أجرت القوات الجوية الأميركية اختباراً رائداً لربط طائرة مقاتلة من طراز F-16 بالطائرة المسيرة XQ-58A Valkyrie التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في قاعدة إيجلين الجوية بولاية فلوريدا، ضمن برنامج Top Gun AI.

وتمثل هذه المهمة خطوة كبرى نحو دمج الطائرات ذاتية القيادة في التشكيلات القتالية الأميركية المستقبلية، بحسب موقع Army Recognition.

ويسعى برنامج Top Gun AI السري إلى تسريع دمج الذكاء الاصطناعي في الطيران القتالي، ما يمثل تطوراً رئيسياً في التعاون بين الطائرات المأهولة وغير المأهولة والتنسيق التكتيكي.

ولم تستعرض الرحلة التجريبية الطيران التشكيلي فحسب، بل أظهرت أيضاً قدرة الطائرة المسيرة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على اعتراض طائرات العدو بشكل مستقل، ومعالجة بيانات ساحة المعركة في الوقت الفعلي، وإجراء مناورات قتال جوي محدودة. 

وتشير هذه القدرات إلى قفزة نوعية في تصور وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) للهيمنة الجوية، والتحول من التركيز على تحقيق التفوق الجوي عبر منصة واحدة إلى تنسيق فرق مأهولة وغير مأهولة على مستوى قابل للتطوير. 

ووفقاً لمسؤولين مطلعين على الاختبار، نفذت طائرة XQ-58A، قرارات تكتيكية سريعة من شأنها عادةً أن تتحدى حتى أكثر الطيارين خبرة، ما يشير إلى إمكانات كبيرة لأدوار قتال جوي ذاتية القيادة في المستقبل.

طائرات مزودة بالذكاء الاصطناعي

يقع في صميم هذه المبادرة برنامج طائرات القتال التعاونية (CCA) التابع للبنتاجون، وهو عنصر أساسي في إطار عمل برنامج الهيمنة الجوية من الجيل التالي (NGAD) الأوسع، الذي سينتج عنه طائرة الجيل السادس. 

ويطمح سلاح الجو الأميركي إلى نشر ما يصل إلى 1000 طائرة مزودة بالذكاء الاصطناعي بحلول نهاية العقد الجاري.

وتُعد طائرة XQ-58A إحدى المنصات الرائدة في التجارب الجارية، ومن المتوقع أن تُكلف طائرات الذكاء الاصطناعي ربع تكلفة طائرة مقاتلة حديثة مأهولة، ما يُخفض تكاليف الشراء والتشغيل بشكل كبير، مع تمكين نشر أساطيل جوية أكبر وأكثر قدرة على تحمل المخاطر.

وتُعد رحلة الاختبار في منشأة إيجلين أحدث إنجاز يُضاف إلى تجارب التحكم الذاتي السابقة، التي قادها مختبر أبحاث القوات الجوية الأميركية AFRL، والتي نجحت عام 2023 في تحليق طائرة XQ-58A بالكامل تحت سيطرة الذكاء الاصطناعي لأكثر من 3 ساعات. 

ومنذ ذلك الحين، تطورت القوات الجوية الأميركية بسرعة نحو سيناريوهات معقدة متعددة الطائرات، بما في ذلك الاشتباكات المنسقة، إذ يقود طيار بشري واحد طائرات مسيرة متعددة تعمل بالذكاء الاصطناعي في محاكاة قتالية.

والهدف هو تطوير بنية اتخاذ القرار بالذكاء الاصطناعي، مع الحفاظ على الإشراف البشري في مراحل المهمة الحرجة، مثل التحقق من الهدف وإطلاق الأسلحة.

ولتسريع هذا التكامل، أطلق سلاح الجو الأميركي أيضاً برنامج VENOM، الذي يُحول طائرات F-16 القديمة إلى منصات اختبار طيران للاستقلالية القائمة على البرمجيات والتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي. 

وتُشكل هذه المنصات جسوراً بين تكتيكات المقاتلات التقليدية وتشكيلات القتال المستقبلية المُعززة بالذكاء الاصطناعي.

وقال مسؤولون إن التجربة تُمهد الطريق لاستقلالية قابلة للتطوير وموثوقة، قادرة على الصمود في البيئات الكهرومغناطيسية المتنازع عليها، وهو شرط أساسي لسيناريوهات الصراعات شبه المتكافئة.

ومن الناحية الاستراتيجية، لا تنظر القوات الجوية الأميركية إلى الأنظمة التي يقودها الذكاء الاصطناعي كبديل للطيارين البشريين، بل كمعززات للقوة. 

وفي سيناريوهات الحرب المتقدمة، مثل صراع محتمل في المحيط الهادئ، يمكن لأسراب الطائرات المسيرة المزودة بالذكاء الاصطناعي أن تُغرق دفاعات العدو الجوية، أو تعمل كطُعم، أو تضرب أهدافاً بالغة الأهمية دون تعريض حياة البشر للخطر. 

عقبات أمام عمل الطائرات بالذكاء الاصطناعي

على الرغم من النتائج الواعدة، لا تزال هناك تحديات جسام وعقبات كبرى أبرزها ضمان عمل الذكاء الاصطناعي بكفاءة في بيئات محرومة من نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو مُزدحمة، والحفاظ على روابط بيانات آمنة، والالتزام بقواعد الاشتباك المتطورة. 

وإضافةً إلى ذلك، يواصل صانعو السياسات وخبراء القانون نقاشهم بشأن الإطار الأخلاقي لتفويض صلاحيات القتل للأنظمة ذاتية التشغيل، وهو نقاشٌ ربما يزداد حدةً مع انتقال القوات الجوية الأميركية نحو التشغيل الميداني العملي.

ومع ذلك، تُقدم الرحلة التجريبية بطائرة XQ-58A Valkyrie لمحة واضحة عن مستقبل الحرب الجوية. 

ومع توقع دخول الطائرات المقاتلة التي يقودها الذكاء الاصطناعي الخدمة التشغيلية بحلول أوائل العقد المقبل، سيبدأ رسمياً عصر القتال الجوي المُدار بالخوارزميات.

الطائرة Valkyrie

تعتبر طائرة XQ-58A، التي طورتها شركة Kratos Defense & Security Solutions ضمن مبادرة تكنولوجيا الطائرات منخفضة التكلفة والقابلة للاستنزاف (LCAAT) التابعة لمختبر أبحاث القوات الجوية الأميركية، وهي طائرة مسيرة تعمل بمحركات نفاثة، مستقلة عن المدرجات، مصممة لمهام تكتيكية مخصصة عادةً لمقاتلات الجيل الرابع أو الخامس. 

ويبلغ طول Valkyrie نحو 9.14 متراً، وباع جناحيها 8.23 ​​متراً، ويمكنها التحليق بسرعات عالية دون سرعة الصوت، والطيران على ارتفاع يصل إلى 13,716 متراً، ويتجاوز مداها 3704 كيلومترات. 

وتسمح لها حجرة الأسلحة الداخلية وتصميمها المُحسن للتخفي، باختراق المجال الجوي المتنازع عليه بمقطع راداري منخفض، ما يدعم حمولات الضربة الحركية، والحرب الإلكترونية.

وجرى تصميم طائرة XQ-58A لتكون قابلة للاستنزاف، أي أنها منخفضة التكلفة، ومكونة من وحدات، وقابلة للاستبدال جزئياً. 

ويمكن تصنيع الطائرة بتكلفة زهيدة جداً مقارنة بتكلفة طائرة F-35، ما يتيح إنتاجها بكميات كبيرة ونشرها في ظروف جوية آمنة. 

وفي القتال، تستطيع طائرات Valkyrie التحليق أمام المنصات المأهولة، وصد نيران الدفاعات الجوية للعدو، وإخماد منشآت الرادار، أو إطلاق ذخائر دقيقة التوجيه. 

وفي سيناريوهات القتال الجوي، يمكن أن تعمل كطائرات اعتراضية أو طُعم ذاتي، ما يعطل تشكيلات العدو ويزيد من فرص بقاء الطيارين.

ومن الناحية التكتيكية، تُقدم طائرة XQ-58A قيمة تشغيلية عالية بفضل قدرتها على تنفيذ مهام ISR (الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع)، وSEAD (قمع الدفاعات الجوية للعدو)، ومهام الغارات الجوية دون تعريض الأفراد للخطر.

وعند تشغيلها بتكوين جناح موال، تُمثل الطائرة امتداداً ذكياً لمجموعة أجهزة الاستشعار والأسلحة الخاصة بالطيار، إذ تتمكن من تلقي الأوامر عبر روابط بيانات آمنة، والتكيف مع بيانات المهمة في الوقت الفعلي، وتنفيذ مناورات مستقلة في ظروف القتال. 

وفي سيناريوهات مستقبلية، يمكن لمقاتلة واحدة من طراز F-35 أو NGAD من الجيل السادس التحكم في عدة طائرات Valkyrie في وقت واحد، ما يُتيح اشتباكات معقدة ومتعددة المحاور تتجاوز بكثير قدرات حزم المقاتلات التقليدية.

وبالنسبة للقوات الجوية الأميركية، فإن طائرة XQ-58A ليست مجرد طائرة مسيرة؛ بل هي معزز للقوة، ومؤشر على عقيدة قتالية قائمة على الذكاء الاصطناعي. 

وتُوفر طائرات مثل Valkyrie الميزة غير المتكافئة اللازمة للحفاظ على الهيمنة الجوية في ساحة المعركة في القرن الحالي.

شاركها.