◄ مطالبات مجتمعية بإصلاحات جذرية في منظومة النقل المدرسي

◄ عذراء حمود: هناك مشكلة في منظومة النقل المدرسي تحتاج إلى إعادة هيكلة

◄ المحرزي: يجب التنسيق بين أطراف العملية التعليمية لتعزيز منظومة الأمن والسلامة

◄ التأكيد على أهمية توظيف التقنيات الحديثة لضمان سلامة الطلاب

 

اخبار عمان ريم الحامدية

عبّر عدد من المواطنين عن قلقهم من تكرار حوادث نسيان الطلاب داخل الحافلات المدرسية، مؤكدين أنَّ تلك الحوادث المؤلمة لم تعد مجرد حالات فردية، بل مؤشرات واضحة على وجود قصور في أنظمة الرقابة والسلامة داخل المدارس، الأمر الذي يستدعي مراجعة شاملة لسياسات النقل المدرسي والإجراءات المتبعة لضمان أمن الطلبة وسلامتهم.

وتشير عذراء حمود، الباحثة والمحامية الحقوقية، إلى أن تكرار حوادث وفاة طالب أو طالبة داخل الحافلة المدرسية لم يعد خطأً فردياً ولا لحظة سهو، بل صار علامة على صممٍ جماعي وتراخٍ قاتل ونظام لا يفتح عينيه حتى بعد أن تُغلق عينا الطفل إلى الأبد، مضيفة: “حين تتكرر المأساة تُصبح الصدفة بريئة، ويغدو الإهمال مشتركاً يحمل بصمات أكثر من يد وأكثر من تقصير، إذ كيف يُعقل أن تُغلق أبواب الحافلة دون أن يتفقد أحد المقاعد؟ كيف لا يكون في المنظومة من يسأل: أين ذهب ذاك الطفل؟ لماذا لم يصل؟ أليس من حقنا أن نسأل: أين الرقابة؟ أين التقنية؟ أين الإنسانية؟ فتكرار الحادثة قد يبدو ناتجاً عن تقصير شخصي من سائق الحافلة، إلا أن هذه الوقائع تكشف عن وجود نمط ومشكلة بنيوية في منظومة النقل المدرسي، فحين تتكرر الأخطاء في بيئة يُفترض أن تكون آمنة ومدروسة، فإنَّ الخطأ لم يعد شخصياً فقط، بل أصبح دليلاً على وجود ثغرات نظامية، الأمر الذي يتطلب مراجعة شاملة للأنظمة القائمة، وبناء منظومة نقل آمنة تضع سلامة الطفل في أعلى سلم الأولويات”.



 

وتوضح: “حين يكون النقل الحكومي بلا مشرف، ولا أنظمة تفقد، ولا أجهزة ذكية، فإنَّ كل محاولة لإلقاء المسؤولية على الأفراد، مهما كانت أخطاؤهم، تصبح نوعاً من التهرب، والمسؤولية لا تبدأ من السائق الذي أنهى الرحلة، بل من النظام الذي بدأها دون ضمانات كافية لسلامة الطلاب، فالسائق مسؤول والمدرسة شريكة، لكنّ المسؤولية الكبرى تبدأ من الأعلى، من أولئك الذين يملكون القرار، وترك السائق دون نظام صارم يجعل الوزارة متحملة المسؤولية كاملة”.

وتلفت عذراء حمود إلى عدم وجود أنظمة تفقدية حقيقية داخل الحافلات المدرسية، سواء بشكل يدوي منظم أو إلكتروني ذكي، وأن الإجراءات المتبعة – إن وجدت – تعتمد في الغالب على اجتهادات فردية من السائق أو المدرسة، وهي لا تزال تقليدية يدوية محدودة بالعنصر البشري، وأن هذا النقص في النظام الرقابي والتقني هو ما أدى إلى تكرار حالات نسيان الطلاب داخل الحافلات، وصولاً إلى حوادث مأساوية كحادثة الوفاة الأخيرة، التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة إن استمر الوضع كما هو.

وترى أنَّ عدم إشراك أولياء الأمور كطرف فاعل لحل هذه المشكلة يشكّل خللاً آخر، حيث يُنظر إلى الأسرة كمتلقٍ للخدمة لا كشريك في الرقابة، مشيرة إلى أن إشراكها في التقييم والبلاغ والمساءلة يعزز من سلامة المنظومة، لأن كل الثغرات في نظام النقل المدرسي عندما تجتمع فإنها تشكّل بيئة غير آمنة وتستدعي تحركاً عاجلاً لإعادة بناء نظام النقل المدرسي على أسس مدروسة تضع حياة الطفل أولاً.

وتؤكد أن الحوادث المؤلمة مثل نسيان طفل داخل الحافلة حتى وفاته هزّت ثقة أولياء الأمور في نظام النقل المدرسي لأن الحافلة التي كان يُفترض أن توفر الأمان أصبحت مصدر خطر محتمل، مشيرة إلى أنَّ الكثير من أولياء الأمور أصبحوا يفضلون توصيل أبنائهم بأنفسهم لتجنب النقل المدرسي حتى لو كان مجانا، وذلك لضعف الثقة بهذا النظام.

وتقترح عذراء حمود البدء في أنسنة النقل المدرسي بحيث لا تُدار الحافلة كمركبة بل كمسؤولية أخلاقية تربوية، وأن يكون السائق مُدرّباً على السلامة النفسية لا فقط على القيادة، وأن يتم تحويل إجراءات السلامة من النظام الورقي إلى النظام الذكي عبر توظيف التقنيات الحديثة تشمل أجهزة استشعار وأنظمة عدّ إلكتروني وتطبيق ذكي يُشعر ولي الأمر بوصول الطفل وخروجه، إلى جانب ضرورة وجود مشرف تربوي في كل حافلة باعتباره الضمانة البشرية التي تراجع وتلاحظ وتنقذ”.

من جانبه، يقول سعيد بن محمد المحرزي، الباحث في مجال التربية والأسرة، إن تكرار حوادث نسيان الطلبة داخل الحافلات المدرسية يشير إلى وجود إشكاليات تتعلق بنظام الأمن والسلامة في المدارس بشكل عام، سواء في أنظمة المباني المدرسية أو في نظام النقل أو الرعاية النفسية والصحية، موضحاً أن كل مدرسة بها مئات الطلبة وبعضها يتجاوز الألف طالب، إلى جانب الكادر الفني والإداري، مما يجعل من الضروري وجود نظام محكم للأمن والسلامة يغطي مختلف الجوانب المدرسية.

سعيد المحرزي.jpeg

 

وأشار المحرزي إلى أنَّ حوادث نسيان الطلبة داخل الحافلات المدرسية تكشف عن قصور في تطبيق أنظمة الأمن والسلامة، سواء المتعلقة بالمبنى المدرسي أو الفصول الدراسية أو الجمعية التعاونية أو الحافلات المدرسية وما يرتبط بها من إجراءات عند حضور الطلبة أو انصرافهم نهاية اليوم الدراسي، مؤكدا أنَّ الأمر يتطلب مراجعة شاملة لنظام الأمن والسلامة في المدارس بشكل عام، وخاصة في ما يتعلق بالنقل المدرسي من حيث الموارد البشرية، ونظام الأجور، والمواصفات الفنية للحافلات، وكذلك القوانين التي تنظم المخالفات الفنية والسلوكية.

وحول المسؤولية في هذه الحوادث المؤلمة، يوضح المحرزي أن السائق يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، إذ يجب عليه التأكد من سلامة حافلته وخلوها من أي طالب بعد انتهاء عملية النقل، مشيرًا إلى أنَّ المدرسة أيضًا تتحمل مسؤولية كبيرة في متابعة حركة النقل المدرسي وضمان التزام أصحاب الحافلات بالأنظمة التي تحقق سلامة الطلبة، كما أن وزارة التربية والتعليم والمديريات التابعة لها تتحمل بدورها جزءاً من المسؤولية، كونها الجهة المعنية بصياغة أنظمة الأمن والسلامة المدرسية، فلا يمكن أن تلقى المسؤولية على طرف واحد دون الآخر.

ويبيّن المحرزي أنه من الضروري مراجعة إجراءات سلامة الطلبة في الحافلات المدرسية، موضحًا أن ذلك يتطلب تواصلاً فعالاً بين وزارة التربية والتعليم وأولياء الأمور من خلال قنوات مباشرة تناقش إجراءات الأمن والسلامة الحالية وكيفية تطويرها، إلى جانب أهمية وجود كادر بشري متخصص يهتم بجوانب الأمن والسلامة المدرسية بشكل عام، وبمتابعة حضور وانصراف الطلبة عبر الحافلات المدرسية بشكل خاص، وإنشاء بوابات منفصلة لدخول الحافلات وأخرى لخروجها في المبنى المدرسي لضمان انسيابية الحركة وتقليل المخاطر.

كما يشير إلى وجوب إيجاد قوانين رادعة تضمن محاسبة المقصرين، سواء من أصحاب الحافلات أو من الجهات الرسمية المسؤولة عن توفير الدعم لهم، مبينًا أن العديد من أصحاب الحافلات يواجهون تحديات متعلقة بعمليات نقل الطلبة. كما دعا إلى تفعيل الجانب التوعوي ليشمل مختلف أطياف المجتمع المدرسي والمحلي، من معلمين وأولياء أمور وسائقي حافلات وطلبة، لترسيخ أهمية متابعة عملية نقل الطلبة وضمان سلامتهم.

وفيما يتعلق بأبرز الحلول والمقترحات لمنع تكرار هذه المآسي، يقترح المحرزي إنشاء قسم مختص في كل مدرسة يُعنى بجوانب الأمن والسلامة، يتابع مختلف عمليات المدرسة بدءًا من صعود الطلبة إلى الحافلات صباحًا وحتى عودتهم إلى منازلهم نهاية اليوم الدراسي، على أن يكون لهذا القسم كادره البشري المتخصص، دون إسناد هذه المهام للمعلمين الذين لديهم مسؤولياتهم الفنية الأخرى، وتوعية مختلف أطياف المجتمع المدرسي والمحلي، وخاصة أولياء الأمور والطلبة وسائقي الحافلات المدرسية، بإجراءات الأمن والسلامة وضرورة الالتزام بها، وتطوير نظام إلكتروني يُشعر ولي الأمر وسائق الحافلة في الوقت ذاته بأسماء الطلبة المتغيبين عن المدرسة، بما يُعزز الرقابة والمتابعة اللحظية لحركة الطلبة، والتنسيق مع شرطة عُمان السلطانية لتنظيم حركة السير عند خروج الطلبة من المدارس الواقعة في المناطق السكنية المكتظة، مشيرًا إلى أن الازدحام يشكل خطرًا كبيرًا على سلامة الطلبة عند الدخول والخروج من المدارس.

شاركها.