تسعى شركة “هانوا” Hanwa defence، التي تعتبر واحدة من أكبر مؤسسات الصناعات الدفاعية في كوريا الجنوبية، إلى إعادة تعريف علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، ليس كـ”مورد للسلاح فحسب”، بل كشريك في تأسيس قواعد صناعية دفاعية محلية بالمنطقة. 

وتقدم الشركة الكورية، التي تمتلك حضوراً متنامياً في الخليج ومصر وإفريقيا، حلولاً تشمل المدفعية ذاتية الحركة K9 Thunder،  المعروفة باسم “الرعد”، وكذلك راجمات الصواريخ المتعددة K239 Chunmoo، فضلاً عن أنظمة القيادة والسيطرة، والطائرات غير المأهولة، والتقنيات العسكرية الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. 

وفي حديث مع “الشرق” خلال فاعليات مؤتمر الصناعات الدفاعية ADEX في العاصمة الكورية سيول، شدد الرئيس الإقليمي للشركة في الشرق الأوسط وإفريقيا، سونج إيل، على أن سياسة “هانوا” لم تعد تقوم على بيع الأسلحة أو المنتجات الدفاعية فقط، بل على “نقل المعرفة والتكنولوجيا وتوطين الصناعات “.

وقال سونج: “لا ننظر إلى التعاون الدفاعي كصفقات بيع مؤقتة لمنتجاتنا (الدفاعية)، بل كشراكات طويلة الأمد لبناء قدرات حقيقية”. 

وأوضح المدير الإقليمي، وهو عسكري سابق خدم لأكثر من ثلاثة عقود في الجيش والحكومة الكورية، أن الشراكات التي عقدتها المجموعة الكورية مع عدة دول في الخليج وشمال إفريقيا، تمثل “استراتيجية مستدامة”، مشدداً على أن الخطوات المتسارعة خلال الخمس سنوات المقبلة سوف تشهد تعميق هذه الشراكات، بما يعطي قطاع الصناعات العسكرية في الدول الشريكة، قدرات كبيرة لتحقيق استقلال صناعي قوي ومستدام لجيوش المنطقة.  

الرهان الكوري.. نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة 

ويوضح المدير الإقليمي للشركة أن استراتيجية “هانوا” في الشرق الأوسط تركز على دعم مشاريع توطين الصناعات الدفاعية، وتسعى لتغيير مفهوم التعاون الدفاعي بين الشركات الكورية ودول المنطقة بشكل جذري لينمو “متجاوزاً حدود بيع المنتجات (الدفاعية) إلى تحقيق شراكات راسخة طويلة الأمد، تعزز الاكتفاء الذاتي والنمو الصناعي المشترك”.  

وقال إن “فلسفة (هانوا) تقوم على ضمان أن تسهم كل شراكة مساهمة فعّالة في الاقتصاد المحلي ومنظومة الدفاع المحلية”، مشيراً إلى أن ذلك يشمل “نقل التقنيات الأساسية، وبناء القدرات التصنيعية محلياً، فضلاً عن تطوير رأس المال البشري عبر برامج التدريب والمشروعات المشتركة”.  

وتملك “هانوا” للصناعات الدفاعية واحداً من أكثر مراكز البحث والتطوير تقدماً في كوريا الجنوبية، وتعتبر مصدراً رئيسياً لتقنيات التطوير وأسلحة المستقبل والذكاء الاصطناعي.  

ويشرح المدير الإقليمي للمجموعة فلسفة التعاون الدفاعي للمنطقة: “نعتبر أن نقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك ليس مجرد صفقة نعقدها لمرة واحدة، بل هي بداية لسلسلة تعاون طويل الأمد، يستهدف تعزيز الاعتماد المتبادل وتعزيز التنمية الصناعية في هذا القطاع بين الطرفين”.  

التوجه نحو السعودية والإمارات 

وتؤكد الشركة أنها تعمل عن قرب مع وزارة الدفاع الكورية والوكالات الحكومية ذات الصلة، لتنسيق الإجراءات القانونية اللازمة لنقل التكنولوجيا الدفاعية إلى دول أخرى، أبرزها في المنطقة المشاريع المشتركة مع السعودية والإمارات. 

ويؤكد سونج أن بلاده “ملتزمة تماماً بنقل التكنولوجيا بشكل مسؤول وضمان مشاركة واسعة للصناعات المحلية، بما يتماشى مع الشراكات الدفاعية الاستراتيجية لكوريا”.

وتابع: “نعمل مع الأجهزة المعنية في كوريا لضمان أن اتفاقيات الإنتاج المحلي وتوطين الصناعات الدفاعية في دول، مثل السعودية والإمارات، تجري بشكل شفاف متوافق مع القوانين الدولية، لتحيق منفعة متبادلة للطرفين”.

استعداد صناعي واضح للخليج

وبشأن التعاون مع دول الخليج، تقدم المجموعة الكورية حزماً واسعة من إمكانيات التعاون، إذ ترى في المنطقة فرصة كبيرة لتطوير القدرات الدفاعية.

ويقول سونج: “نرى هنا إمكانات كبير، واستعداداً واضحاً في مختلف دول الخليج لإطلاق شراكات صناعية حقيقية في هذا القطاع الواعد”.  

ويضيف: “نرى القيادات في السعودية والإمارات وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي، ملتزمة بعمق بمسألة تطوير القدرات الدفاعية الوطنية، يأتي ذلك ضمن الرؤى الاستراتيجية لهذه الدول”.

وكانت الإمارات قد بدأت قبل سنوات مشروعات متعددة لتحديث قطاع التصنيع الدفاعي، وكذلك أعلنت السعودية عن مشروعات ضخمة في القطاع نفسه، ضمن رؤية 2030 التي تستهدف توطين صناعة 50% من الاحتياجات الدفاعية لأكبر الدول الخليجية وأكبر اقتصاد عربي، عبر منظومة تصنيع محلي.

وتطرح “هانوا” مناهج مختلفة للتعامل مع الدول في الشرق الأوسط إذ يقول الرئيس الإقليمي للمجموعة الكورية إن الشركة “تقدم نهجاً يركز على بناء نماذج توطين (للصناعات الدفاعية)، مخصصة لكل دولة، بما يناسب مستواها الصناعي وقاعدتها التقنية، وذلك لضمان أن تكون الشراكة قابلة للتنفيذ ومستدامة”.  

منصات كورية بتقنيات محلية 

وتمثل القيود التصديرية عقبة كبيرة أمام الصناعات الدفاعية، خاصة أن غالبية الدول الواعدة في المجال تستخدم مكونات من بلدان متعددة، بهدف تحقيق التكامل وخفض التكلفة. في المقابل، قد يجعل وجود مكونات متعددة المنشأ من تصدير المنتج الدفاعي النهائي عملية معقدة.

وتحاول كوريا الجنوبية، التي أصبحت رقماً صعباً في سباق التصنيع والتصدير الدفاعي عالمياً، التغلب على هذه المشكلة، عبر الاستعانة بالقاعدة المحلية المتزايدة التي تعمل في مجالات الصناعات العسكرية.

ويوضح سونج أن مجموعة هانوا انتبهت مبكراً لتلك المشكلة، لكنها تلجأ لحلها عبر “الاستثمار المستمر في الاعتماد الذاتي والبحث والتطوير المحليين، بهدف توطين معظم التقنيات الأساسية التي تستخدمها منصات المجموعة في أنظمتها الرئيسية”.  

ويضيف: “منصات مثل المدفع الكوري (الرعد) ومنظومة راجمات الصواريخ تشونمو 239، تم تصميمها مع اعتماد محدود جداً على المكونات الخارجية، ما يضمن عدم وجود قيود تصدير كبير، وهو الأمر الذي يسمح لنا بالتعاون مع شركائنا في الشرق الأوسط وإفريقيا بشكلٍ مناسب”. 

ويشير المدير الإقليمي للشركة إلى نموذج المدفع الكوري كي– 9، ومنظومة تشونمو باعتبارهما من أبرز المنتجات التي توفرها الشركة.  

ويوضح قائلاً: “مثلاً المدفع تم تجهيزه الآن بمحرك كوري بديلاً للمحرك الألماني في النسخة الأولى، وهو ما يضمن مرونة واستقلالية أكبر في التصدير، كذلك منظومة تشونمو التي خضعت هي الأخرى لتحديثات تقلل أو تلغي المكونات الخاضعة لرقابة أطراف ثالثة، مما يمكننا في كوريا من التعامل بحرية أكبر مع الدول المستوردة للمنظومة”.

مشروعات ومفاوضات الشرق الأوسط

ووقعت هانوا مجموعة من العقود اللافتة مع مصر والسعودية والإمارات في السنوات القليلة الماضية، إذ قدمت للقاهرة مدفع الرعد كي -9، وخطة لتصنيع مشترك مع القاهرة في اتفاق وقعته في فبراير 2022 بقيمة 1.66 مليار دولار.

كما وقعت المجموعة الكورية عقداً في مارس 2022 مع السعودية بقيمة 800 مليون دولار لدعم القدرات الدفاعية للمملكة. 

ووقعت في الشركة مذكرة تفاهم حكومية بين الرياض وسول في فبراير 2024 لتأسيس مشروع مشترك بين الهيئة السعودية للصناعات العسكرية مذكرة مع المجموعة الكورية لبحث تأسيس شركة مشتركة في المملكة.

بالإضافة إلى ذلك شاركت المجموعة الكورية في عقد لتزويد الإمارات بحزمة ضخمة لمنظومات الدفاع الجوي إم – سام مع شركات كورية أخرى. 

وحول المفاوضات الجارية حالياً، لم يفصح المدير الإقليمي للمجموعة الكورية عن تفاصيل الدول التي تجري معها مفاوضات للتصدير ونقل التكنولوجيا والتدريب، مشدداً على أن الشركة الكورية “منخرطة حالياً مع عدة شركاء في المنطقة في مجالات المدفعية والعربات المدرعة وأيضاً الذخائر والتقنيات الدفاعية المتقدمة”.  

وبشأن مشاريع الدول المختلفة لتوطين الصناعات العسكرية، يضيف المدير الإقليمي أن هانوا تعتبر التوطين “في صميم استراتيجيتها الإقليمية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونستكشف نماذج متعددة من الإنتاج المشترك والتجميع المحلي وتصنيع المكونات بالتعاون مع مؤسسات دفاعية في السعودية والإمارات ومصر والعراق، وهدفنا هو بناء منظومات دفاعية مكتفية ذاتياً في هذه الدول، بما يمكن تلك المنظومات من خلق قيمة محلية واستقلالية تشغيلية”.  

التوسع في الصيانة والتدريب والبحث 

ولفت المدير الإقليمي للشركة إلى أهمية مشروع مدفع الرعد الكوري الموقع مع مصر، وأوضح أن برنامج المدفع الكوري “وضع أساساً متيناً لمزيد من التعاون”، مشدداً على أن الشركة “تسعى للتوسع في مجالات الصيانة والإصلاح والتطوير، وإنشاء مراكز لتدريب الكوادر المحلية، وبناء قدرات مشتركة في البحث والتطوير”. 

وتعمل الشركة، على إنشاء مراكز صيانة في دول المنطقة، لتشكل العمود الفقري لعمليات تشغيل الأنظمة الدفاعية الكورية التي بدأت في الانتشار بالشرق الأوسط، وأضاف: “هذه المراكز لن تكتفي بفكرة الصيانة، لكنها سوف تقوم بتدريب الطواقم المحلية من مهندسين وفنيين مما يساهم في ترقية قدرات الطواقم في هذه البلدان وبناء قدراتها الذاتية على المدى الطويل”.  

ويوضح سونج أن هذه الجهود “تضمن أن يمكن شركاؤنا من صيانة الأنظمة وتحديثها بكفاءة، وكذلك يمكنهم أيضاً تطوير منصات الجيل القادم ضمن قواعدهم الصناعية محلياً”.

الذكاء الاصطناعي والمنصات غير المأهولة 

وتستهدف الشركة الكورية تحقيق نقلة نوعية إلى الأمام فيما يتعلق بالشراكات الدفاعية، التي لا تشمل المعدات فقط، بل تتجاوزها إلى أنظمة القيادة والسيطرة الفائقة والتكنولوجيا الدفاعية التي ظهرت حديثاً على مسرح العمليات، لتكرس مرحلة جديدة في التعاون بين دول المنطقة وكوريا.  

ويشرح المدير الإقليمي للمجموعة الكورية: “تنظر هانوا إلى نقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك ليس كصفقة مؤقتة بل كشراكة مستمرة طويلة الأمد، ذات أثر إيجابي لكلا الطرفين، مما يعزز الاعتماد المتبادل”.

وتابع: “نجري حالياً بالفعل مناقشات مع جامعات ومؤسسات بحثية ومراكز تطوير في الشرق الأوسط. وهدفنا استكشاف فرص التعاون في مجالات متعددة ودقيقة، مثل أنظمة القيادة بالذكاء الاصطناعي، والمركبات ذاتية القيادة والمستشعرات من الجيل الجديد وغيرها، فمثل هذا النوع من التعاون يمثل طبيعة المرحلة التالية من الشراكة التي نستهدف بها الانتقال من الإنتاج المشترك إلى الابتكار المشترك”. 

ويشير سونج إلى أن الشركة الكورية “منفتحة على جميع أشكال التعاون التي تتماشى مع الاستقرار الإقليمي والنمو المتبادل”، ويؤكد على أن الشركة “تحافظ على حوار مع عدد من الدول في المنطقة، بما فيها العراق، لاستكشاف حلول دفاعية تلبي متطلباتها التشغيلية وتدعم أهدافها الوطنية في التنمية”.

تحقيق الاعتماد الصناعي الكامل 

وخلال عقود قليلة، تحولت كوريا الجنوبية من مستورد للأسلحة، خاصة الأميركية، إلى بناء قدرات تصنيع دفاعية توفر لها المنتجات التي يحتاجها الجيش الكوري، فضلاً عن قفزات تقنية حققتها الشركات الكورية لتصنيع وتطوير مجموعة واسعة من الانظمة الدفاعية المتطورة محلية الصنع. 

ويقول سونج إن هانوا “حققت تقدماً كبيراً في تحقيق قدرة إنتاج محلية كاملة”، موضحاً أن “الغالبية العظمى من أنظمتنا، بما في ذلك أنظمة الدفع والتحكم بالنيران والأنظمة الإلكترونية الفرعية، يتم تطويرها وإنتاجها في كوريا”. 

ويضيف أن “استثماراتنا في الاعتماد على قدراتنا الصناعية الذاتية، تضمن أن الدول الشريكة يمكنها الاعتماد على سلاسل توريد مستقلة وقدرة تصدير مرنة دون الحاجة إلى موافقات خارجية”

شاركها.