وصل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إلى الهند، الأربعاء، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ توليه المنصب، برفقة وفد يضم 125 من رجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين والقادة الثقافيين، ورؤساء الجامعات، في ما وصف بأنه “أكبر بعثة تجارية حكومية على الإطلاق إلى الهند”.

وتأتي هذه الزيارة بعد أشهر من توقيع الهند وبريطانيا، اتفاقاً تجارياً، خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى بريطانيا في يوليو الماضي.

كما تأتي الزيارة فيما تشهد البلدان تحولات جيوسياسية كبرى، بما في ذلك علاقاتهما التجارية مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب.

ويضم الوفد البريطاني، ممثلين لشركات ومؤسسات بريطانية كبرى مثل “رولز-رويس”، و”بريتيش تليكوم”، و”دياجيو”، وبورصة لندن، وشركة النفط العملاقة “بي بي”، والخطوط الجوية البريطانية.

وتعد زيارة ستارمر أول “مهمة تجارية” من نوعها يقوم بها زعيم بريطاني إلى الهند منذ عام 2016، عندما ترأست رئيسة الوزراء آنذاك تيريزا ماي وفداً من قادة الأعمال البريطانيين إلى البلاد.

وكان سلف ستارمر، رئيس الوزراء ريشي سوناك، قد سافر إلى الهند عام 2023 لحضور اجتماعات مجموعة العشرين. كما زار رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، الهند في أبريل 2022، حيث اعتمد الجانبان حينها خارطة طريق مدتها 10 سنوات لتوسيع العلاقات في التجارة، والاستثمار، والدفاع والأمن.

وقالت رئاسة الحكومة البريطانية “داونينج ستريت” إن ستارمر، يسعى إلى فتح آفاق جديدة، وتأمين استثمارات، وإبرام صفقات من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي، في أعقاب اتفاقية التجارة التي تتوقع الحكومة أن ترفع الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بمقدار 4.8 مليار جنيه إسترليني سنوياً.

أجندة الزيارة

ومن المقرر أن يعقد ستارمر، عقب وصوله في وقت سابق من الأربعاء، إلى العاصمة المالية للهند، مومباي، اجتماعاً ثنائياً مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي، لبحث “قضايا ذات أهمية إقليمية وعالمية”، وفق وزارة الخارجية الهندية.

وتُعد هذه الزيارة الأولى لستارمر إلى الهند منذ توليه رئاسة الوزراء في المملكة المتحدة في يوليو من العام الماضي، ومن المتوقع أن تسهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين نيودلهي ولندن. وتأتي الزيارة بعد أشهر من توقيع الهند والمملكة المتحدة اتفاقية تجارة حرة، تُعرف رسمياً باسم “الاتفاقية الشاملة للتجارة والاقتصاد” CETA.

وستشمل زيارة رئيس الوزراء البريطاني، مناقشات بشأن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الهند والمملكة المتحدة، بما يتماشى مع “رؤية 2035″، وهي “خارطة طريق تمتد لعشر سنوات، وتتضمن برامج ومبادرات في ركائز أساسية هي التجارة والاستثمار، والتكنولوجيا والابتكار، والدفاع والأمن، والمناخ والطاقة، والصحة، والتعليم، والعلاقات بين الشعوب”، وفقاً لما ذكرته وزارة الخارجية الهندية.

وخلال زيارته، سيحضر ستارمر الدورة السادسة من مهرجان التكنولوجيا المالية العالمي في مومباي، برفقة رئيس الوزراء مودي، وسيلقي كلاهما خطابين رئيسيين خلال هذه الفعالية، التي تقام الخميس.

اتفاقية التجارة الحرة

ويوصف الاتفاق التجاري بين الهند وبريطانيا بأنه أفضل اتفاقية تبرمها أي دولة مع الهند حتى الآن، ومن المتوقع أن ترفع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة بمقدار 4.8 مليار جنيه إسترليني سنوياً، وتضيف 2.2 مليار جنيه إلى الأجور.

كما يُتوقع أن ترفع حجم التجارة الثنائية بمقدار 25.5 مليار جنيه سنوياً، مع زيادة الصادرات البريطانية إلى الهند بنسبة تقارب 60%، وفق “بلومبرغ”.

 وبموجب الاتفاق، سينخفض متوسط التعرفة الجمركية في الهند على المنتجات البريطانية من 15% إلى 3%، مما يسهل على الشركات البريطانية بيع منتجاتها إلى السوق الهندية، من المشروبات الغازية ومستحضرات التجميل إلى السيارات والأجهزة الطبية.

وقد استفاد منتجو المشروبات الكحولية في بريطانيا، من خفض الرسوم الجمركية فوراً من 150% إلى 75%، على أن تنخفض تدريجياً إلى 40% خلال السنوات العشر المقبلة، مما يمنح المملكة المتحدة ميزة تنافسية على الصعيد الدولي، وفق “بلومبرغ”.

قضية التأشيرات

بموجب اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة والهند، اتفق الجانبان على الحفاظ على الترتيبات القائمة التي تسمح بالسفر التجاري المؤقت بين البلدين، دون مسارات لتأشيرات جديدة.

وأوضح ستارمر أن حكومته تمكنت من “إزالة العقبة” التي كانت تعرقل المحادثات في السابق، حين كانت الهند تطالب بحصة أكبر من التأشيرات لمواطنيها الراغبين في العمل في بريطانيا.

وقال رئيس الوزراء البريطاني، إنه سيقاوم مطالب رجال الأعمال بالسماح لمزيد من العمال الهنود ذوي المهارات العالية بدخول المملكة المتحدة.

وفي حديثه إلى الصحافيين على متن الطائرة المتجهة إلى مومباي، قال ستارمر إن “زيادة عدد التأشيرات ليست جزءاً من الخطط”.

ويرافقه في الرحلة وفد يضم 125 من قادة الأعمال والثقافة، حذر عدد منهم من أن سياسات المملكة المتحدة لتقييد دخول العمال الأجانب قد تؤدي إلى نقص في الأيدي العاملة.

وعند سؤاله عما إذا كان سيسمح بالمزيد من التأشيرات للعمال المهرة والكفاءات من الهند، أوضح رئيس الوزراء البريطاني، أن ذلك “ليس جزءاً من الخطة”، مشيراً إلى أن اتفاقية التجارة التي وُقعت مع الهند في يوليو لم تتضمن تغييرات جوهرية في ترتيبات التأشيرات.

وأضاف: “نحن هنا الآن للاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة.. المسألة لا تتعلق بالتأشيرات، بل بالتعاون بين الشركات، والاستثمار، وخلق الوظائف، وتحقيق الازدهار في المملكة المتحدة”.

وتتعرض حكومة ستارمر لضغوط من أجل تقليص أعداد المهاجرين القادمين إلى البلاد، في ظل ارتفاع شعبية حزب “الإصلاح البريطاني” المناهض للهجرة في استطلاعات الرأي.

واقترح رئيس الوزراء البريطاني، إجراءات من بينها تمديد المدة الزمنية التي يجب أن يقيمها الشخص في البلاد، قبل أن يتمكن من التقدم للحصول على إقامة دائمة، وربط هذه الأهلية بمقدار “مساهمته” في المملكة المتحدة.

لكن بعض المراقبين يخشون من أن تؤدي هذه السياسات، إلى عزوف الكفاءات المتميزة عن القدوم إلى بريطانيا، مفضلين دولاً أخرى تتيح مساراً أوضح وأسهل للحصول على الإقامة.

وصرّح اتحاد الصناعة البريطاني، الذي تشارك مديرته التنفيذية راين نيوتن-سميث في الرحلة إلى مومباي، بأن الهجرة ضرورية لمعالجة بعض النقص في العمالة داخل المملكة المتحدة.

كما حذر بيل وينترز، الرئيس التنفيذي لمجموعة “ستاندرد تشارترد” وعضو الوفد أيضاً، في وقت سابق من أن قيود الهجرة قد تؤثر سلباً على قاعدة المواهب في مركز لندن المالي.

وعند سؤاله عما إذا كانت المملكة المتحدة ستحاول جذب أصحاب المهارات العالية الذين قد يحجمون عن التقديم للعمل في الولايات المتحدة بعد قرار الرئيس دونالد ترمب رفع تكاليف التأشيرات، قال ستارمر: “حين يكون هناك مواهب عالمية رفيعة المستوى، أريد أن تكون هذه المواهب في المملكة المتحدة لمساعدتنا على تنمية اقتصادنا”.

شاركها.