اخبار تركيا
تناول مقال للكاتبة والباحثة المصرية صالحة علام، الموقف التركي من إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة على إيران، والمعروفة بـ«السناب باك»، في ظل ضغوط دولية أوروبية على أنقرة للالتزام بها.
توضح الكاتبة في مقالها بموقع الجزيرة مباشر أن تركيا تتخذ موقفًا حذرًا ومتأرجحًا بين دعمها الدبلوماسي لطهران والسيطرة على مصالحها الاقتصادية والأمنية، مستفيدة من خبرتها السابقة في الالتفاف على العقوبات الأمريكية.
وتسلط الضوء على الإجراءات التي تتخذها أنقرة لتحصين اقتصادها واستقطاب الاستثمارات الإيرانية، ضمن استراتيجية تهدف للحفاظ على الأمن والاستقرار الوطني، وتجنب التداعيات الاقتصادية والسياسية لأي عقوبات صارمة على إيران.
وفيما يلي نص المقال:
مع إعلان كل من فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة لإيران، التي تُعرف بـ«السناب باك» أو «آلية الزناد»، وتشمل حظرًا على الأسلحة وبعض التدابير الاقتصادية بعد عشر سنوات من تجميدها، بزعم عدم وفاء طهران بالتزاماتها المتعلقة بتطورات برنامجها النووي، اتجهت الأنظار صوب تركيا لرصد موقفها الرسمي المعلن من هذا الإجراء، والوقوف على خطط تحركاتها المستقبلية في هذا الملف، وما تنوي فعليا القيام به في ظل تشديد البيان المشترك الصادر عن وزراء خارجية الدول الثلاث على ضرورة التزام أعضاء المنظمة الأممية بتطبيق حزمة العقوبات المفروضة على إيران كاملة، وعدم خرق أي من بنودها تحت أي مسمى أو مبرر.
السبب المباشر لاهتمام الغرب برصد توجهات الموقف التركي من العقوبات الأممية لإيران يعود في المقام الأول إلى انتهاج أنقرة سياسة رافضة لتطبيق العقوبات التي سبق أن فرضتها الولايات المتحدة حينذاك على طهران بحجة منعها من الاستمرار في عمليات تخصيب اليورانيوم وامتلاك أسلحة نووية، إذ أدّت تركيا دورًا مهمًّا ومؤثرًا لمصلحة إيران في تلك الفترة عبر قنواتها غير الرسمية، وتحملت عبء هذا التصرف في وجه شركائها الغربيين.
وقد ساعدت هذه السياسة طهران على تجاوز جدار الحصار الاقتصادي الأمريكي، عبر تحرك تركيا صوب زيادة حجم تعاونها الاقتصادي والتجاري معها من خلال عدد من الشركات الخاصة، وتحديدًا ما يرتبط منها بواردات الطاقة والنفط، إلى جانب التعاملات المصرفية، التي جاءت مدعومة بتصريحات للرئيس أردوغان أعلن فيها رفضه لمنطق منع بعض الدول امتلاك بلاده لرؤوس نووية.
قال أردوغان حينها: «هناك من يمتلك عدة رؤوس نووية لكنه يحرّم علينا نحن امتلاك أي صواريخ برؤوس نووية، وهذا أمر لا يمكن قبوله في ظل عدم وجود دولة متقدمة واحدة لا تمتلك صواريخ بأسلحة نووية، فجميعهم يمتلكون أسلحة نووية لكنهم يحذروننا من اتخاذ هذه الخطوة». وكان هذا التصريح يُعد نوعًا من الدعم السياسي الضمني لموقف طهران في معركتها المستمرة مع القوى الغربية منذ سنوات بسبب إصرارها على المضي قدمًا في بناء برنامجها النووي للأغراض السلمية.
وقد ردّ رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا بالقول إن بلاده ستستهدف إيران ثم باكستان، وإنها لن تسمح لأي دولة مسلمة بامتلاك سلاح نووي.
الاختلاف بين العقوبات الأمريكية ونظيرتها الأممية، من حيث مدى الالتزام الدولي بها وآلية تطبيقها ومراقبة مراحل تنفيذها، يضع أنقرة في موقف لا تُحسد عليه، إذ ارتكز تطبيق الأولى على مدى التوافق الدبلوماسي بين واشنطن ودول العالم، واتفاق مصالح هذه الدول الخاصة مع الرغبة الأمريكية أو عدمها، وهو ما منح تركيا حيزًا للمناورة، واتخاذ قرارات سيادية ومواقف دبلوماسية منفردة خدمت مصلحتها بعيدًا عن توجهات السياسة الأمريكية، مما منحها مكاسب عدة سياسيا واقتصاديا وتجاريا.
أما إعادة العمل بالعقوبات الصادرة عن الأمم المتحدة فتبدو أكثر حزمًا وأشد صرامة من نظيرتها الأمريكية، فهي من ناحية ملزمة لجميع الدول الأعضاء، وهي إلى ذلك تُعرِّض من يحاول الالتفاف عليها أو مخالفتها علنًا لعقوبات عسكرية واقتصادية ومالية. وهو ما يقف وراء عدم إعلان أنقرة حتى الآن موقفًا محددًا هذه المرة من تطبيق العقوبات أو رفض الالتزام بها، على الرغم من دعمها الدبلوماسي المعلن لطهران في وجه الضغوط الغربية.
إذ انصبّ الموقف التركي الرسمي على تصريحات سياسية دار معظمها في فلك المطالبة بضرورة استمرار المسار التفاوضي بين مختلف الأطراف، باعتبار أن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل للنزاع النووي بين إيران والغرب، دون التطرق إلى مدى التزامها بالعقوبات التي تستهدف شركات تجارية ومنظمات وأفرادًا لهم علاقة بالبرنامج النووي الإيراني أو بتطوير صواريخها الباليستية. وتشمل هذه العقوبات أيضًا حظر الأسلحة التقليدية، ومنع نقل مكونات أو تكنولوجيا ترتبط بأي صورة من الصور ببرنامجها النووي، وتجميد أصول لأفراد وكيانات على صلة بالبرنامج النووي، إلى جانب حظر الواردات والصادرات، ومطالبة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بالعمل على تقييد الوصول إلى منشآت مصرفية ومالية يمكن أن تساعد إيران في برنامجها النووي والباليستي.
ويبدو أن أنقرة أدركت نيات الدول الغربية اتجاه جارتها طهران مبكرًا، لذا سعت إلى اتخاذ خطوات جدية لمواجهة أي عقوبات يمكن أن تُفرض على إيران، وما يتبع ذلك من تطورات سياسية وعسكرية واقتصادية، وما تحمله من تهديدات من شأنها أن تؤدي إلى دخول المنطقة في حالة عدم استقرار أمني وسياسي، وما يتسبب فيه ذلك من هجرة موسعة صوب حدودها المشتركة مع إيران.
ويمكن رصد ذلك من خلال إجراءات محددة أقدمت عليها، استدعت إدخال برلمانها عدة تعديلات على حزمة من القوانين الة بالجنسية والهجرة والضرائب التجارية، بهدف تحصين اقتصادها الذي يعاني أزمة طاحنة ضد أي ضربات موجعة قد يتعرض لها، والحد من تداعيات الهجرة العشوائية التي قد تسفر عن اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل. إلى جانب الاستفادة من الاستثمارات الإيرانية التي بدأت فعليا هجرتها إلى خارج البلاد مع استمرار انهيار العملة الإيرانية وتصاعد القلق بشأن احتمال انفلات الأمور، وانزلاق المنطقة صوب حرب موسعة.
وجذبًا لرؤوس الأموال الإيرانية، قامت الحكومة التركية بتخصيص العديد من الأراضي داخل مناطقها الصناعية لاستخدامها في إنشاء مختلف الأنشطة الصناعية، وتقديم امتيازات ضريبية مخفضة للمستثمرين الإيرانيين، والإعلان عن نظام «البطاقة التركوازية»، وهو يعادل نظام «البطاقة الخضراء» الأمريكية، الذي يمنح المستثمرين الحق في الحصول على الجنسية التركية مقابل ضخ استثمارات في الاقتصاد التركي.
على صعيد آخر، تعد تركيا من أكبر الزبائن الذين يتعاملون مع إيران في قطاع الطاقة، إذ تستورد منها 45% من النفط و18% من الغاز لتلبية احتياجاتها. لذا فإن الرضوخ للعقوبات الأممية يعني أن عليها البدء في إيجاد البديل المناسب الذي يمكنه أن يلبي احتياجاتها في هذا التوقيت الحرج، حيث يدق الشتاء أبوابها، وتتعرض لضغوط أمريكية لوقف استيرادها للغاز الروسي.
وهو ما يُشكّك في إمكانية انصياع تركيا الكامل لتنفيذ حزمة العقوبات الأممية على إيران، وعدم لجوئها إلى الأبواب الخلفية وقنواتها غير الرسمية مجددًا، تحقيقًا لمصلحتها التي تتفق ومصلحة إيران، لتخفيف حدة نتائج العقوبات على اقتصادها، والحفاظ على أمنها واستقرارها.