أطلقت إسرائيل حملة دعائية سرّية في الولايات المتحدة، تستعين من خلالها بمجموعة من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاماً، مقابل مبالغ مالية تصل إلى 7 آلاف دولار للمنشور الواحد، للترويج لصورتها لدى الرأي العام الأميركي. 

وتتم إدارة هذه الحملة، التي تحمل اسم “مشروع إستير” Esther Project، عبر شركة جديدة مقرها واشنطن تدعى Bridges Partners، ومن المقرر أن تستمر حتى شهر نوفمبر، حسبما كشفت مجلة responsiblestatecraft.

وذكر موقع truthout (منظمة إخبارية تقدمية أميركية)، أن شركة Bridges Partners، التي تعمل لصالح وزارة الخارجية الإسرائيلية، أرسلت سلسلة من الفواتير الخاصة بـ “حملة المؤثرين” إلى شركة Havas Media Group Germany، وهي مجموعة إعلامية دولية تعمل لصالح إسرائيل.

وتفصّل هذه الفواتير مبلغاً قدره 900 ألف دولار، بدءاً من شهر يونيو الماضي وحتى شهر نوفمبر المقبل، مقابل قيام مجموعة من المؤثرين (يتراوح عددهم بين 14 و18 مؤثراً) بإنتاج محتوى ترويجي لصالح السردية الإسرائيلية.

ولم يتم الكشف عن هوية هؤلاء المؤثرين. ووفقاً للعقد، كان من المفترض أن يبدأوا النشر لصالح إسرائيل في يوليو، لكنهم لم يسجلوا أنفسهم كوكلاء أجانب.

وبسبب عدم التسجيل وعدم الإفصاح عن أسمائهم، يُرجَّح أن هؤلاء المؤثرين ينتهكون قانون تسجيل الوكلاء الأجانب الأميركي FARA، وهو القانون الأساسي المنظّم لأنشطة الضغط الأجنبية في الولايات المتحدة. ويقول خبراء القانون إن عليهم أيضاً أن يوضحوا للجمهور أن محتواهم على مواقع التواصل الاجتماعي مموّل من قبل إسرائيل.

7000 دولار لكل منشور

وتشير التقديرات إلى أن تكاليف الإنتاج والإدارة حتى 16 سبتمبر الماضي، والتي شملت الأتعاب القانونية، ورسوم البنوك، ورسوم التسويق، وخدمات أخرى خاصة بالمشروع بلغت حوالي 552 ألفاً و946 دولاراً مخصصاً للمؤثرين.

وقدّرت شركة Bridges Partners، أن المجموعة ستنتج ما بين 75 و90 منشوراً خلال الفترة ما بين يونيو ونوفمبر. وبالاعتماد على الحسابات، يصل العائد إلى حوالي 6 آلاف و143 دورلاراً لكل منشور كحد أدنى، وقد يصل إلى 7 آلاف و372 دولاراً لكل منشور كحد أقصى، وفق موقع truthout.

وقال بن فريمان، مدير برنامج “السياسة الخارجية” في معهد كوينسي، إن القانون في هذه الحالة واضح: “إذا كنت تتقاضى أموالًا من حكومة أجنبية للتأثير على الرأي العام الأميركي نيابةً عنها، فعليك التسجيل بموجب قانون قانون تسجيل الوكلاء الأجانب الأميركي FARA”.

وأضاف فريمان: “إذا كان هؤلاء المؤثرون يقبلون الأموال عن علم من الحكومة الإسرائيلية لإنتاج محتوى لصالحها، ويُشاهَد هذا المحتوى من قبل آلاف أو ملايين المتابعين في الولايات المتحدة، فليس واضحاً على الإطلاق لماذا لا يُطلب منهم التسجيل بموجب FARA”.

وحتى الآن، لا يَظهر في عقد شركة Bridges Partners سوى وكيل أجنبي مسجّل واحد، وهو أوري شتاينبرج، وهو مستشار يمتلك 50% من الشركة.

وقال محام متخصص في قانون FARA، إن المؤثرين أنفسهم ملزمون بالتسجيل كوكلاء أجانب: “أي شخص يوزّع مواد دعائية أو معلومات موجهة للجمهور الأميركي نيابة عن جهة حكومية أجنبية، يجب الإفصاح عنه بطريقة ما، بما في ذلك احتمال تقديم نموذج تسجيل مختصر”.

وفي سبتمبر من العام الماضي، وجهت وزارة العدل الأميركية، اتهامات لموظفين اثنين في قناة RT الروسية، لتمويلهما سراً مؤثرين معروفين مثل تيم بول، وديف روبين، وبيني جونسون، عبر شركة مقرها ولاية تينيسي تُدعى Tenet Media، لصالح الحكومة الروسية. وقد ادعى المؤثرون أنهم لم يكونوا على علم بمصدر التمويل.

وأوضح خبراء قانون FARA، أن المؤثرين العاملين لصالح إسرائيل، ملزمون بإضافة إخلاء مسؤولية (إشارة توضيحية) في منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يوضح أن المحتوى مموّل من قبل الحكومة الإسرائيلية، سواء داخل المنشور نفسه أو في الملف الشخصي للمؤثر.

شركة Bridges Partners 

كشفت صحيفة “جيوزاليم بوست” الإسرائيلية، أن شركة Bridges Partners، المملوكة للمستشارين الإسرائيليين، أوري شتاينبرج، ويائير ليفي، قد تم تأسيسها في يونيو 2025 في ولاية ديلاوير الأميركية، وبعد وقت قصير حصلت على ما يقارب 200 ألف دولار لتجنيد وتنسيق عمل مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي داخل الولايات المتحدة.

وتنص العقود على مبالغ تصل إلى 900 ألف دولار يتم دفعها على مدى عدة أشهر، وتتضمن جدول تسعير مفصل يشمل؛ 60 ألف دولار كدفعات مقدّمة لتغطية تكاليف تجنيد المؤثرين وتطوير الفكرة، و140 ألف دولار إضافية لمرحلة التطوير مع بدء خمسة أو ستة مؤثرين بالنشر، إضافة إلى مخصصات شهرية تصل إلى 250 ألف دولار لتغطية أجور المؤثرين وتكاليف الإنتاج والوكالة، وأخيراً 50 ألف دولار مخصصة لمرحلة الختام وإعداد تقارير ما بعد الحملة.

وتصف الشركة عملها بأنه يهدف إلى “تعزيز التبادل الثقافي بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.

ويقع المقر التجاري للشركة في حي كابيتول هيل في العاصمة الأميركية واشنطن، وقد استعانت الشركة بخدمات نداف شتراوشلر، وهو رائد سابق في وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وفق موقع truthout.

وتحمل حملة Bridges Partners اسم “مشروع إستير” (Esther Project)، وهو اسم يشبه إلى حد كبير اسم حملة “مشروع إستير”، التي أطلقتها مؤسسة Heritage Foundation بهدف محاربة معاداة السامية من خلال وَصم منتقدي إسرائيل بأنهم جزء من “شبكة داعمة للإرهاب”.

وقد أوضح متحدث باسم Heritage Foundation لموقع Responsible Statecraft، أنه “لا توجد أي صلة بين مشروع إستير التابع لمؤسسة Heritage، الذي أعلن عنه في أكتوبر 2024، ومشروع إستير التابع لشركة Bridges Partners.

وقام عدد من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي بعدة رحلات إلى إسرائيل في الأشهر الأخيرة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الرحلات مرتبطة بمشروع “إستير”.

ففي أغسطس، نظّمت منظمة Israel365 Action، رحلة لمجموعة من المؤثرين إلى إسرائيل، بتمويل جزئي من عقد بقيمة 86 ألف دولار من وزارة الخارجية الإسرائيلية.

وأفاد أحد المشاركين، لانس جونستون، أن وجهة نظره تجاه إسرائيل تغيّرت بعد الزيارة، قائلاً: “الآن أصبحتُ أكثر تقبّلًا لفكرة إرسال الأسلحة لهم”.

كما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الشهر الماضي، بمجموعة أخرى من المؤثرين الأميركيين، في لقاء تم ترتيبه بواسطة منظمة تُدعى Generation Zion.

وعندما سأله أحدهم عن كيفية استعادة الدعم المتراجع لإسرائيل، أجاب نتنياهو: “علينا أن نرد. كيف نرد؟ من خلال مؤثرينا. أعتقد أنه يجب أن تتحدثوا إليهم إذا سنحت لكم الفرصة، فهم مجتمع مهم جداً”.

وأضاف: “علينا أن نقاتل بالأدوات المناسبة لساحات المعارك التي نخوضها، وأهم هذه الأدوات هي وسائل التواصل الاجتماعي”.

وفي منشور على منصة “إكس”، أشارت النائبة مارجوري تايلور جرين (جمهورية – جورجيا) إلى أن المؤثرين العاملين لصالح حكومة أجنبية يرجّح أنهم ينتهكون القانون بعدم الإفصاح عن هويتهم.

وقالت في مقابلة مع شبكة One America News: “أي مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي يتلقى أموالًا من دولة أجنبية، عليه التسجيل بموجب قانون FARA”.

مستشار سابق لحملة ترمب في الواجهة

يأتي هذا فيما أبرمت إسرائيل عقداً بقيمة 1.5 مليون دولار شهرياً مع براد بارسكال، المستشار الاستراتيجي السابق لحملة الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل ولايته الأولى في عام 2016.

وسجّلت شركة Clock Tower X LLC التابعة لبارسكال نفسها، كوكلاء أجانب لصالح وزارة الخارجية الإسرائيلية في 18 سبتمبر الماضي.

وينص العقد على تنفيذ “اتصالات استراتيجية” لمكافحة معاداة السامية في الولايات المتحدة. وتشير الوثائق المصاحبة إلى خطط لاستخدام أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل حملات تحسين محركات البحث الشهرية عبر منصة MarketBrew AI، ومحاولات التأثير على مخرجات روبوتات المحادثة المعتمدة على GPT، وفق “جيروزاليم بوست”.

وبرز بارسكال على الساحة السياسية الأميركية، كمدير رقمي لحملة ترمب لعام 2016 ثم مديراً لحملته الانتخابية لاحقاً، واشتهر بأساليبه القوية في الاستهداف الدقيق للناخبين عبر فيسبوك.

وتتضمن حملته لصالح إسرائيل، إنتاج 100 إعلان أو قطعة محتوى شهرياً، بالإضافة إلى 5 آلاف نسخة مختلفة من هذه الإعلانات، وهو مستوى إنتاج يتطلب على الأرجح أدوات مؤتمتة.

ويأتي هذا الجهد في ظل توسع غير مسبوق في الموارد التي تخصصها الحكومة الإسرائيلية للترويج لوجهات نظرها في الخارج. ففي ديسمبر 2024، وبموجب مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي مع نتنياهو، حصل وزير الخارجية جدعون ساعر على مبلغ 150 مليون دولار لتمويل جهود الدبلوماسية العامة العالمية، المعروفة بالعبرية باسم “هاسبارا”.

شاركها.