محرر الشؤون المحلية

بعد انتظار دام أكثر من عقدين من المراجعات والتحديثات، و23 عاماً من العمل بالقانون الحالي، من المقرر أن يناقش مجلس الشورى في جلسته الأحد المقبل، مشروع قانون الصحافة والطباعة والإعلام الجديد، عقب إقراره من مجلس النواب.

ووافقت لجنة الخدمات في مجلس الشورى على مشروع قانون بتعديل المرسوم بقانون رقم 47 لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، المرافق للمرسوم رقم 77 لسنة 2021، بعد أن تشاورت مع وزارة الإعلام وجمعية الصحفيين البحرينية، وعدد من الصحف المحلية، وكذلك آراء المؤسسات الحقوقية.

ومن أهم المبررات التي جاءت لإصدار مشروع القانون هو إلغاء عقوبة الحبس من جميع النصوص العقابية الواردة في المشروع، على عكس القانون الحالي، مع الاكتفاء بعقوبة الغرامة الجنائية، كما جاء لتنظيم الإعلام الإلكتروني على اعتباره أحد مكونات المنظومة الإعلامية في البحرين.

وتلزم المادة السابعة من القانون كافة المواقع الإعلامية الإلكترونية القائمة وقت العمل بأحكام القانون بتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكامه خلال 6 أشهر من تاريخ العمل به.

وأكدت اللجنة، أن مشروع القانون يأتي في سياق ترجمة هذه المبادئ الدستورية إلى واقع تشريعي عملي، من خلال تعديل القانون النافذ بما يضمن تنظيم الصحافة والإعلام الإلكتروني بمرونة وحكمة، ويكفل حرية التعبير والإبداع الرقمي دون المساس بالنظام العام أو الحقوق الأخرى، فضلاً عن إلغاء عقوبة الحبس من النصوص العقابية المعمول بها حالياً بما يعكس التزام المشرّع بضمان الحرية في حدود القانون.

وبناء على ذلك، ألغى مشروع القانون عقوبة الحبس، ليُسجّل بذلك تحولاً نوعياً في فلسفة التجريم والعقاب يحافظ من خلاله على حرية الفرد، ويصون الحقوق دون أن ينال من هيبة القانون أو يفرط في سلطانه، فبهذا التوجه، تخف وطأة العقوبة على الأفراد، وتقل حدتها على المجتمع، إذ يتجنب الفرد وعائلته تداعيات جسيمة تبدأ بفقدان العمل وتعطيل الحياة اليومية، وتمتد لتشمل الآثار النفسية والاجتماعية، وتنتهي بالإضرار بالعلاقات الأسرية والمكانة الاجتماعية، الأمر الذي يُسهم في تعزيز استقرار الأسرة والمجتمع، ويدعم ممارسة حرية الرأي والتعبير بمسؤولية في إطار قانوني متزن وآمن.

وفي حال تجاوز الفعل حدود حرية الرأي والتعبير، ومسَّ بالنظام العام، أو اعتدى على حقوق الغير، فإنه يظل خاضعاً للقواعد العامة الواردة في قانون العقوبات التي وُضعت لتتعامل مع هذه السلوكيات وفق منظومة عقابية متدرجة ومتوازنة، وهو ما يحفظ الانسجام التشريعي من ناحية، ويضمن أن يكون الرد العقابي متناسبًا مع الفعل، بحيث تبقى حرية التعبير مصونة في حدودها المشروعة، بينما يُواجه الانحراف عنها بالأدوات العقابية الملائمة، بما يعكس فلسفة متوازنة تحمي الحريات، وتعزّز المسؤولية الإعلامية.

وأشارت اللجنة، إلى أن مشروع القانون يعكس مبدأ التناسب في العقوبة حين جعل الغرامة المالية عقوبةً للمخالفات الة بالصحافة والإعلام الإلكتروني بدلًا عن العقوبات السالبة للحرية، فتتناسب العقوبة مع جسامة الفعل وطبيعته، فلا يُسلب الصحفي أو الإعلامي حريته؛ بسبب خطأ مهني محدود أو مخالفة بسيطة، بل تُقدّر العقوبة بقدر الأثر على النظام العام أو الحقوق الأساسية للأفراد، فلا إفراط يُهدد الحرية، ولا تفريط يُخل بالنظام.

وعلى هذا الأساس، فإن عقوبة الغرامة تؤدي دورها الردعي والتوجيهي بضررٍ أخف وكلفةٍ أهون، لتضمن بذلك احترام القانون دون أن تُلقي على الصحفي أو الإعلامي أعباءً نفسيةً أو اجتماعيةً فادحة.

كما تتضح أهمية تدخل المشرع لتنظيم الإعلام الإلكتروني بوصفه يمثل استجابةً للمطالبات الرامية إلى إيجاد ضوابط تُحدّد بشكل واضح الحقوق والواجبات لمختلف الأطراف، من منصات إعلامية وصحفيين ومعلنين ومستهلكين، ليُسهم الإطار القانوني المنضبط في تنظيم الممارسات الإعلامية وضبطها على نحو يحمي الحقوق، ويعزز الثقة بين الجمهور وأصحاب المهنة، فضلًا عن حماية القيم الوطنية والثقافية، وصون الأخلاق العامة، والحد من انتشار الشائعات أو تداول المعلومات المضللة، بما يضمن أن يبقى الإعلام الإلكتروني أداةً فاعلةً للتوعية والبناء المجتمعي.

ويقتصر نطاق تطبيق مشروع القانون على الإعلام الإلكتروني الذي يُمارس بصفة منتظمة ومهنية، دون أن يمتد إلى الحسابات الشخصية، وهو ما يعد خطوةً تشريعيةً بالغةَ الأهمية، إذ إن التمييز بين الأنشطة الإعلامية المنظمة التي تُمارِس عملاً عاماً ذا تأثير واسع، وبين التعبير الفردي الذي يُعد من صميم حرية الرأي المكفولة دستوريًا يتيح للمشرّع حماية حرية التعبير الفردية، وفي الوقت ذاته وضع إطارٍ تنظيمي للأعمال الإعلامية المهنية دون المساس بحقوق المستخدمين العاديين.

فبهذا التحديد، يتفادى فرض قيود تنظيمية على الأفراد من حيث الترخيص والإشراف والمساءلة المهنية، ويُبقي فضاء التعبير الشخصي حرًا ومفتوحًا بما ينسجم مع أحكام الدستور التي تصون حرية الرأي والتعبير في حدود القانون.

وأكدت اللجنة بأن مشروع القانون يعدّ نقلةً نوعيةً في البيئة التشريعية المنظمة للصحافة والإعلام الإلكتروني، إذ يأتي بعد مرور نحو ثلاثة وعشرين عامًا على العمل بالقانون النافذ، وهي فترة شهد فيها القطاع تحولات رقمية متسارعة وتغيرات جذرية فرضت ضرورةً ملحة لتحديث النصوص وتكييفها مع روح العصر ومتطلبات التحول الرقمي، فجاء مشروع القانون ليحقق هذا المقصد، وليُرسّخ في الوقت ذاته حماية قانونية أوسع للصحفيين والإعلاميين، تمنحهم الثقة في أداء رسالتهم بمسؤولية، بعيدًا عن العقوبات السالبة للحرية، وبما يحفز على الإبداع والابتكار، ويُعزز مناخ الحرية المسؤولة التي كفلها الدستور في إطار بيئة تشريعية حديثة وآمنة.

ويأتي المشروع بقانون، ليرسخ مكانة البحرين وسمعتها على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال إرساء تشريع عصري يحمي حرية التعبير، ويواكب التحولات الرقمية الحديثة، إذ تضمن جملةً من المواد التي تُجسّد التزام المملكة بمبادئ حقوق الإنسان، وتؤكد حرصها على توفير بيئة إعلامية متوازنة تصون الحريات الأساسية، وتضمن ممارسة المهنة بمسؤولية، بعيدًا عن العقوبات السالبة للحرية باعتبار أن حرية الرأي والتعبير حقاً أصيلاً لا يجوز تقييده إلا في أضيق الحدود.

كما يعكس مشروع القانون، قدرة البحرين على استيعاب المستجدات التكنولوجية والإعلامية عبر تنظيم الإعلام الإلكتروني في إطار قانوني واضح ومرن، بما يعزز الثقة الدولية في البيئة التشريعية البحرينية، ويُبرز صورة المملكة كحاضنة لحرية الإعلام المسؤول وحامية لحقوق الصحفيين والإعلاميين، الأمر الذي يرسّخ حضورها الإيجابي في المحافل الإقليمية والدولية، ويُظهر التزامها بالريادة في الجمع بين الانفتاح والضوابط، وبين الحرية والمسؤولية.

وينسجم مشروع القانون مع النهج الذي تبنته العديد من الدول المقارنة في مجال تنظيم الإعلام الإلكتروني، إذ لم تترك هذا الفضاء الرقمي الواسع دون إطار منظم، بل وضعت له الضوابط الدقيقة التي توفق بين مقتضيات حرية التعبير ومتطلبات صون النظام العام، فجعل الإعلام الإلكتروني جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الإعلامية الوطنية، يخضع لمبادئ المسؤولية المهنية والالتزام بالقيم المجتمعية، ويضمن في الوقت ذاته الشفافية والمصداقية.

وبعد أن أتمت اللجنة دراسة مشروع القانون وما تضمنه من أحكام تراعي مستجدات علم العقاب ومبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة، وتواكب التحولات الرقمية المتسارعة في قطاع الصحافة والإعلام الإلكتروني، فإنها توصي بالموافقة عليه من حيث المبدأ، وفقاً للتعديلات التي أقرها مجلس النواب، والتي أضفت بُعداً يكفل للصحافة والإعلام الإلكتروني حريةً مسؤولة في حدودها المشروعة، بما يضمن مساراً رشيداً لمهنة الإعلام وفضاءً آمنًا للتعبير الحر.

وأكدت وزارة الإعلام للجنة في خطابها المرسل بأنه في إطار حرصها على تطوير البيئة التشريعية المنظمة لقطاع الصحافة والإعلام، وبما يتماشى مع التحولات الرقمية والمهنية المتسارعة، فقد تم إعداد مشروع القانون بهدف تحقيق التوازن بين صون حرية الرأي والتعبير من جهة، ومتطلبات التنظيم القانوني المسؤول من جهة أخرى، بما يعزز الممارسات الإعلامية، ويواكب المستجدات التقنية والتنظيمية.

كما أكدت الوزارة توافقها الكامل مع التعديلات التي أقرها مجلس النواب الموقر في جلسته الاستثنائية المنعقدة بتاريخ 8 مايو 2025، انطلاقاً من إيمانها بأهمية التكامل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في تطوير الإطار القانوني لقطاع الإعلام.

وبيّنت أن مشروع القانون تم إعداده بالتنسيق مع لجنة الخدمات بمجلس النواب وبالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ومنها النيابة العامة، والصحف وجمعية الصحفيين البحرينية، كما تم أخذ مرئيات وملاحظات عدد من أعضاء مجلس النواب الذين قدموا مقترحاتهم المكتوبة للجنة الخدمات بالمجلس ذاته، وكذلك صحفيين ومؤثري وسائل التواصل الاجتماعي الذين تقدموا بمقترحاتهم عبر اللجنة المذكورة.

وأكدت صحيفة الوطن في مرئياتها أن أي تعديل تشريعي في مجال تنظيم الصحافة يجب أن ينطلق من المادة 23 من دستور البحرين والتي تنص على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والطباعة والنشر، مع ضمان عدم فرض رقابة مسبقة أو تضييق غير مبرر على العمل الصحفي، كما أشادت بإلغاء العقوبات السالبة للحرية باعتبار ذلك توجهاً إيجابياً ينسجم مع المعايير الدولية، مقدرةً مساعي مجلس النواب الموقر في إدخال التعديلات التي تمثل خطوات إيجابية، وتأمل بمزيد من الضمانات الواضحة والملزمة لحماية المهنة وتوسيع هامش الحرية الصحفية.

وأكدت صحيفة الأيام في خطابها المرسل إلى اللجنة، أنها تدعم مشروع القانون الماثل، وقامت بالتنسيق مع جمعية الصحفيين البحرينية برفع مرئياتها إلى وزارة الإعلام واللجنة المعنية بمجلس النواب الموقر، كما أيدت الصحيفة ما انتهى إليه مجلس النواب من تعديلات، مؤكدة وحدة الموقف المهني تجاه هذا التشريع الهام، وأهمية تمرير مشروع القانون بصيغته الحالية باعتباره نقلة نوعية تعزّز الضمانات القانونية للصحفيين، وترفع من سقف الحريات الإعلامية، مع الإسهام في تحسين تصنيف المملكة ضمن المؤشرات الدولية لحرية الصحافة وشفافية الأنظمة الإعلامية.

شاركها.