على مسرح استوديوهات Warner Brothers في لوس أنجلوس، وقف المخرج الأرجنتيني آندي موشييتي ومنتجته وشقيقته باربرا موشييتي محاطَين بنجوم عملهم الجديد IT: Welcome to Derry، ليكشفا أمام الحضور عن كواليس عالم يعيد فتح أبواب الرعب والخيال الذي صنعه ستيفن كينج منذ أكثر من أربعة عقود.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي لناخبي جولدن جلوب، حضرته “الشرق” افتراضياً، وأدارته الصحافية جينيل رايلي من مجلة “فارايتي”، وذلك قبل أيام من العرض الأول للمسلسل على منصة HBO في 26 أكتوبر، وضمّ الممثلين جوفان أديبو، تايلور بايج، كريس تشوك، ستيفن رايدر، كيمبرلي جيريرو، وجيمس ريمار، إلى جانب الثنائي المنتج والمخرج. 

وقدّم النقاش صورة متكاملة عن طموح المشروع الجديد، الذي يعود إلى مدينة “ديري” الخيالية في ستينيات القرن الماضي، ليغوص في جذور الكائن المرعب “بينيوايز” وما يرمز إليه من خوف بشري دفين

يقدم IT: Welcome to Derry قراءة جديدة في معنى الخوف والإيمان والذنب الجماعي، تستعيد من ستيفن كينج روح السرد الشعبي الذي يمزج الأسطورة بالتاريخ والإنسان.

عالم ستيفن كينج

بدأ آندي موشييتي حديثه بالقول إن فكرة العودة إلى “ديري” لم تكن مطروحة عند نهاية IT: Chapter Two، لكنه شعر لاحقاً بأن القصة لم تكتمل بعد: “بدأ الأمر كتخمينٍ مع بيل سكارسجارد حول أصول “بينيوايز”؛ كيف أصبح الكائن المهرّج؟ عدت إلى الكتاب، ووجدت كماً من القصص غير المحكية داخل هوامشه.. فقررت أن أستخرج الحكاية المخفية التي خبأها كينج في ثنايا روايته”.

وأكدت باربرا موشييتي أن أول خطوة كانت مكالمة مع الكاتب نفسه: “تحدثنا إلى ستيفن كينج مباشرة. كان سعيداً بما قدمناه في الفيلمين، وأبدى ثقة مطلقة بنا قائلاً: “افعلوا ما ترونه مناسباً، لم يكن يتدخل إلا ليبارك ويشجع، وأحياناً نستيقظ على رسالة منه يمتدح فيها مشهداً أو (انفجار دموي) شاهده في التصوير”.

وتذكر آندي كيف حفظ تفاصيل الرواية عن ظهر قلب، قائلاً إن علاقته بنصوص كينج “أشبه بعلاقة الباحث بكتاب مقدس”، مضيفاً: “هو كاتب يمزج بين الرعب، والكوميديا، والتراجيديا في نسيجٍ واحد.. تماماً كما هي الحياة، فيها الفظيع والمضحك والمؤلم في الوقت ذاته”.

أبطال الماضي.. وحكايات جديدة

يقدّم المسلسل شخصيات جديدة ترتبط بعائلات ظهرت في رواية كينج، على رأسها عائلة هانلون التي شكلت لاحقاً أحد أركان مجموعة “الخاسرين” في الرواية الأصلية، قال جوفان أديبو، الذي يؤدي دور “ليروي هانلون”: “الشخصية ذكرتني بوالدي العسكري الصارم. العمل مع آندي وباربرا كان فرصة ذهبية، والرعب هنا مساحة حرّة لاستكشاف صراعات البشر، وليس مجرد دماء ومشاهد مفزعة”.

أما تايلور بايج، التي تظهر في الحلقة الثانية بدور “شارلوت”، فوصفت تجربتها مع آندي بأنها لقاء روحاني: “اكتشفنا خلال حديثنا الأول أننا نحمل الوشم نفسه مكتوب عليه Fear Not (لا تخف)، من دون أن نعرف بعضنا من قبل، كان الأمر أشبه بإشارة كونية”.

وأضافت: “العمل جعلني أستحضر روح جدّتي التي ولدت في الثلاثينيات، تلك المرأة المضحكة التي ابتلعت أحلامها في زمنٍ لم يسمح لها بالتعبير، أردت أن أهبها حياة جديدة عبر شارلوت”.

الممثل كريس تشوك يؤدي شخصية “ديك هالوران” في شبابه، وهو الشخصية نفسها التي ظهرت في The Shining، وعن ذلك قال: “شعرت بالامتنان أكثر من الخوف، أحترم من سبقوني إلى الدور، لكن ما يميز هذه النسخة أنها تكشف الإنسان وراء القوى النفسية. هو رجل يتعلّم التعايش مع قدرته على استشعار معاناة الآخرين، وليس مجرد (حارس فندق مسكون)”.

وأضاف مازحاً: “عملي كممثل هو أن أعيش التجربة الإنسانية، أما مهمة آندي فهي أن يجعلها مخيفة”.

وتحدث ستيفن رايدر عن شخصيته “هانك” التي تُتهم ظلماً بجرائم قتل: “هانك يمثل الإنسان العادي الذي يُدفع إلى البطولة حين تُغلق كل الطرق، إنه أكثر شجاعة مني في الحقيقة، ففي أحياء الأميركيين من ذوي الأصول الإفريقية، يعيش الناس حياة عادية تماماً، لكن أحياناً تبرز لحظة واحدة تكشف عظمة الإنسان فيهم، وهذا ما أردت أن أجسده”.

صوت الأرض والذاكرة

وقدمت الممثلة كيمبرلي جيريرو لمسة جديدة بإدخال بعدٍ خاص بحكايات السكان الأصليين في “مين”، قائلة: “لطالما كان هناك حضور خفي للحكايات الهندية في أعمال كينج، لكن لم يُمنح يوماً حقه، شخصيتي تمثل الجيل الذي ورث ذاكرة أول من واجه هذا الكائن، نحن نتحدث عن الأرض ككائن حيّ، عن ما تتذكره التربة مما ننساه نحن”.

وأضافت: “في العرض الأول، حضر معنا جون بير ميتشل، أحد شيوخ قبيلة بينوبسكوت في بانجور، وجوده أعادنا إلى آلاف السنين من الحكايات، وهذه لا تعتبر أسطورة جديدة، وإنما استمرار لصوت قديم ظل يهمس في الظلام”.

وعن نهاية الحلقة الأولى، حين قرر صناع العمل قتل مجموعة الأطفال الذين ظنّ المشاهد أنهم أبطال القصة.

قال آندي: “الفكرة ظهرت في أول اجتماعات الكتابة، اقترح أحد الكتّاب أن نقتلهم جميعاً، فعمّ الصمت، لكننا أدركنا أن المفاجأة ضرورية لتأكيد أن لا أحد في هذا العالم آمن، إنها طريقة فنية لإبقاء الجمهور متيقظاً دائماً، كما فعلنا مع جورجي في بداية فيلم 2017”.

وأكمل: “نحن نجرّب هنا تصعيد مستوى الصدمة والتوقع، أردنا أن نضع المشاهد أمام حقيقة أن أي شخصية يمكن أن تُفقد في لحظة”.

الإيمان والخوف

وإجابة على سؤال حول معنى IT، هل هو تجسيد لمخاوف البشر وأخطائهم؟ أجاب آندي موشييتي: “في الرواية يُقال إن IT لا يلتهم الجسد بل الإيمان، إنه يتغذى على الخوف، لأن الخوف هو الوجه المعاكس للإيمان، الأطفال يؤمنون بما لا يُرى، لذا هم فريسته المفضّلة، والسؤال الجوهري الذي يطرحه العمل: هل IT موجود فعلاً، أم أنه يولد من داخلنا حين نخاف؟”.

وأضاف كريس تشوك رؤيته الخاصة: “إنه تحذير من دورة الخوف التي نعيشها، إذا لم نواجه خوفنا ونتطور، سيعود لالتهامنا مراراً”.

أما ستيفن رايدر فرأى أن المسلسل “مرآة لعمى الإنسان عن ذاته”، قائلاً: “لقد غزونا العالم ولم نعرف أنفسنا بعد، IT يجبرنا على النظر في أعماقنا، إلى ما نخافه فينا”.

وتابع جيمس ريمار مداخلته: “في الديانة الشنتوية في اليابان، كل شيء حيّ: الصخرة، الطاولة، الهواء، شاهدت في مطار طوكيو طاقم الأرض ينحني للطائرة مودّعاً إياها.. فهمت وقتها أن كل شيء مرتبط. IT هو الاسم الذي نمنحه لشرٍ كامن في كل الثقافات، سواء كان الشيطان أو البعبع، هو تجسيد لمخاوفنا الجمعية”.

وأضافت تايلور بايج: “لكن في قصتنا، المدينة نفسها مسؤولة، حين نغضّ الطرف عن الشر، نخلقه بأيدينا، IT ليس كائن، لكنه النتيجة الطبيعية لتواطؤ البشر وصمتهم”.

الطفولة.. والقدرة على الإيمان

عندما سُئل آندي عن البنية العاطفية للمسلسل، أوضح أن محور القصة يدور حول الأطفال، قائلاً: “الكتاب يحتفي بالفضائل التي يملكها الصغار، وتختفي مع النضج: الخيال، الإيمان، والبراءة، حين نصبح بالغين نفقد تلك الروح، ونصبح الآخر في نظر أطفالنا، ستيفن كينج كتب الرواية من موقع الطفل الذي يقاوم الشيخوخة، ونحن نحاول الحفاظ على هذا الجوهر”.

ومن اللقطات الطريفة التي روتها تايلور بايج وجوفان أديبو، تنظيم آندي وباربرا “حفلة بولينج” (بولينج بول) لجميع الممثلين الصغار والكبار قبل التصوير، لتكوين روح العائلة بينهم. 

وقال ستيفن رايدر ضاحكاً: “خسرت أمام الأطفال في اللعب، ومنذ تلك اللحظة أصبحنا عائلة واحدة. حتى فترة الإضراب زادت من قربنا”.

وأضاف أديبو: “الطفل بليك الذي يجسد ابني في المسلسل كان يأخذ العمل بجدية مدهشة. كان يأتي إلي بين اللقطات ليقول: (أستاذ جوفان، هل يمكن أن نراجع المشهد؟ أريد أن أفهم دوافع الشخصية!) هذا الجيل مذهل”.

مفاجآت ومجازفات

في ختام الندوة، كشف آندي أن المسلسل لن يكتفي بتكرار أجواء الفيلمين، بل سيقدم بنية أكثر جرأة واتساعاً: “على مدار الموسم، سننتقل من قصص البشر إلى الأسطورة الكونية، إلى الجانب الآخر من العالم الذي لا يراه الناس، Welcome to Derry ليس مجرد مقدمة للرواية، وإنما توسعة لكون ستيفن كينج بأسره”.

أما باربرا فأكدت أن العمل “يمزج الرعب بالإنسانية”، مضيفة: “نحن لا نصنع مسلسل رعب فحسب، بل مرآة لما يخيف الإنسان من ذاته، وهذا ما يجعل “ديري” مكاناً خالداً في الخيال الأدبي”.

اختُتم اللقاء بتذكير الجمهور أن عرض IT: Welcome to Derry يبدأ في 26 أكتوبر على HBO، على أن تُعرض الحلقات أسبوعياً حتى منتصف ديسمبر، وقبل مغادرة القاعة، شكر آندي وباربرا الجمهور قائلَين: “شكراً؛ لأنكم تؤمنون معنا بأن الرعب يمكن أن يكون فناً، وأن الإيمان أقوى من الخوف”.

شاركها.