مع تثبيت وقف إطلاق النار الهش وبدء خطواته الأولى، تتكثف اتصالات فلسطينية غير معلنة لبلورة ترتيبات “اليوم التالي” في غزة، وأبرزها شكل الحكم المؤقت، والترتيبات الأمنية (بين قوة تثبيت دولية وشرطة فلسطينية مدربة)، وملف السلاح.

وتُجرى هذه الاتصالات على وقع حراك دولي متسارع وخطط مطروحة أميركياً وأوروبياً وعربياً، بعضها يتطلب موافقات أممية وتمويلاً ضخماً، وبعضها يصطدم برفض حركة حماس واشتراطات إسرائيل. 

ما الذي على الطاولة الآن؟

1) مرحلة ثانية من الهدنة تتضمن: فتح المعابر، إدارة محلية، وانطلاق إعادة الإعمار

وتتحدّث الأطراف عن خطوات متزامنة تشمل إعادة فتح المعابر، وعلى الأخصّ رفح، وتفعيل إدارة محلية للخدمات وبدء مسار الإعمار. وأشارت تقارير إلى ترقّب إعادة فتح معبر رفح قريباً، مع استمرار الخلاف حول الجهة التي ستدير جانبه الغزّي. 

2) “حكم تكنوقراطي” تحت إشراف دولي

في ما تشير الخطة الأميركية المطروحة إلى لجنة فلسطينية “تكنوقراطية وغير سياسية” تدير غزّة بشكلٍ انتقالي، على أن تُراقبها هيئة دولية يُشار إليها بـ”مجلس السلام” (Board of Peace)، مع دورٍ مطروح لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.

وتقول السلطة الفلسطينية إنها مستعدة للتعاون مع هذا الجهد بشرط أن يفضي لدورٍ محوريّ لها على الأرض، فيما تعارض حكومة إسرائيل عودتها إلى الحكم. 

3) قوة تثبيت دولية بقرار من مجلس الأمن

وتعمل فرنسا وبريطانيا، بالتنسيق مع واشنطن، على مشروع قرار في مجلس الأمن يتيح نشر “قوة تثبيت” دولية مُخوَّلة، على غرار بعثاتٍ أُقرّت سابقاً، مع بحث مساهمات عربية وآسيوية، وتصاغ الفكرة باعتبارها قوة مصادَقة أممياً لا “قبعات زرق” (قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة).

4) الشرطة الفلسطينية: تدريب وتسليم مُنضبط

على المسار الشرطي، تُسجَّل مساعٍ لتوسيع تدريب وتجهيز الشرطة الفلسطينية بالتعاون مع مصر والأردن والاتحاد الأوروبي (بعثة EUPOL COPPS).

في ما أعلنت مصر الإعداد لمؤتمرٍ للإنعاش المبكر وإعادة الإعمار في نوفمبر، وأشارت إلى برامج تدريب شرطية بالتنسيق مع عمّان ودعم أوروبي. 

و(بعثة EUPOL COPPS)، هي بعثة مدنية أوروبية أسّست عام 2006 لدعم وتطوير الشرطة الفلسطينية وسيادة القانون عبر المشورة والتدريب، ويمكن البناء عليها سريعاً لتوسعة التأهيل والرقابة خلال الفترة الانتقالية.

أين تقف حماس وفتح؟

موقف حماس من السلاح والأمن:

قيادات في حماس أعلنت صراحةً أنها لا تستطيع الالتزام بنزع السلاح الآن، وأنها تريد الاحتفاظ بدورٍ أمني خلال المرحلة الانتقالية، مقابل انفتاحٍ على تهدئة طويلة وإدارةٍ مدنية تكنوقراطية. وهو ما يضعها على مسار تصادمي مع مطلب إسرائيل بنزعٍ كامل للسلاح، ويعقّد المساعي الأميركية. 

هل يمكن دمج أجهزة حماس؟

قبل الحرب، قدّرت مصادر بحثية وأميركية أن لدى إدارة حماس في غزّة عشرات الآلاف من الموظفين المدنيين وقوى الأمن الداخلي (تُقدَّر أعدادهم بعشرات الآلاف أيضاً). هذا الإرث الإداري– الأمني يجعل أي “إقصاءٍ” كاملاً وصفةً لفراغٍ وفوضى.

ويطرح عملياً خيارين: دمجٌ انتقائي وتدريجي بعد تدقيقٍ وفحص أمني ومهني (Vetting)، أو إحالة واسعة للتقاعد المبكر بصندوق تمويلي خاص- وهو خيارٌ سبق للسلطة استخدامُه مع موظفيها في غزّة عام 2017. 

السلطة الفلسطينية: “جاهزون للدور” بشروط

بينما تقول رام الله إنها مستعدة لتحمّل مسؤولياتٍ تنفيذية في غزّة ضمن ترتيباتٍ متفق عليها، مع تأكيد أن الإصلاحات الداخلية يجب ألا تكون ذريعة لحرمان الفلسطينيين من مسار الدولة. وفي المقابل، تُبدي فصائل رفضاً لأي “وصايةٍ أجنبية” على غزّة. 

ملف المعابر والإعمار… “المال السياسي” وتحويله إلى فرص

خطة الإنعاش وإعادة الإعمار:

عرض رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، خطةً من ثلاث مراحل تُقدَّر بنحو 67 مليار دولار على خمس سنوات، تبدأ بمرحلةٍ سريعة لمدة 6 أشهر بتكلفة 3.5 مليار دولار (إزالة الركام، مساكن مؤقتة، إعادة الخدمات الأساسية، نقد مقابل عمل، دعم المشاريع الصغيرة، تفعيل النظام المصرفي والمدارس والجامعات). كما أعلنت مصر استضافة “مؤتمر القاهرة للإنعاش المبكر وإعمار غزّة” في نوفمبر لتعبئة التمويل.

لماذا يُهمّ هذا الآن؟

لأن فتح المعابر وإطلاق برامج “إنعاش سريع” سيحدّدان ما إذا كان وقف النار سيتحوّل إلى استقرارٍ قابل للحياة أم سيبقى هدنةً هشّة تُستنزف بالفراغ الأمني والاقتصادي. 

شخصيات عائدة وأدوار محتملة

ناصر القدوة يعود إلى الضفة… وإشارات إلى أدوار رقابية

عاد القيادي الفلسطيني ناصر القدوة (أُبعِد عن “فتح” عام 2021 ثم أعيد قبوله مؤخراً وفق تقارير) إلى رام الله بعد غيابٍ أربع سنوات، طارحاً أفكاراً لإدارة انتقالية بغزّة وإصلاحاتٍ داخلية.

ويطرح القدوة، القريب من إرث الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، دمج قوى الشرطة المحليّة تدريجياً تحت سقفٍ فلسطيني وبإشرافٍ دولي محدود، وفقاً لمقابلة مع “رويترز”.

عقبات كبرى لا يمكن تجاهلها

  • السلاح: إصرار إسرائيل على نزعٍ كامل للسلاح مقابل رفض حماس التعهّد بذلك الآن. وستحتاج أي تسويةٍ إلى برنامج (DDR) مُحكم زمنياً ومالياً، ويقصد به (نزع السلاح- التسريح- إعادة دمج).
  • الأمن اليومي: من سيدير الأمن المدني فوراً؟ طرحُ قوة تثبيت دولية يحتاج تفويضاً أممياً ومساهماتٍ بشرية ولوجستية؛ وبديلُه تسليمٌ مُنضبط لشرطة فلسطينية مُدرَّبة ومراقَبة.
  • الشرعية الفلسطينية: قدرة السلطة على استعادة الثقة وفرض إصلاحاتٍ سريعة وشفافة شرطٌ لنجاح أي إدارة انتقالية.  
  • المعابر والسيادة: من يشغّل رفح وبقية المعابر وكيف؟ النقاش لم يُحسم بعد.
  • التمويل وشروطه: مؤتمر القاهرة للإعمار سيكون اختباراً لمدى استعداد المانحين للالتزام بخطة فلسطينية القيادة والهوية.  
شاركها.