تتجه المحكمة الأميركية العليا نحو إضعاف بند أساسي في قانون الحقوق المدنية التاريخي، من خلال الحد بشدة من قدرة المشرّعين على استخدام العرق كعامل في رسم الدوائر الانتخابية، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة ترسيم واسعة للدوائر الانتخابية في أنحاء البلاد، ويؤثر على تمثيل الأقليات.
وإذا قرر قضاة المحكمة أن المشرّعين لا يمكنهم أخذ العرق في الاعتبار عند تقسيم الدوائر الانتخابية، فإن النتائج المحتملة على التوازن السياسي في الولايات المتحدة ستكون بعيدة المدى.
وقد يؤدي ذلك إلى إنهاء ممارسة اعتمدتها المحكمة لعقود، تتمثل في رسم دوائر انتخابية تمكن الناخبين من الأقليات من اختيار مرشحيهم.
ووفقاً لتحليل نشرته “نيويورك تايمز”، فإن الهيئات التشريعية الجمهورية في الولايات الجنوبية قد تستغل الحكم المحتمل لإلغاء نحو 12 دائرة انتخابية يشغلها ديمقراطيون حالياً.
ومن المرجح أن تصدر المحكمة حكمها في هذه القضية بحلول يونيو أو يوليو 2026، لكنها قد تبتّ في الأمر قبل ذلك. ومع ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت الولايات قادرة على تطبيق أي تغييرات قبل انتخابات منتصف المدة عام 2026، في حال قرر القضاة تقويض قانون حقوق التصويت لعام 1965.
جذور القضية
وتبحث القضية المنظورة أمام المحكمة العليا فيما إذا كان المشرعون في ولاية لويزيانا قد انتهكوا الدستور الأميركي عندما أقروا خريطة انتخابية جديدة عام 2024 تضمنت دائرة ثانية ذات أغلبية من السكان السود.
وتعود القضية إلى تعداد عام 2020، الذي أظهر زيادة في عدد البالغين السود في لويزيانا. ورغم أن السود يشكّلون ثلث سكان الولاية تقريباً، فإن الخريطة التي أقرها المشرّعون عام 2021 تضمنت دائرة واحدة فقط ذات أغلبية سوداء.
ورفع ناخبون سود دعاوى عام 2022 بدعوى انتهاك قانون حقوق التصويت عبر تجميع الناخبين السود في دائرة واحدة لتقليل تأثيرهم السياسي. وأيّد قاضٍ فيدرالي موقفهم.
لكن بعد أن أقرّ المشرعون خريطة جديدة عام 2024 تضم دائرة سوداء ثانية، رفع ناخبون بيض دعوى مضادة، معتبرين أن الخريطة تمثل تمييزاً عنصرياً ضدهم.
وفي أبريل 2024، ألغت لجنة قضائية فيدرالية من ثلاثة قضاة الخريطة الجديدة، قبل أن تُعلّق المحكمة العليا القرار، ما سمح باستخدامها في انتخابات 2024 التي فاز فيها الديمقراطي كليو فيلدز، وهو سياسي أسود من باتون روج.
هل يجب استخدام العرق كعامل؟
وخلال جلسة المرافعات الشفهية الأربعاء، ركّز عدد من القضاة المحافظين على ما إذا كان ينبغي تحديد مهلة زمنية لاستخدام العرق كعامل في رسم الخرائط الانتخابية، وهي ممارسة تعود إلى حقبة الستينيات، عندما أُقرّت لضمان تمثيل منصف للناخبين السود بعد عقود من التمييز والإقصاء.
وقال القاضي المحافظ بريت كافانو، الذي يُتوقع أن يكون صوته حاسماً: “لقد سمحت أحكام هذه المحكمة بمعالجات قائمة على العِرق لفترات زمنية طويلة، أحياناً عقود، لكنها لم تعتبرها دائمة. فما هو برأيكم الحدّ الزمني المناسب لاستخدام العِرق عمدًا في إنشاء الدوائر؟”
وكان هذا السؤال، بشأن ما إذا كان ينبغي وضع حدّ زمني للسياسات القائمة على العرق، محور النقاش الرئيسي خلال الجلسة.
“أميركا الملونة” ومبدأ “المواطنة المتساوية”
وفي السنوات الأخيرة، أبدت الأغلبية المحافظة في المحكمة تشككاً متزايداً في السياسات التي تستخدم العِرق كأداة لمعالجة التمييز. ففي عام 2023، ألغت المحكمة برامج القبول الجامعي التي تراعي العرق في جامعتي هارفارد ونورث كارولاينا، معتبرة أنها غير دستورية.
لكن في العام نفسه، أكدت المحكمة أن العرق يمكن أن يكون عاملاً مشروعاً في رسم الخرائط الانتخابية، عندما رفضت خريطة الكونجرس في ألاباما لكونها قلّصت من نفوذ الناخبين السود.
غير أن المحامي إدوارد جريم، الذي يمثّل مجموعة من الناخبين البيض في لويزيانا، جادل أمام المحكمة بأن الوقت قد حان لـ”التخلي عن استخدام العرق نهائياً في إعادة تقسيم الدوائر”.
وقال جريم: “في أميركا اليوم، لا يزال الناخبون البيض يُصنفون عرقياً بطريقة تضعهم في مناطق انتخابية معينة. وحتى لو كان هذا الأمر مقبولاً في وقت ما بموجب دستورنا الذي يقوم على المساواة، فإنه لم يكن المقصود أن يستمر إلى الأبد”.
أما جناي نيلسون، رئيسة صندوق الدفاع القانوني التابع للجمعية الوطنية لتعزيز حقوق الأشخاص الملونين (NAACP)، فشدّدت على أن سوابق المحكمة تؤكد جواز استخدام العرق عند إثبات وجود تمييز محدد لضمان تمثيل الأقليات تمثيلاً عادلاً.
وقالت الجمعية: “لدينا التنوع الذي نراه في ولايات الجنوب بفضل الدعاوى القضائية التي فرضت إنشاء دوائر انتخابية تتيح فرصاً حقيقية للناخبين من الأقليات”.
انقسام داخل المحكمة
القضاة الليبراليون الثلاثة أعربوا عن قلق عميق من إمكانية إلغاء دور العرق في رسم الدوائر الانتخابية. وتساءلت القاضية إيلينا كاجان: “ماذا سيحدث إذا توقف قانون حقوق التصويت عن منع تمييع أصوات الأقليات؟”
وردت جناي نيلسون: “النتائج ستكون كارثية”.
واقترح هاشم مووبان، نائب المحامي العام، أن تُبقي المحكمة على المادة الثانية من القانون، لكن مع تغيير الطريقة التي تقيم بها الخرائط الانتخابية لتمنح الولايات مزيداً من الحرية في تبرير الخرائط على أساس الأهداف السياسية.
ورأى القاضي كافانو في هذا الاقتراح “ابتكاراً حقيقياً”، بينما حذّرت القاضية سونيا سوتومايور من أن النتيجة ستكون في النهاية إلغاء فعالية القانون في حماية الناخبين من الأقليات.
أبعاد سياسية وقانونية أوسع
القضية المعروفة باسم Louisiana v. Callais تمثل اختباراً جديداً لمدى صمود قانون حقوق التصويت لعام 1965.
ووفي خطوة نادرة، أمرت المحكمة بإعادة المرافعة هذا الخريف، ما اعتُبر إشارة إلى نية القضاة توسيع نطاق الحكم ليشمل تساؤلات دستورية أوسع حول مشروعية استخدام العِرق في رسم الدوائر.
وخارج المحكمة، تجمّع مئات المتظاهرين دعماً للقانون، ورددوا هتافات «قاتلوا! قاتلوا! قاتلوا!» بينما كانت أغنية Freedom للمغنية بيونسيه في الخلفية.