حنان الخلفان
في مركز البحرين للأورام، لا يبدأ العلاج من غرفة العمليات أو قاعة الأشعة، بل من القلب. هناك، تجد المريض محاطاً بابتساماتٍ صادقة وأيدٍ تمتدّ له بثقة وطمأنينة، وكأنها تقول له: نحن معك في كل خطوة. فالعناية هنا لا تُقاس بجرعة دواء، بل بدفءٍ إنساني يسبق كل خطوة علاجية، إنه المكان الذي يذكّرك بأن الطب ليس علماً فحسب، بل رسالة، وأن الشفاء لا يصنعه الدواء وحده، بل المحبة التي ترافقه. في هذا المركز، يتعامل الطاقم مع المريض كقصة حياة، لا كرقمٍ في سجلٍ طبي، فينصتون لوجعه، ويربتون على روحه، ويمضون معه رحلة التعافي بخطواتٍ يسندها الأمل.
ومع حلول شهر أكتوبر، تتوشح البحرين باللون الوردي، لا كزينةٍ عابرة، بل كلغةٍ إنسانية يفهمها الجميع. تتلاقى فيها مشاعر الوعي والتعاطف، وتتحول الشوارع والمباني إلى رسالةٍ صامتة تُذكّر كل امرأة أن الحياة أثمن من الخوف، وأن الاكتشاف المبكر هو خطوة أولى نحو الأمل.
يقف جيشٌ من الأبطال بملابس بيضاء وراء كل مريضٍ يبتسم رغم الألم، يحملون في قلوبهم إنسانية لا تُقاس بالمناصب ولا بالشهادات. إنهم الأطباء والممرضون والفنيون والإداريون في مركز البحرين للأورام، الذين لا يعرفون التراجع أمام التعب، ولا يكلّون من تقديم العناية والعطف في آنٍ واحد. يعملون في صمت، لكن أثرهم يعلو كالدعاء، وفي كل لحظةٍ يزرعون فيها الطمأنينة في قلب مريض، يكتبون فصلاً جديداً من حكاية الأمل. وما يميز هؤلاء الأبطال في البحرين أنهم لا يرون في عملهم واجباً فحسب، بل رسالة وطنية وإنسانية، يكرّسون من خلالها قيم الرحمة والرعاية التي قامت عليها المنظومة الصحية في مملكة البحرين.
في رحلة المرض، لا يكون التحدي الأكبر هو العلاج بحد ذاته، بل الخوف الذي يسبق المواجهة. ومع ذلك، يثبت الواقع في البحرين أن الأمل أقوى من كل ما يُخيف. فداخل مركز البحرين للأورام، تُروى قصص كثيرة عن نساءٍ واجهن المرض بشجاعةٍ لا تُقهر، وعن رجالٍ جعلوا من التجربة درساً في الصبر والإيمان. هناك، يتحول الصمت إلى إصرار، والدموع إلى ابتساماتٍ تتحدى الضعف، لأن المكان لا يداوي الأجساد فقط، بل يحتضن النفوس ويرفع المعنويات. يُدرك المرضى أنهم ليسوا وحدهم في هذه الرحلة، فحولهم فريقٌ طبي وإنساني يُشعل شموع الأمل كل يوم، ويُذكّرهم بأن الشفاء ليس نهاية الطريق، بل بداية حياةٍ جديدة أكثر وعياً وثقة. وهكذا ينتصر الأمل، لا بالدواء وحده، بل بالقلب الذي يرفض الاستسلام، وبالوطن الذي يُؤمن أن الحياة تستحق أن تُعاش بكرامةٍ مهما كانت التحديات.
في وقتٍ مضى، كان المرضى يقطعون المسافات الطويلة بحثاً عن الأمل في الخارج ويتكبدون عناء السفر وتكاليف العلاج الباهظة. أما اليوم، فقد أصبح الأمل مقيماً بيننا، حين وفّرت مملكة البحرين بفضل رؤيتها واهتمامها الإنساني أفضل سبل العلاج والرعاية مجاناً لمواطنيها، بأعلى معايير الجودة الطبية والإنسانية. نحن اليوم نفخر بين دول الخليج بهذا الصرح الطبي المتكامل، مركز البحرين للأورام، الذي أصبح له صيتٌ طيب ومكانة مرموقة بين أشقائنا في الخليج، بما يقدّمه من رعايةٍ شاملة وعلاجٍ متطور يوازي أرقى المراكز العالمية.
وبصراحة، مع كل هذا العطاء الذي تقدمه الدولة في رعاية المرضى، يظلّ الباب مفتوحاً أمام المجتمع ليكون شريكاً في الامتنان والوفاء. فكم سيكون جميلاً لو بادرت الشركات والمؤسسات العامة والخاصة إلى إطلاق مبادراتٍ لدعم مركز البحرين للأورام، سواء بتقديم الهدايا الرمزية للطاقم الطبي، أو برعاية فعالياتٍ مخصصة للمرضى والمتعافين. فالتقدير كلمةٌ صامتة لكنها تبعث الحياة في قلوب من يبذلون جهدهم في صمت، ويستحقون أن يشعروا أن المجتمع يراهم ويقدّر عطاءهم. إنه ليس مجرد مركزٍ للعلاج، بل قصة وطنٍ يحتضن أبناءه في أوقات ضعفهم، ويمنحهم القوة ليواصلوا الحياة بكرامةٍ وثقة. وهكذا، تظل البحرين نموذجاً في الإنسانية والرعاية، حيث يتجسد الطب كرسالةٍ لا كوظيفة، ويصبح المريض شريكاً في رحلة العطاء، لا متلقياً للعلاج فحسب.