مع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية المقرر عقدها في 11 نوفمبر المقبل، تتجدد الأسئلة حول جدوى البرامج الانتخابية للكتل السياسية والمرشحين، ومدى واقعيتها في ظل بيئة سياسية واقتصادية معقدة.

وبين الشعارات الكبيرة والوعود المتكررة، يرى محللون أن أغلب البرامج الانتخابية لا تعبّر عن احتياجات المواطن العراقي بقدر ما تعبّر عن رغبة المرشحين في الفوز، والوصول إلى البرلمان.

صورة المرشح والمضمون الحقيقي

يرى رئيس مركز ضوء للتنمية عبد الجبار أحمد أن “البرنامج الانتخابي في كثير من الأحيان لا يعكس معادلة الطرفين، المرشح والناخب، بل يعبّر فقط عن رغبة المرشح في الفوز”.

وأضاف عبد الجبار  في حديثه لـ”الشرق” أن “معظم البرامج الانتخابية اليوم اختُزلت في صورة جميلة، وملابس أنيقة، بينما افتقدت المضمون الحقيقي الذي يجب أن يتناول هموم المواطن واحتياجاته”.

وأشار إلى أن “99 % من صور المرشحين لا تعبّر عن واقع المسؤول العراقي، فبينما يعيش المواطن في بيئة فقيرة، يظهر المرشح في حملته الدعائية بأبهى صورة، مرتدياً ساعة باهظة وبدلة فخمة، في مشهدٍ لا ينسجم مع الواقع الاجتماعي للناخب”.

وأوضح أن “البرامج الانتخابية الحقيقية يجب أن تُبنى على فهمٍ دقيق لاحتياجات البيئة التي ينتمي إليها المرشح”.

ونوه رئيس مركز ضوء للتنمية إلى أن “البرامج الانتخابية المطروحة غالباً ما تتحدث بمصطلحات عامة مثل العدالة والإصلاح، لكنها لا تشرح كيفية تطبيقها، ولا تحدد من هم المستفيدون منها فعلياً”.

وتابع: “معظم الجلسات الترويجية للمرشحين على مواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن شعارات عامة لا أكثر، بينما يغيب الحديث الجاد عن الحلول والآليات التنفيذية”.

كما يرى عبد الجبار أن “البرامج الانتخابية الواقعية يجب أن تكون قابلة للتطبيق ومبنية على فهمٍ للبيئة المحلية، فلا يمكن لمرشح أن يعدَ بإنهاء الفساد أو المحاصصة خلال عامين، لكن يمكنه أن يتحدث عن تقليصها أو الحد من نفوذها في بعض المفاصل، وهو ما يجعل برنامجه مقنعاً وممكن التنفيذ”.

الإصلاح الاقتصادي

وفي ما يتعلق بتركيز بعض الكتل على “الإصلاح الاقتصادي”، قال رئيس مركز ضوء للتنمية إن هذا التركيز “لن يحقق نتائج حقيقية ما لم يكن مدعوماً بإرادة دولية وضغط من مؤسسات مالية ونقدية عالمية”.

وأوضح أن “الإصلاح الاقتصادي في العراق لا يمكن أن يتحقق بقرارات السلطة التنفيذية والتشريعية فقط، بل يتطلب إصلاحاً هيكلياً في النظام المالي، وتطويراً في آليات الجباية وتعظيم الموارد بطريقة لا تُرهق المواطن الفقير”.

وأضاف: “إذا كانت الدولة تسعى لتعظيم مواردها عبر فرض جبايات إضافية على بيئات فقيرة، فإنها بذلك تهدم شرعية وجودها بدل أن تعززها”.

البرامج الانتخابية.. “بروباجندا”

من جانبه، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن “البرامج الانتخابية الحالية تفتقر إلى الواقعية، وتبدو في كثير من الأحيان جزءاً من بروباجاندا انتخابية أكثر مما هي خطط قابلة للتطبيق”.

وأضاف الشمري لـ”الشرق” أن “كثيراً من القوى السياسية تطرح برامجها الانتخابية لاستكمال متطلبات العملية الانتخابية الشكلية، وليس إيماناً فعلياً بتطبيقها، إذ تُكتب هذه البرامج أحياناً من قبل أطرافٍ خارج الأحزاب نفسها، بعيداً عن الواقع العراقي”.

وأشار إلى أن “الانتخابات السابقة أثبتت أن القوى السياسية لم تطبق حتى الحد الأدنى من البرامج التي قدمتها، ما أفقد الناخبين الثقة بالوعود الانتخابية، وجعل الحديث اليوم يدور أكثر حول المال السياسي وشراء الأصوات بدل النقاش حول البرامج والرؤى”.

وأوضح الشمري أن “التركيز على الإصلاح الاقتصادي أصبح العنوان الأبرز في الخطاب الانتخابي، نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها العراق، من بطالة، وتعطيل في الصناعة، والزراعة، وانهيار في القطاعات الإنتاجية”.

وبيّن أن “بعض القوى السياسية تحاول استثمار هذا الملف لكسب ثقة الناخبين، لكنها في الواقع لا تمتلك أدوات حقيقية لتحريك عجلة الاقتصاد أو تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ما يجعل هذا الشعار أقرب إلى الاستهلاك الإعلامي منه إلى البرنامج الفعلي”.

فشل متكرر وخطاب متجدد

واختتم الشمري حديثه بالقول إن “الكتل السياسية التقليدية التي تخوض الانتخابات الحالية فشلت في تحقيق تطلعات الشارع العراقي خلال الدورات السابقة، ولا أمل في أن تتمكن من إنقاذ البلاد في ظل استمرار النهج ذاته”.

وأضاف أن “بعض القوى السياسية عادت إلى استخدام الخطاب الطائفي في حملاتها، في مؤشرٍ على الإفلاس السياسي الذي تعانيه، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة حالة الإحباط الشعبي والعزوف عن المشاركة في الانتخابات المقبلة”.

وما بين الصورة المبهرة والواقع المتعثر، تبقى البرامج الانتخابية في العراق أقرب إلى الدعاية منها إلى الخطط، فبينما يتحدث المرشحون عن العدالة والإصلاح، ينتظر المواطن برنامجاً يعبّر عن حاجاته اليومية لا عن طموحات السلطة.

شاركها.