افتتح النجم العالمي براد بيت المؤتمر الصحفي لفيلم F1 بالإشارة إلى أن شخصية “سوني هايز” التي يؤديها تمثل “حكاية خلاص” تتجاوز حلبة السباق إلى أبعاد إنسانية عميقة.
وأوضح أن التجربة لم تكن مجرّد أداء تمثيلي أمام الكاميرا، ولكنها كانت تجربة حقيقية عاشها مع فريق العمل على مدار عامين من التدريب والقيادة الواقعية لسيارات الـ”فورمولا 1″ على حلبات سباق حقيقية، ما منح الفيلم قوة درامية وبصرية غير مسبوقة، على حد تعبيره.
ويعد فيلم F1، من إنتاج جيري بروكهايمر وApple Studios، تجربة تدمج بين الدراما الإنسانية والتقنيات المتطورة، وتعتمد على واقعية ميدانية نادرة. فالفيلم صُوِّر على حلبات الفورمولا 1 وسط سباقات حقيقية، واستخدم كاميرات مصغّرة مبتكرة، وممثلين يقودون سيارات السباق بأنفسهم بسرعات تجاوزت 180 ميلاً في الساعة.
وقال بيت أمام الحضور في مؤتمر صحفي، افتراضي وحضوري، لناخبي جوائز جولدن جلوب، حضرته “الشرق”: “قُدنا السيارات فعلياً لعامين تقريباً، لقد كانت تجربة لا تُنسى، في البداية، كانت السرعة مرعبة، لكن مع الوقت أصبحنا جزءاً من الحلبة”.
وأضاف قائلاً: “سوني هايز ليس بطلاً خارقاً، إنه إنسان يتعثر ويعود، وهذه القصة نعيشها جميعاً، بأشكال مختلفة”.
لحظة سينمائية خالدة
توقف بيت مطولاً عند مشهد الشرفة الذي يختصر روح الفيلم، فقبل التصوير، عقد الفريق جلسة مطولة استمرت 12 ساعة مع بطل العالم لويس هاميلتون، تحدّث فيها عن شعور السائق في لحظات التركيز القصوى عندما “يختفي الإحساس بالسيارة”، ويصبح السائق مندمجاً في اللحظة إلى أقصى حد.
قال بيت: “هذا الشعور المجرّد من أي صوت أو خوف هو ما حاولنا نقله للجمهور، ليس فقط من خلال الحوار بل من خلال طريقة التصوير والإضاءة والحركة، إنها اللحظة التي يصبح فيها السباق فلسفة حياة”.
وأضاف: “إنها الحالة نفسها التي يسعى إليها الفنان أو الممثل أو الموسيقي عندما يبلغ ذروة الانسجام مع ما يفعل، لهذا لم تكن قصة سوني هايز مجرد حكاية سائق عائد من الإخفاق، ولكنها قصة إنسان يبحث عن ذاته وسط العاصفة”.
“لا نريد قتل براد بيت!”
لم تكن التجربة خالية من المخاطر. فبحسب ما رواه بيت والمخرج جوزيف كوزينسكي، صُوِّرت أغلب مشاهد القيادة داخل سيارات السباق الحقيقية على حلبات الـ”فورمولا 1″، دون استخدام مؤثرات بصرية في اللقطات الأساسية.
وقال بيت ضاحكاً: “كان شعار التصوير اليومي: حافظوا على حياته.. لا نريد أن نقتل براد بيت”، وأضاف أن الشعور بالخطر أثناء تصوير مشاهد الاصطدام والانزلاق نحو الكاميرا كان حقيقياً، وأن “الرهان كان على الواقعية الكاملة”.
لويس هاميلتون
كان دور لويس هاميلتون محورياً في المشروع، فإلى جانب كونه أحد منتجي الفيلم، شارك بدقة استثنائية في مراجعة السيناريو وتقنيات القيادة. يقول هاميلتون: “راجعنا السيناريو سطراً بسطر بعد كل أسبوع سباق، وتحدثنا في كل تفصيلة؛ من مسار المنعطفات إلى صوت المحرك وتوقيت تغيير السرعات”.
وأضاف: “كانت رغبتي الأساسية أن يكون الفيلم أصيلاً في تفاصيله، أردته أن ينقل للجمهور إحساس السائقين الحقيقيين، لقد اهتزت يداي في العرض الأول في موناكو عندما شاهدناه مع السائقين لأول مرة، لكن ردود فعلهم أذهلتني”.
وعند الحديث عن المشهد الدرامي الكبير الذي يتعرض فيه بطل الفيلم لحادث مروع وسط النيران، حرص هاميلتون على تصحيح المعلومة قائلاً إن المشهد مستلهم من حادث حقيقي في 2020، لكن حركة التحليق فوق الحاجز استندت إلى حادث آخر في “فورمولا 3” بالمنعطف نفسه، وأوضح أن اختبار الخروج من السيارة في غضون 7 ثوانٍ إجراء حقيقي يخضع له السائقون كل موسم.
تدريب تصاعدي
من جانبه، كشف المنتج جيري بروكهايمر أن براد بيت ودامسون إدريس خضعا لتدريب متدرج استمر 4 أشهر تحت إشراف هاميلتون، بدءاً من سيارات F4 وصولًا إلى سيارة F1 مزوّدة بمحرك F2. وأضاف: “بلغت السرعة القصوى خلال التدريب 180 ميلاً في الساعة. كان الأمر حقيقياً بالكامل، لا مؤثرات رقمية”.
وأشار بروكهايمر إلى أن أخطر الحلبات كانت لاس فيجاس، كونها مسار شوارع بلا مناطق هروب، “لكن الممثلين أذهلونا بانضباطهم ودقتهم في القيادة”. وأكد أن الشركة المنتجة أتاحت للفريق تنفيذ هذه الرؤية الواقعية بشكل غير مسبوق.
كما لفت إلى حجم المادة المصورة التي تعامل معها المونتير ستيفن ميريون: “نحو 5000 ساعة من اللقطات. وإلى جانبها، سجّل فريق الصوت أصوات المحركات في كل زاوية من كل حلبة في العالم. كل زاوية لها صوت مختلف”.
تحدي التكنولوجيا
وأكد المخرج جوزيف كوزينسكي أن التكنولوجيا كانت التحدي الأكبر، “عندما بدأنا العمل، لم تكن الكاميرات التي نحتاجها موجودة، لذلك طورنا نظاماً مصغّراً مع Sony باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، كما صممت Apple كاميرا خاصة مستوحاة من iPhone”.
وأوضح أن هذه الكاميرات صُوّرت من داخل السيارات، خلف رؤوس السائقين، أثناء السباقات الحقيقية، وأن نحو 31 لقطة من الفيلم جاءت من هذه الكاميرات، “كان الهدف أن يشعر المشاهد بأنه داخل المقصورة، يسمع أنفاس السائق ويشاهد الطريق من زاويته”.
وكشف كوزينسكي عن الصعوبات التنظيمية التي واجهها الفريق أثناء التصوير وسط سباقات حقيقية: “كنا نملك أحياناً دقيقتين أو ثلاث فقط لتصوير المشهد، كان لدينا لقطات محدودة، وغالباً لا تزيد عن محاولتين أو ثلاث، تدربنا بالثانية لإقناع الاتحاد الدولي للسيارات (FIA) بالسماح لنا بالدخول”.
سمح الاتحاد للفريق بالمشاركة في لفة التشكيل بسيارة رقم 11 قبل أن ينسحبوا قبل بداية السباق الرسمي. ويضيف المخرج: “التوتر كان هائلًا، لأن أي خطأ كان سيشاهده مئات الآلاف في الحلبة، وملايين لاحقاً”.
من اختبار القيادة إلى النار
وروى الممثل دامسون إدريس أن اختباره الأول لم يكن مشهد تمثيل، بل اختبار قيادة على حلبة بيدفورد في إنجلترا: “قادوني إلى سيارة F3000 وطلبوا مني الانطلاق، من هناك بدأ كل شيء”.
وعن مشهد الحادث الكبير، قال إدريس: “تحدثت مع سائق تعرض لحادث مشابه، وصف لي لحظة مواجهة النار، والقرار الذي يتخذه الإنسان بين الاستسلام أو القتال، حاولت تجسيد ذلك الإحساس، كنت وسط النيران فعلاً”. وأضاف ضاحكاً: “في مشهد الخروج، ألقيت بثقلي على براد.. وكان غاضباً من وزني”.
أما الممثلة سارة نايلز، التي تؤدي دور والدة إدريس، فقالت إن بناء الشخصية استند إلى نقاشات مفتوحة مع المخرج وهاميلتون. “أردت أن أجعلها شخصية كاريبية من جزيرة صغيرة، فيها الصلابة والحنان، أردتها أن تكون قلب الفيلم وسط عالم مليء بالأدرينالين”.
وأوضح كوزينسكي أن التحدي الدرامي كان في تجاوز النمط التقليدي لأفلام السباقات. “كتب إرين كروجر القصة بحيث يتمنى الجمهور أن يفوز سوني هايز وجوشوا معاً، مع علمهم أن ذلك مستحيل”.
وأضاف: “صورنا نهاية بديلة يفوز فيها جوشوا، فقط لخداع الجمهور، ثم أضفنا تسلسل الراية الحمراء خلال الإضراب النقابي. وفي النهاية، تمحور الفوز الحقيقي حول التضحية المتبادلة بين الشخصيتين”.
قال كوزينسكي في ختام المؤتمر: “ما فعلناه لم يكن سهلاً، لكنه كان حقيقياً، أردنا أن نضع المشاهد داخل كابينة القيادة، أن يسمع نبض السائق، ولهذا، الفيلم ليس عن السرعة فقط، ولكنه عن الإنسان في مواجهة ذاته”.