي المسؤولين في “حماس”، أن الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وإسرائيل، وعددهم أكثر من 5 ملايين، سينضمون إلى المواجهة كما حدث في ذلك العام، عندما اندلعت مواجهات واحتجاجات ومسيرات في مختلف المدن والقرى الفلسطينية والمختلطة في إسرائيل، وفي الضفة الغربية والقدس.
الإعداد لـ”معركة كبرى”
بدأت حركة “حماس” في إعداد قواتها استعداداً لـ”معركة كبرى”، وقدّمت لها إيران زيادة في الدعم المالي السنوي بمقدار الضعف تقريباً في العامين الأخيرين قبل الهجوم، لتحقيق هذا الغرض.
وأطلع نائب رئيس المكتب السياسي المركزي للحركة، صالح العاروري، أعضاء المكتب على الأفكار والخطط النظرية للهجوم، وقوبلت بالاستحسان من قبل البعض، والشكوك من قبل البعض الآخر. لكن لم يجر بحث الخطط التفصيلية، ولا التصويت عليها أو على توقيتها.
إطلاق الهجوم “دون تنسيق”
قررت قيادة حركة “حماس” السياسية والعسكرية في قطاع غزة، بقيادة يحيى السنوار ومحمد الضيف، إطلاق الهجوم دون تنسيق مع “أطراف المحور” الذين شاركوا معهم مناقشات التخطيط.
السبب الحقيقي وراء ذلك، وفق ما وصلت إليه “الشرق” من مصادرها، يعود إلى “شعور السنوار بأن إيران لديها اعتبارات إقليمية في أي خطوة تتخذها في المنطقة، وأنها قد لا تقرر تنفيذ هذا المخطط، وأن الفلسطينيين، بصفتهم أصحاب القضية، هم الذين عليهم أن يبادروا بالهجوم، وأن باقي الأطراف، ستلحق بهم عندما تشاهد قدراتهم وأدائهم القتالي على الأرض، ومدى ضعف وهشاشة القدرات الإسرائيلية في مواجهة مثل هذا الهجوم”.
أبدت إيران تحفظها على قرار قيادة الحركة في غزة، وكان ردّها أن القرار كان يجب أن يتخذ بموافقة “أطراف المحور”، معتبرة أن “القرار جاء في وقت مبكر لم تكن فيه أطراف المحور جاهزة لحرب شاملة بهذا المستوى، تشارك فيها دول العالم الغربي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة”.
خيار “المؤازرة والمشاغلة”
أما الأمين العام لـ”حزب الله” حينها حسن نصر الله، فاختار الذهاب إلى “المؤازرة والمشاغلة”، بقصف مواقع عسكرية إسرائيلية في الشمال، والتهديد بتوسيعها إلى العمق.
لكن إسرائيل قلبت المعادلة، وقامت بسلسلة ضربات غير متوقعة، مثل اغتيال نصر الله، وبديله في “حزب الله” هاشم صفي الدين.
كما قصفت مواقع الصواريخ الدقيقة والمسيرات وغيرها، دون أن ينجح الحزب في توجيه ضربات رادعة بواسطة الصواريخ الدقيقة التي كان يمتلكها، والتي تعرض جزء كبير منها للتدمير.
حاولت قيادة حركة “حماس” السياسية، منذ اليوم التالي للهجوم، حسبما أكدت المصادر لـ”الشرق”، العمل على وقف الحرب، والحد من دمارها.
وراهنت في البداية على دور “أطراف المحور”، خاصة “حزب الله” والحوثيين. ومن بعدهم راهنت على دخول إيران المعركة وتحولها إلى حرب إقليمية تستدعي تدخلاً دولياً لوقفها.
وراهنت كذلك على الضغوط الشعبية والدولية، لكن جميع هذه الرهانات لم تحقق الهدف، ما دفع قيادة الحركة إلى اتخاذ مقاربة “أكثر مرونة”، وفق ما نقلته المصادر لـ”الشرق”.
مقاربة “حماس” الجديدة
تتمثل المقاربة الجديدة لحركة “حماس” في التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب، ويحقق الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وصولاً إلى إعادة إعماره.
وأبدت “حماس” استعدادها لتقديم مرونة كبيرة في ملفات المحتجزين الإسرائيليين، وحكم قطاع غزة، وتسليم السلاح وغيرها، مقابل صفقة شاملة توقف الحرب على غزة وتحقق الانسحاب.
لكن الحركة رفضت على الدوام الشروط الإسرائيلية المتمثلة في الاستسلام الكامل ورفض الراية البيضاء، مبينة أنها تفضل القتال حتى آخر بندقية وآخر مقاتل، على الاستسلام.
ومن الملفات الكبيرة التي تبدي الحركة مرونة فيها، ملفي الحكم والسلاح، لكنها تطالب بعودة السلطة الفلسطينية إلى الحكم وتولي ملفات الأمن والحكم، مبدية الاستعداد لتوافق وطني على ملف السلاح.
ويرى مراقبون أن هذه المرونة ربما تشكل وسيلة لتحقيق اختراق في جولة المفاوضات الجارية على أساس خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي تتضمن إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين وابتعاد حركة “حماس” عن الحكم، وتجريد القطاع من السلاح.
وترى الحركة، وفق ما نقلته المصادر لـ”الشرق”، أن هذه الملفات تتطلب دخول السلطة الفلسطينية كطرف مركزي في هذه الملفات، التي تحدد مصير قطاع غزة باعتباره جزءاً من أرض دولة فلسطين، التي اعترفت بها غالبية دول العالم.