يلقي رئيس الوزراء الفرنسي، سيباستيان لوكورنو، أول خطاب له أمام البرلمان الثلاثاء، في لحظة حاسمة بالنسبة لحكومته الجديدة، إذ يسعى لتمرير الميزانية واستعادة قدر من الاستقرار السياسي، فيما ذكرت مصادر فرنسية أن مشروع الموازنة الجديد يتضمن 29 إجراء ضريبياً.
لوكورنو، البالغ من العمر 39 عاماً، والذي أُعيد تعيينه الجمعة، بعد 4 أيام فقط من استقالته وسط صراعات سياسية داخلية، سيلقي خطاب السياسة العامة المرتقب أمام الجمعية الوطنية (البرلمان) في باريس الساعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت المحلي، بعد أن قدّم مشروع الموازنة إلى حكومته صباح الثلاثاء.
وتعهد حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان، وكذلك اليسار الراديكالي، بإسقاط حكومة لوكورنو من خلال اقتراح حجب ثقة هذا الأسبوع، بغض النظر عما سيقترحه خلال جلسة البرلمان.
تنازلات لتفادي السقوط
ويعتمد بقاء لوكورنو السياسي على التنازلات التي سيقدمها الثلاثاء لإقناع عدد من الأحزاب الأخرى بالامتناع عن التصويت في هذه الجلسات. وإذا فشل، فسيصبح ثالث رئيس وزراء يُجبر على الاستقالة خلال أقل من عام، ما سيترك أمام الرئيس إيمانويل ماكرون خيارات محدودة، من بينها الدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة.
وكانت الانتخابات المبكرة العام الماضي وما تلاها من حالة عدم يقين مالي وسياسي قد أدت إلى عمليات بيع واسعة للأصول الفرنسية، ما رفع تكاليف اقتراض البلاد مقارنة بنظرائها.
وقال لوكورنو في اجتماع مع الوزراء الجدد الاثنين: “مهمتنا الوحيدة هي الارتقاء فوق هذه الأزمة السياسية التي نمر بها، وتجاوزها، إنها أزمة تركت جزءاً من مواطنينا في حالة ذهول، وربما أيضاً جزءاً من العالم يراقبنا”.
ويتعرض لوكورنو لضغوط للاستجابة لمطالب تفكيك 8 سنوات من سياسات ماكرون الاقتصادية، في الوقت الذي يحاول فيه خفض العجز وطمأنة المستثمرين.
ويلعب الحزب الاشتراكي دوراً محورياً في تصويتات حجب الثقة هذا الأسبوع، إذ يطالب بفرض ضريبة ثروة جديدة، وزيادة الضرائب على الشركات، وتقليص حجم التخفيضات في الميزانية، إضافة إلى تعليق قانون الرئيس الأساسي لعام 2023 الذي يرفع تدريجياً سن التقاعد الأدنى من 62 إلى 64 عاماً.
إصلاح التقاعد
وأصبح إصلاح نظام التقاعد محور النقاش السياسي في الأيام الأخيرة، بينما رفضت الكتلة الوسطية اليسارية حتى الآن عرض ماكرون الذي قدّمه الجمعة، والقاضي بتأجيل تطبيق الإجراءات بدلاً من تعليقها.
وقال أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، في مقابلة مع صحيفة “لا تريبون ديمانش”: “إذا تمسّك باقتراحه، فلن ندخل في أي نقاش حول الميزانية وسنقدم مذكرة حجب الثقة فوراً. لقد حان وقت الاختيار”.
من جهته، قال وزير المالية الفرنسي السابق إريك لومبارد لقناة BFM TV الاثنين، إنه أوصى لوكورنو بتعليق إصلاح نظام التقاعد، مؤكداً أن وجود ميزانية معتمدة أمر أساسي “لاستقرار اقتصادنا وبلدنا”.
ودعم الاقتصادي فيليب أجيون، الحائز على جائزة نوبل هذا الأسبوع والذي قدّم المشورة لماكرون في برنامجه الاقتصادي خلال انتخابات 2017، فكرة تعليق الإصلاح حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027 لـ”تهدئة الأوضاع”.
لكن أي تراجع من لوكورنو سيختبر دعم ما تبقى من حزب النهضة الوسطي الذي يقوده ماكرون في البرلمان، إلى جانب النواب الوسطيين اليمينيين الذين أعلنوا معارضتهم لإلغاء إصلاحات نظام التقاعد.
وعلى الرغم من أن هذا غير مرجّح، فإن تصويت هؤلاء النواب لصالح مذكرة حجب الثقة قد يؤدي إلى سقوط لوكورنو حتى لو امتنع الاشتراكيون عن التصويت.
وقالت وزيرة المساواة أورور بيرجيه، الاثنين، لإذاعة RMC: “الأمر مؤلم لأن هذه إصلاحات التزم بها نواب النهضة وأنا بشكل كامل”.
كما يتعين على لوكورنو التوصل إلى تسويات مع المطالب بتقليل إجراءات التقشف، خصوصاً بعد أن كان الاشتراكيون من بين الكتل التي صوّتت في سبتمبر لإسقاط رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو بسبب خطته لخفض العجز إلى 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2026، مقارنة بـ 5.4% المتوقعة هذا العام.
ومع ذلك، فإن سيطرة لوكورنو على الخطط المالية محدودة، بعدما تعهّد بعدم استخدام المادة 49.3 من الدستور التي تتيح للحكومة تمرير القوانين دون تصويت برلماني. ورغم ذلك، شدد على أن هدف العجز لا يجب أن يتجاوز 5% إذا كانت فرنسا تريد الحفاظ على مصداقيتها في الأسواق المالية.
ماذا يتضمن مشروع الموازنة؟
يهدف مشروع الميزانية الذي كشف عنه رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو، الثلاثاء، إلى خفض العجز العام إلى 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتضمّن المشروع فرض ضرائب جديدة، وزيادة بعض الضرائب القائمة، إضافةً إلى بعض التخفيفات الضريبية. ومن بين الإجراءات، قد يتم مضاعفة الحوافز المقدمة للتبرعات لصالح الفئات الأكثر فقراً، وفق “لوموند”.
وذكرت الصحيفة الفرنسية نقلاً عن مصادرها أن مشروع قانون المالية، الذي عُرض على مجلس الوزراء في اجتماع استثنائي الثلاثاء، لا يزال في مرحلة أولية ولم يتم اعتماده بشكل نهائي.
وأوضح لوكورنو أن الهدف المعلن للعجز العام، (4.7% من الناتج المحلي الإجمالي) يمكن أن يتم تعديله ليقترب من 5%، ما سيسمح مثلاً بامتصاص الأثر المالي لتعليق إصلاح نظام التقاعد، والذي يُقدَّر ببضع مئات من ملايين اليورو في السنة الأولى.
وإذا لم يتم إسقاط المشروع من خلال تصويت بحجب الثقة، فمن المتوقع أن يشهد النقاش حوله زخماً كبيراً. فالمسودة الحالية، التي أعدها لوكورنو انطلاقاً من مشروع سلفه فرانسوا بايرو، تتضمن ما لا يقل عن 29 إجراءً ضريبياً.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي صرّح لصحيفة “لو باريزيان” في 26 سبتمبر قائلاً: “سأقدم مشروع ميزانية تتضمن زيادات في بعض الضرائب، لكن أيضاً تخفيضات في أخرى”، وهو ما تعكسه بنود المشروع.
وينص المشروع على فرض عدة ضرائب جديدة. أولى هذه الضرائب ستُفرض على الأصول “غير المخصصة لنشاط تشغيلي” داخل الشركات القابضة العائلية (Holdings patrimoniales). وستستهدف هذه الضريبة ما بين 20 إلى 30 ألفاً من هذه الهياكل التي يضع فيها الأثرياء جزءاً من ثرواتهم لتفادي دفع الضرائب طالما أنهم لا يحتاجون إلى هذه الأموال.
وكانت وزيرة الحسابات العامة، أميلي دو مونشالان، أقرت في يوليو الماضي، بأن هذا “أسلوب شائع لتفادي الضريبة وأحياناً للتحايل عليها”.