واصل مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثامنة احتفاءه بمئوية المخرج الكبير يوسف شاهين، الذي كرّس مسيرته لترسيخ مفهوم الحرية في السينما العربية، وذلك من خلال ندوة بعنوان “رحلة مع الأستاذ من عدسته إلى عوالمهم الخاصة”، أدارها الناقد أحمد شوقي، وشارك فيها عدد من المقربين من شاهين، بينهم الفنانة يسرا، والمنتج جابي خوري، والمخرج التونسي فريد بوغدير، والمخرج المغربي داود ولاد السيد.
وفي الوقت نفسه، شهد المهرجان حضوراً مؤثراً للنجمة العالمية كيت بلانشيت التي تم تكريمها، وألقت كلمة مؤثرة حول عملها الإنساني مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
يسرا: شاهين علّمني أن أكون صادقة مع الكاميرا
روت الفنانة يسرا في الندوة تفاصيل أول لقاء جمعها بشاهين قبل تصوير “حدوتة مصرية”، وقالت إن أول ما قاله لها كان: “إنتِ طويلة جداً”، قبل أن يطلب منها صبغ شعرها من أجل الدور، وهو ما رفضته في البداية حتى جاء بنفسه إلى بيتها لإقناعها بالمشاركة.
وأضافت يسرا أن شاهين كان مخرجاً وممثلاً في آن واحد، يقف خلف الكاميرا ليُخرج من الممثل إحساسه الكامل، مشيرة إلى أنه كان يحزن بشدة عندما لا تُنفذ تعليماته. وتابعت: “كان ديكتاتوراً في عمله، لكنه كان يحب الجميع، ويعامل الكل بمعاملة واحدة، ويملك خلطة إنسانية نادرة من الجدعنة والإلهام”.
واختتمت حديثها قائلة: «بكيت عندما دخلت معرضه، افتقدت صوته الذي كان يجعل الفنان يحقق أقصى ما لديه».
جابي خوري: كان مؤسسة قائمة بذاتها
أكد المنتج جابي خوري أن يوسف شاهين لم يكن مجرد مخرج، بل “مؤسسة كاملة”، إذ كان يفهم في كل فروع الصناعة السينمائية، حتى أنه ألّف ألحاناً موسيقية دون أن يكتب اسمه عليها.
وأشار خوري إلى أن شاهين كان متحرراً فكرياً، وأنتج أفلاماً لمخرجين آخرين مثل صلاح أبو سيف، وهو ما يعكس انفتاحه الكبير على مختلف مدارس السينما. وقال: “منذ أن أسس شركة أفلام مصر العالمية عام 1972، وهي مستمرة حتى اليوم بفضل بصمته”.
ثورة في السينما العربية
أما المخرج التونسي فريد بوغدير، فقال إن شاهين هو أشهر مخرج عربي في العالم حتى اليوم، مضيفاً: “حين شاهدنا فيلم “باب الحديد” في تونس، انبهرنا من جودته الفنية، وكنت أحرص على عرضه في الجامعة كل عام لاكتشاف زوايا جديدة في أعماله”.
واعتبر بوغدير أن “العصفور” كان ثورة في السينما العربية لأنه خلق لغة سينمائية جديدة تقوم على الرؤية وليس التوجه، مؤكداً أن يوسف شاهين “علّمنا أن السينما فن للحرية، وليست مجرد ترفيه”.
من جهته، أوضح المخرج المغربي داود ولاد السيد أنه تعرف على شاهين عام 1997 خلال مهرجان البحر الأبيض المتوسط في المغرب، وقال: “أعجبت بخياله وقدرته على تحويل الواقع إلى فن حي”. وأكد أن أفلامه ما زالت تُعرض في نوادي السينما المغربية، وأن “مدرسة الحرية التي أسسها شاهين لا تزال تلهم المخرجين الشباب في العالم العربي”.
كيت بلانشيت في الجونة: السينما قادرة على تغيير حياة اللاجئين
وفي لحظة إنسانية مؤثرة، تحدثت النجمة العالمية كيت بلانشيت خلال حوار مفتوح أدارته الإعلامية ريا أبي راشد، عن تجربتها الممتدة منذ ثماني سنوات مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
قالت بلانشيت إن عدد اللاجئين والنازحين في العالم تجاوز 60 مليون شخص، مضيفة: “التاريخ سيذكر أن العالم قصّر في إيجاد حلول لهذه القضايا، لكن لا يزال هناك أمل في رواية قصصهم وإيصال صوتهم”.
وروت بلانشيت زياراتها إلى لبنان وسوريا، حيث التقت عائلات سورية نزحت بسبب الحرب، مشيرة إلى أن المفوضية تعمل مع مختصين من مختلف المجالات لتقديم الدعم الإنساني، مؤكدة أن اللاجئين “رغم معاناتهم يحملون شجاعة استثنائية وحسًّا بالفكاهة يدهش العالم”.
وأضافت: “عملنا خلال العامين الماضيين على تطوير صندوق دعم النازحين بمشاركة عدد من الممثلين، وقدمنا أعمالاً فنية تروي قصص الأمل والحب داخل المخيمات”.
وأكدت بلانشيت أنه لا ترى فرقاً بين كونها ممثلة وناشطة إنسانية، موضحة: “التمثيل يجعلني أحكي قصص الناس، والنشاط الإنساني يعلّمني كيف أعيشها معهم”.
وكشفت أنها طالبت خلال مهرجان كان بأن تتحول المهرجانات السينمائية إلى منصات يتفاعل فيها النجوم مع قضايا اللاجئين، مشيرة إلى أن خمسة من صناع الأفلام الشباب قدموا أفلاماً قصيرة حول تلك القضايا، عُرضت في مهرجانات دولية كبرى.
الفنانون جسور الأمل
قالت كيت إن فريقها عمل على إنتاج مسلسل يناقش المشكلات النفسية للاجئين، وساهم في علاج بعض الحالات في أستراليا، بهدف خلق جسر بين من يعيشون المأساة ومن يجهلونها.
وأكدت أن «السينما ليست فقط وسيلة للتسلية، بل أداة فعالة لتغيير النظرة إلى الآخر»، مشيدة بالدور المصري في دعم قضايا اللاجئين في غزة وسوريا والسودان، وبمبادرات مهرجان الجونة لتسليط الضوء على الفنون والحرف اليدوية للاجئين، حيث ارتدت سواراً صنعه لاجئ سوداني كرمز للتضامن والأمل