يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تحقيق “فوز سريع” خلال اجتماعه الحاسم مع نظيره الصيني شي جين بينج، الخميس المقبل، حتى لو لم ترق النتيجة إلى مستوى الاتفاق الشامل الذي أشار إليه بشأن قضايا محورية في الصراع بين أكبر اقتصادين في العالم، حسبما أفادت به “بلومبرغ”.

وأعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت عن جدول رحلة الرئيس الأميركي إلى ماليزيا، واليابان، وكوريا الجنوبية والتي من المقرر أن تبدأ، مساء الجمعة.

وقبيل اللقاء المرتقب، صرّح الرئيس الأميركي بأنه يريد تمديد فترة تعليق الرسوم الجمركية المرتفعة على السلع الصينية مقابل استئناف بكين شراء فول الصويا الأميركي، واتخاذ إجراءات صارمة ضد مادة الفنتانيل، ورفع القيود المفروضة على صادرات المعادن النادرة، كل ذلك مع الحفاظ على بعض الحواجز التجارية التي يراها أساسية.

وقال ترمب للصحافيين هذا الأسبوع: “أعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق بشأن كل شيء”، كما طرح اتفاقاً بعيد المنال بشأن الأسلحة النووية، وأعرب عن رغبته في إقناع شي جين بينج بالضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء غزوه لأوكرانيا، وهي نتيجة من شأنها أن تعزز مكانة ترمب في صنع السلام في أعقاب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة “حماس” الفلسطينية.

وغالباً ما يُركز ترمب في سعيه للصفقات على الشكل أكثر من الجوهر، ويتوقع المحللون أن أي اتفاق يتم التوصل إليه في قمته مع كوريا الجنوبية سيُخفف التوترات بعد أسابيع من التهديدات المتصاعدة، والردود التجارية الانتقامية، والخطابات القاسية، بعيداً عن أي اتفاق شامل يُعالج الصراعات الجوهرية.

وتعطش ترمب لنتيجة يُمكنه تسويقها على أنها انتصار، يُهدده بالرضوخ لمطالب صينية رئيسية، بما في ذلك الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة ووضع جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي، إذ لم يستبعد الرئيس الأميركي، على وجه الخصوص، مثل هذه التنازلات.

ومع ذلك، من غير المُرجح أن يُقدم ترمب تنازلات كبيرة بشأن هذه النقاط، نظراً للمخاطر الأمنية القومية والسياسية الداخلية. 

وهذا يُضعف فرص التوصل إلى صفقة شاملة تضمن للأسواق عدم نشوب حرب تجارية، ينتهي العمل بتفاهم التعريفات الجمركية الحالي بين البلدين في نوفمبر المقبل.

ترمب وشي.. وأساليب تفاوضية

ويختلف أسلوب ترمب التفاوضي اختلافاً جوهرياً عن طريقة شي جين بينج، فبينما يتبع الرئيس الأميركي نهجاً قائماً على المعاملات، مستخدماً النفوذ لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل، يعتمد الزعيم الصيني على التفكير بعيد المدى، مدعوماً بمزايا بلاده في قطاعي التصنيع والموارد الطبيعية.

وأصر ترمب على ضرورة تراجع الصين عن قيود التصدير الصارمة التي تُبرز نفوذ بكين كمورد ومعالج مهيمن عالمياً لمواد الأرض النادرة المستخدمة في الهواتف المحمولة وأشباه الموصلات وغيرها من التقنيات، لكن شي جين بينج يرى في هيمنته على هذه المعادن ميزة استراتيجية بالغة الأهمية، ما يُثير الشكوك بشأن إمكانية تراجعه دون تنازلات كبيرة من الولايات المتحدة.

وقالت هنريتا ليفين، مستشارة البيت الأبيض السابقة في شؤون الصين، والتي تعمل حالياً في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “من الواضح أن كلا الجانبين يسعى إلى استقرار العلاقة. لكن مسألة الاستقرار، بشروطه، لا تزال مفتوحة، وأعتقد، للأسف، أن بكين هي من تُمسك بزمام الأمور”.

من جانبه، يرى سون تشينجهاو، الزميل في مركز الأمن الدولي والاستراتيجية بجامعة تسينجهوا، إن نفوذ الصين ليس “ورقة مساومة بسيطة”، ما يجعل من شبه المستحيل على بكين الرضوخ لمطالب ترمب.

 وأضاف: “إن عكس هذه السياسة يتطلب تنازلاً هائلاً من الولايات المتحدة، ومن المرجح أن يشمل ذلك إلغاء عقوباتها التكنولوجية، وهو أمر غير مقبول سياسياً في واشنطن حالياً”.

وفي الواقع، تدرس واشنطن اتخاذ خطوات في الاتجاه المعاكس، تشديد القيود على صادرات المعدات التي تحتوي على برامج أميركية إلى الصين، مع قيود قد تُعيق مبيعات أجهزة الكمبيوتر والمحركات وغيرها من السلع.

مخاوف من تنازلات أميركية

وأدت هذه التطورات إلى تفاقم المخاطر على الاقتصادات في جميع أنحاء آسيا، بما في ذلك تلك التي استهدفتها رسوم ترمب الجمركية، رغم اعتبارها حليفاً مهماً للولايات المتحدة في كبح صعود الصين. 

ويخشى البعض في واشنطن من أن ميل ترمب إلى عقد الصفقات، ورغبته في ضمان التزامات الشراء وغيرها من الانتصارات التجارية، قد يدفعه إلى تقديم تنازلات أمنية وطنية كانت غير واردة سياسياً، بما في ذلك التخلي عن سياسة الغموض الاستراتيجي الأميركية الراسخة تجاه تايوان.

وطلبت الصين من البيت الأبيض الإعلان رسمياً عن “معارضتها” لاستقلال تايوان، وأقر ترمب بأن الجزيرة من المرجح أن تكون مطروحة على طاولة المحادثات المقبلة، قائلاً عن شي جين بينج في وقت سابق من هذا الأسبوع إن تايوان “ربما تكون نقطة ضعفه”.

وقالت باتريشيا كيم، المشاركة في قيادة مشروع الصين العالمية في معهد “بروكينجز”: “لا يتبنى الرئيس ترمب آراءً تقليديةً بشأن تايوان، وكان أكثر فتوراً في دعمه لها، خاصةً مقارنةً بأسلافه”. 

وأضافت أنه من الممكن أن “ترى بكين هذا الأمر مجالاً يمكنها من خلاله دفع ترمب لعقد صفقة، أو أن تكون معاملاتية إذا كان بإمكانه الحصول على شيء في المقابل”.

تجدد التوترات

ويتنازع الطرفان حول سبب التصعيد الأخير، إذ يزعم الأميركيون أن القيود الجديدة الموسعة التي فرضتها الصين على الصادرات هي السبب، في الوقت نفسه، تجادل بكين بأن واشنطن تراجعت عن وعدها بتوسيع العقوبات لتشمل فروع الشركات المدرجة في القائمة السوداء.

وتبع ذلك سلسلة من العقوبات الموسعة والتهديدات التجارية الجديدة، إذ فرضت الصين عقوبات على وحدات أميركية تابعة لشركة الشحن الكورية الجنوبية العملاقة “هانوا أوشن”، بزعم مساعدتها في تحقيق تجاري أميركي في القوة البحرية لبكين. 

وأثار ترمب احتمال فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على البضائع الصينية بحلول الأول من نوفمبر، وكبح واردات زيت الطهي المستعمل من الصين.

ويُمثل النزاع التجاري اختباراً لقدرة كلا البلدين على تحمل المعاناة الاقتصادية، فقد أدت الرسوم الجمركية إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الأميركية، وأثرت سلباً على وصول الصين إلى أكبر سوق تصدير لها، وقد أقر ترمب الأسبوع الماضي بأن الرسوم الجمركية التي هدد بفرضها “غير مستدامة”.

ومع ذلك، يتمتع ترمب بنفوذ اقتصادي، لأن الصين بحاجة ماسة إلى السوق الأميركية.

ومن المقرر أن يصل ترمب إلى ماليزيا محطته الأولى في رحلته صباح الأحد بالتوقيت المحلي لحضور قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ثم سيعقد اجتماعاً ثنائياً مع رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، ويحضر عشاء قادة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مساء الأحد.

ويغادر ترمب الاثنين إلى طوكيو، قبل اجتماعه الثلاثاء مع رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة ساناي تاكايتشي.

ومن المقرر أن يتوجه ترمب إلى كوريا الجنوبية الأربعاء، حيث سيلتقي بالرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونج، ويلقي كلمة رئيسية في غداء الرؤساء التنفيذيين لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC)، ويشارك في عشاء عمل مع القادة الآخرين المشاركين في القمة.

صفقات أخرى

ورغم أن تركيز رحلة ترمب ظل منصباً على اجتماعه مع شي، إلا أن مفاوضات تجارية أخرى معلقة مع كوريا الجنوبية والهند والبرازيل، حتى شروط صندوق استثمار بقيمة 550 مليار دولار، الذي التزمت به اليابان في محاولة ناجحة لخفض التعريفات الجمركية، لم تُحسَّن بعد، ما يُمثل اختباراً محتملاً لتاكايتشي.

وبالمثل، ليس من الواضح ما إذا كان ترمب ورئيس كوريا الجنوبية سيُبرمان إطاراً تجارياً شاملاً، والذي يتضمن تعهداً باستثمار 350 مليار دولار في الولايات المتحدة. ولا يُتوقع توقيع أي اتفاقيات تجارية مع فيتنام وإندونيسيا والفلبين.

وقد يلتقي ترمب بالرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي استُهدفت بلاده برسوم جمركية بنسبة 50% على البضائع المشحونة إلى الولايات المتحدة، ويُبرم هدنة في نزاع حدودي طويل الأمد بين تايلندا وكمبوديا بحفل يُقام في قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).

شاركها.