يقع “مخيم الفرنسيين”، المعروف أيضاً بمخيم “الفردان” وباسم “كتيبة الغرباء”، شمال مدينة حارم في ريف إدلب الشمالي الغربي بسوريا، الذي يعيش به عشرات من المسلحين الفرنسيين، وأفراد عائلاتهم ممن التحقوا بالجماعات خلال سنوات الحرب السورية.
ويقود المخيم عمر ديابي، الملقب بـ”عمر أومسين” (49 عاماً)، وهو فرنسي من أصول سنغالية، يعد من أبرز العناصر الفرنسية في الجماعات المسلحة بسوريا، وتتهمه السلطات الفرنسية بالمسؤولية عن تجنيد نحو 80% من المقاتلين الناطقين بالفرنسية الذين توجهوا إلى سوريا والعراق في ذروة النزاع.
عمر أومسين
وشهد المخيم أزمة، قبل أيام، بعدما خُطفت منه فتاة فرنسية مسلمة، وهو الحادث الذي أثار استياء سكان المخيم ودفعهم لتقديم شكاوى متكررة إلى الجهات الأمنية.
وكانت وزارة الداخلية السورية أعلنت، الأربعاء، بدء عملية أمنية في المخيم ضد مجموعة مسلحة وصفتها بـ”الخارجة عن القانون” بقيادة عمر أومسين، حيث طوقت قوات الأمن المخيم، ونشرت الحواجز على مداخله، لتندلع بعد ذلك اشتباكات مسلحة.
وقال مصدر أمني في إدلب لـ”الشرق”، طالباً عدم ذكر اسمه، إن” عمر أومسين أسس هذه المجموعة عام 2013، ويدير في المخيم نظاماً شبه مستقل يتضمن “محكمة شرعية” وشرطة داخلية خاصة به، لكن الوضع تغير وفق تفاهمات لاحقة تمت بعد سقوط النظام السوري، والاتفاق الذي أعلن بموجبه دمج جميع الفصائل العسكرية تحت راية وزارة الدفاع، لكن أومسين لم يلتزم”.
الدفاع عن “الإخوان الفرنسيين”
وعند محاولة اقتحام المخيم، اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والمسلحين الأجانب، استخدمت خلالها أسلحة خفيفة ومتوسطة، وشاركت فيها مسيّرات استطلاع سورية من طراز “شاهين” لمراقبة الوضع، بينما لزم المدنيون داخل المخيم منازلهم خوفاً على حياتهم وسط هذه المعارك.
ومع تصاعد الأزمة، أبدى مسلحون من أوزبكستان والشيشان وداغستان استعدادهم للدفاع عمّن يسمونهم “إخوانهم الفرنسيين” فيما دعا قائد المخيم في تسجيل صوتي إلى اعتبار العملية الأمنية “مؤامرة غربية” ضده، بينما انتشرت دعوات على منصات التواصل لدعم المقاتلين الفرنسيين.
كيف تعاملت السلطات مع الموقف؟
وقال قائد الأمن العام في محافظة إدلب العميد غسان باكير، لـ”الشرق”، إن” العملية الأمنية الأخيرة داخل المخيم جاءت استجابة لشكاوى الأهالي حول انتهاكات متعددة، كان أبرزها اختطاف الفتاة المذكورة”.
وأضاف: “قواتنا طوقت المخيم، وكانت الأولوية لتجنيب المدنيين الضرر، حاولنا بداية التفاوض مع أومسين لتسليم نفسه، لكنه رفض وتمسك بالتصعيد المسلح، وشرع بإطلاق النار، مستعيناً بالمدنيين كدروع بشرية”.
ونفى العميد باكير وجود أي حملة عامة تستهدف المهاجرين الفرنسيين أو مساكنهم خارج المخيم، موضحاً أن “أكثر من 150 عائلة فرنسية تعيش في مناطق أخرى لم تتعرض لأي أذى”.
من جهة أخرى، أصدر عدد من المسلحين الأجانب بياناً رفضوا فيه أي محاولة لاعتقال مقاتلي “كتيبة الغرباء”، محذرين من أن أي استهداف لهم” سيفجر غضباً شعبياً” في حين ظهرت والدة الفتاة المخطوفة في مقطع فيديو طالبت فيه بإنقاذ ابنتها بتوجيه نداء إلى السلطات الأمنية.
وساطة الحزب الإسلامي التركستاني
بعد يومين من المواجهات، تدخلت وساطات محلية، أبرزها كانت من عناصر “الحزب الإسلامي التركستاني”، حتى التوصل إلى اتفاق هدنة شامل، الخميس، لإنهاء الاشتباكات.
ووفق مصادر أمنية لـ”الشرق”، نص الاتفاق على وقف كامل لإطلاق النار، وفك حصار المخيم، وسحب الأسلحة الثقيلة منه وإعادتها إلى الثكنات العسكرية، ووقف حملات التحريض الإعلامية، وضبط الخطاب العام.
كما أُحيل ملف الخلاف الناجم عن هذه الأحداث إلى القضاء الشرعي في وزارة العدل للفصل فيه، مع تولي وسطاء مستقلين متابعة قضية قائد الكتيبة أومسين أمام القضاء.
ما بعد المواجهات
وذكر العميد غسان باكير، لـ”الشرق”، أن “قوات الأمن دخلت المخيم بعد توقيع الاتفاق، ونظمت دوريات أمنية داخله لحماية السكان”.
وأضاف: “سيعود المخيم للعمل بالشكل الاعتيادي خلال الأيام المقبلة، وبدأت الحياة تعود تدريجياً إلى طبيعتها”.
وتحدث عدد من الأهالي، الذين التقتهم “الشرق”، عن أنهم تقدموا “بشكاوى إلى السلطات السورية حول ممارسات فرقة الغرباء، بما في ذلك عمليات الخطف والاحتجاز داخل المخيم، والتي تؤثر بشكل سلبي على الحياة اليومية، وتثير القلق والخوف”.
كما ذكروا أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الانتهاكات، مطالبين بتوسيع الرقابة على جميع الفصائل المسلحة داخل المنطقة، بغض النظر عن جنسيتها أو ولائها.
وتحدثت أم عبدالله، وهي ممرضة تسكن في محيط المخيم، لـ”الشرق”، عن التدخل الأمني بالقول” أحدث ارتياحاً بين السكان، فقد كانت فرقة الغرباء تمارس نوعاً من السيطرة والانفصال داخل المخيم، وتعتمد على العنف وفرض سلطتها على الأطفال والنساء”.
وأضافت: “كنت من بين النساء اللواتي دعون إلى تدخل قوات الأمن العام لحماية الأطفال، لكن أستغرب التسامح مع أومسين رغم الانتهاكات المتراكمة التي ارتكبها سابقاً”.
ومع أن الاتفاق أنهى المواجهة ميدانياً، قد تشكل الأحداث الأخيرة، برأي كثيرين، مؤشراً على تصاعد التوترات بين السلطات السورية والمسلحين الأجانب في الشمال السوري، ومقدمة لتساؤلات حول مستقبل العلاقة وآفاق التسوية السياسية بين الجانبين، بعد كسر ما كان يعتقد أنها حصانة ذاتية لمسلحين أجانب شكلوا لسنوات طويلة كياناً شبه مستقل.
