شفيقة زيد

كان أحمد ذو العشرين سنة يريد شراء هاتف ذكي جديد باهظ الثمن، لكن والده لم يوافق على طلبه. قال الأب: «هذا الهاتف غالٍ جداً، ومواصفاته لا تختلف كثيراً عن هاتفك الحالي. ردَّ أحمد: «يا أبي.. كل زملائي في الجامعة يمتلكون هذا النوع وأنا لا أريد أن أبدو مختلفاً عنهم أو أقل منهم. أمسك الأب بيد أحمد بحنان، وقال له: «يا بنيّ، لا تجعل رأي الآخرين هو من يحدّد اختياراتك. التفكير الحرّ هو أن تفعل ما أنت مقتنع به، حتى لو كنت الوحيد الذي يفعله. الشجاعة الحقيقية ليست في أن تتبع الجميع، بل في أن تختار ما تراه صحيحاً. نظر أحمد لوالده، وقال: وكيف ذلك يا أبي؟

أجاب الوالد: «يا أحمد.. تخيّل معي جيلاً يرى العالم بعينيه هو، وليس من خلال عدسة التحيّز التي يفرضها المجتمع أو الإعلام. في هذا العالم، يا بنيّ، ستتلاشى الحواجز بين الأفراد، ولن يضطر أحد إلى أن يتصنّع أو يرتدي قناعاً لإرضاء الآخرين، بل سيكون كل شخص حرّاً في أن يكون على طبيعته». صمت أحمد للحظة، ثم قال بهدوء: «لقد فهمت يا أبي، الحرية الذاتية هي الأساس حقاً».

بفضل هذا النوع من التربية، الذي يعتمد على الحوار وتقبّل الاختلاف، كبُر أحمد ليصبح واثقاً من نفسه، قادراً على التفكير بشكل مستقل ويتخذ قراراته بحرية ووعي، لقد فهم جيداً بأن الأسرة هي المكان الأول الذي تتشكل فيه الشخصية، وإنَّ التربية الصحيحة هي التي تبني ثقة الإنسان بنفسه، وبهذا لم يعد يتّبع رأي الأغلبية فقط، بل أصبح قائداً لنفسه، وملهماً للآخرين.

ماذا لو أننا لم نقم بتعليم أبنائنا؟ كيف يفكّرون بحرية؟ ماذا لو تركناهم يتّبعون رأي الأغلبية في شؤون حياتهم دون وعي؟.. في الحقيقة، إن غياب الحرية في التفكير منذ الصغر يورّث جيلاً ضعيفاً، غير قادر على مواجهة تحديات الحياة، فيكونوا مجرد نسخ مكرّرة من محيطهم، يفتقرون إلى القدرة على الإبداع والابتكار.

إنَّ بناء الإنسان الحرّ لا يقتصر على الأسرة فقط، بل يمتد ليشمل المناهج التعليمية التي تلعب دوراً أساسياً في طريقة تفكير الأبناء وتحليلهم للأمور، لذلك على المؤسسات التعليمية أن تعمل بجد على صياغة مناهج تشجّع أطفالنا وشبابنا على التفكير النقدي والمنطقي منذ سنواتهم الأولى. وأن تغرس فيهم قيمة احترام الاختلاف؛ لأنَّ المجتمع المتطوّر هو الذي يتقبل التنوّع والاختلاف.

في الختام، يمكننا القول إنَّ الحرية الذاتية هي أساس كل إصلاح وتطوّر. إنَّها ليست مجرد فكرة، بل هي قناعة تنمو داخلنا بأننا قادرون على أن نفكر ونعبّر عن أفكارنا، ونعمل بها بحرية ودون خوف. تماماً مثلما تعلّم أحمد أن يختار ما يراه صحيحاً لا ما يتّبعه الجميع، فعندما ندرك قيمة الإنسان في أعماقنا نكون قد خطونا أولى الخطوات نحو التنمية الإنسانية الحقيقية، وبذلك نتحرّر من القيود التي تعيق تقدّمنا، ونبني مجتمعاً يتمتع بالقدرة على التفكير الموضوعي والعمل المبدع والبنّاء.

شاركها.