قد تكون جملة «شلون كان يومك؟» من أكثر الجمل شيوعاً بين الأزواج، ولكن هل تقال ويرد عليها بعمق؟ في الحقيقة كثيراً ما تكون تجربة روتينية تكمن فيها حاجة ماسة للتواصل الحقيقي لا يعيها الزوجان أو لا يأخذونها على محمل الجد.
يدّعي الكثير من الأزواج بأنهم من أكثر الشركاء حواراً وتبادلاً في الآراء، لكن السؤال الأهم: إلى أي مدى يعكس هذا الحوار تطوراً ونماءً في العلاقة، بل وفي الرؤية لأنفسنا وللعالم من حولنا؟ فعالمنا مليء بالضوضاء، لذلك نحتاج أن نتعلم كيف نصغي بقلوبنا لا بآذاننا فقط؛ فالحوار العميق لا يحدث وسط الضجيج، بل في مساحات هادئة من الحضور والانتباه والتفهم، يجب أن ندرك أن هناك فرقاً شاسعاً بين الحوار السطحي والحوار العميق، فالتواصل الفعّال بين الزوجين ليس مجرد تبادل للمعلومات حول الفواتير أو تفاصيل الحياة المعيشية، فهذه حوارات سطحية، وهي رغم الأهمية لا تغوص للأعماق. نحتاج لتحصين العلاقات حواراً عميقاً، ولن يكون الحوار عميقاً إلا بمشاركة شفافة للمشاعر والأفكار والأحلام والمخاوف، لأن ذلك يفتح مجالاً لرؤية أوسع ليس للعلاقة فقط، بل للمفاهيم والعلاقات والمجتمع عمومًا. عندما يقول أحد الزوجين «كان يومي جيداً»، فقد يعني في الواقع «شعرت بتقدير في العمل اليوم» أو «أنا متعب جداً ولكني أحتاج أن أشعر باتصالك». الانتقال من الإجابة الآلية إلى هذا المستوى من الكشف هو جوهر تقوية العلاقة.
الحوار ليس مجرد روتين، بل أمر أساسي لنمو الزوجين. إنه اللحظة التي يفتح فيها الشريكان مساحة آمنة لإمكانيات النمو المشترك؛ حيث تولد الأفكار الجديدة، وتتشكل رؤى أعمق للحياة، وتُفهم فيها التجارب الفردية ضمن سياق مشترك. عندما نتحاور بعمق، فإننا لا نكتشف بعضنا البعض فحسب، بل نعيد تشكيل هويتنا ورؤيتنا للعالم. هذا النوع من الحوار يدفعنا إلى التأمل والبحث عن المعنى الكامن في حياتنا المشتركة، وتحويل اليوميات الروتينية إلى مادة تأمل ونمو. لتحقيق هذا العمق، لابد من تجاوز الأسئلة التقليدية حول المعيشة، ونبدأ بطرح أسئلة تتطلب وعيا ومشاركة بالقلب والعقل.
للانتقال بالحوار من السطح إلى العمق، نحتاج لتغيير نوعية الأسئلة. بدلاً من الأسئلة المغلقة أو التي تتمحور حول تفاصيل اليوميات، يفضل طرح أسئلة تحفز التأمل والمشاركة الوجدانية، أسئلة يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة مثل: «ما هو الشيء الذي تحدى قيمك أو قناعاتك، وكيف تعاملت معه؟»، «ما هو المفهوم الذي تغير تصورك له، وغير زاوية نظرتك للعالم؟»، «ما الذي يثير شغفك أو يجعلك تشعر بهدفك الأسمى حالياً؟ وكيف أساعدك وأكون جزءاً منه؟» هذه الأسئلة تمنح الشريك مساحة آمنة ليشارك أعمق ما لديه.
الحوار العميق ليس ترفاً عاطفياً، بل هو شريان يغذي العلاقة الزوجية بالحياة والنمو. إنه الوسيلة التي نضفي من خلالها المعنى على تفاصيلنا اليومية، ونعيد عبره اكتشاف ذواتنا وشركائنا من جديد. فلا تدعوا صخب الحياة اليومية يطغى على احتياجكم الفطري للتواصل، ولا تفوّتوا الفرص الصغيرة للحوار العميق، ففيها يتشكل المعنى، وتنمو العلاقة، وتلبي الحاجة للأمان العاطفي بينكما.
* استشاري أسري وزواجي
