اخبار عمان كريم الدسوقي

على بُعد ساعة من العاصمة التايلاندية بانكوك، تقدمت جاموسة سوداء تدعى Tod بخطوات واثقة إلى مضمار غير معتاد، فالمكان ليس حقلا للحراثة، بل منصة لـ “ملكات جمال الجواميس” في مهرجان تشونبوري السنوي.

تحت الشمس، كان الاحمرار في باطن أذنيها يلمع كأنه تفصيل من لوحة فنية، بينما يراقبها مالكها، المزارع البسيط تاواتشاي داينغنغام، بعين تجمع بين الفخر والقلق، وسط جمهور كبير جاء يحتفي بمخلوق كان يوما رمزا للعمل الشاق في الريف التايلاندي، حسبما أورد تقرير نشرته منصة wtop.

الجاموس كانت لقرون العمود الفقري للزراعة في تايلاند، لكنها انسحبت تدريجيا من المشهد مع دخول الجرارات الآلية، ومع ذلك جاء مهرجان تشونبوري ليعيد إليها مكانتها الرمزية، إذ تحول إلى احتفال يجمع بين الفن الشعبي والحنين للريف.

انطلقت الفعاليات بموكب ملون شارك فيه طلاب المدارس بملابس تقليدية، وجواميس تجر عربات خشبية مزينة بالزهور، بينما تعلو المنصة سيدات بزي تراثي يعيد إلى الأذهان أيام الحصاد القديمة.

سلالات نادرة

لم يكن العرض وحده محور المهرجان، فالمضمار الذي يمتد لمئة متر شهد سباقات مثيرة، يقود فيها فرسان محليون جواميس ضخمة بسرعة لافتة. وبين المتسابقين برز الجاموس الأمهق  Lookaew، الذي أطلق عليه صاحبه، بيتون راسامي، هذا الاسم باللغة التايلاندية، والذي يعني “الرخام”، بعدما فاز بعدة مسابقات محلية.

الأمل في التتويج لم يكن مجرد طموح معنوي، فجاموس مشابه بيع العام الماضي مقابل 672 ألف دولار بعد سلسلة من الانتصارات في مسابقات ملكات الجمال.

ويرى المشرف في المهرجان، كيجشاي أنكهاناوين، أن “الجاموس لم يعد حيوانا عاملا فقط؛ بل رمزًا للجمال والهوية”، موضحا أن الحكومة التايلاندية دعمت هذا التوجه بإعلان يوم حفظ الجاموس التايلاندي منذ عام 2017.

ومنذ ذلك الوقت، نشأت صناعة كاملة حول تربية الجواميس المميزة ورعايتها وفق “بروتوكولات” تشمل الاستحمام اليومي وحمية غذائية من الذرة والنخالة والفيتامينات، إلى جانب معايير دقيقة للقرون والبنية الجسدية.

كواليس المهرجان

في خلفية المشهد، ينتظر المربون في الظلال، بينما ترش الجواميس بالماء البارد لتخفيف الحر، ويلتقط الزوار الصور مع الحيوانات العملاقة، وأطفال يصفقون بحماس، فيما يرتدي الحكام قبعات رعاة البقر لتقييم المتسابقين بدقة متناهية.

تاواتشاي نفسه يعترف بأن تربية الجواميس اليوم “هواية أكثر منها مهنة”، ويقول مبتسما: “ربما لم يعد الجاموس ينافس الآلات، لكنه لا يزال جزءا من عائلتنا. كما نقول في قريتنا: الناس يربون الجواميس، والجواميس تربي الناس”.

ما يجري في تشونبوري لا يقتصر على الترفيه، بل يعكس تحولا أوسع في الريف التايلاندي؛ إذ يخلق اقتصاد المهرجانات الشعبية فرصا جديدة في السياحة والتسويق والتربية الانتقائية، ومع اتساع هذا الاتجاه يصبح الجاموس رمزا لصناعة ثقافية تحيي الذاكرة وتعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والحيوان في البلد الآسيوي.

شاركها.