– مارينا مرهج

تتأثر أسعار الأسمنت، الذي يشكل المادة الأساسية بقطاع البناء والتشييد في سوريا، بالظروف الاقتصادية المحلية وتكاليف الإنتاج والمواد الأولية.

وشهد سوق الأسمنت في سوريا بالعام الحالي تقلبات ملحوظة، متأثرًا بشكل أساسي بتقلبات سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، وتكاليف الإنتاج المحلية، وتوفر المواد الأولية وأسعارها، والعرض والطلب في السوق.

بالنسبة لسعر طن الأسمنت “البورتلاندي” (الأكثر شيوعًا) في سوريا، رصدت فارقًا في الأسعار الحالية قياسًا بما كانت عليه نهاية 2024، إذ انخفض إلى نحو 120 دولارًا أمريكيًا، بعد أن سجل 165 دولارًا قبل سقوط النظام.

وأوقفت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية، في أيار الماضي، قرارًا يقضي بفرض رسوم (ضميمة) على الأسمنت المنتج محليًا بالقطاع العام والخاص، وذلك بهدف رفع القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، وتشجيع الصناعة المحلية.

تأثير الخامات الصلبة في صناعة الأسمنت

تمتلك سوريا جميع العناصر والخامات اللازمة والفاعلة في صناعة الأسمنت، وفق ما أكده مدير المؤسسة العامة لصناعة وتسويق الأسمنت ومواد البناء (عمران)، محمود فضيلة، ل.

وقال إن المؤسسة العامة للجيولوجيا تقوم ببيع هذه الخامات وفق أسعار محددة، وتعمل “عمران” لإيصال رسالة إلى المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروات المعدنية، والوزارت المعنية بخفض قيمة المواد الأولية.

الرئيس التنفيذي لمجموعة “يعقوبيان” المحدودة المسؤولية، قسم التعهدات ومواد البناء، ياسر دلال، قال ل، إن أراضي ومقالع المواد الخام الأولية مملوكة من قبل الدولة، وتتبع إدارتها للمؤسسة العامة للجيولوجيا، وهي المسؤولة عن عقود الاستثمار والتسعير.

وبيّن أن الأسعار خلال السنوات السابقة كانت وسيلة للاستغلال والفساد، ومبالغ بها جدًا، مقارنة بأنها موجودة طبيعيًا ولا تكلف سوى المصاريف الإدارية، معتبرًا ذلك السبب الرئيس لارتفاع سعر طن الأسمنت في سوريا سابقًا.

وكشف دلال أن أسعار المواد الخام في الوقت الحالي لم تختلف عن السابق، وهي بحاجة لإعادة دراسة مستفيضة وتقييم من قبل المؤسسات المعنية للوصول لسعر أمثل يضمن حق الدولة والمواطن في ثروته الجيولوجية والمعدنية من جهة، ويضمن تطور صناعة الأسمنت لتكون أسعارها منافسة لدول الجوار مثل الأردن وتركيا من جهة أخرى.

ويضاف إلى سعر المواد الخام الذي تحدده مؤسسة “الجيولوجيا”، التكلفة العالية للنقل والآليات بين مناطق وجود الخامات ومصانع الأسمنت، لذلك تعد أماكن وجود الخامات الصلبة من أهم عوامل اختيار الموقع الجغرافي لمصنع الأسمنت، بحسب ما أكدته الأستاذة في قسم الجيولوجيا بكلية العلوم بجامعة “تشرين” أحلام ابراهيم، ل.

وتمتاز سوريا بتوفر أهم الخامات الصلبة الدالة في صناعة الأسمنت، كالحجر البازلتي، والحجر الكلسي، والجص، والرمل، والبوزولانا، والحديد الخام، والغضار.

وهناك خامات صلبة تعتبر مصدرًا للطاقة الحرارية، يتم استيرادها من الخارج، كالفحم الحجري الذي يستعمل في الفرن الدوار.

“الجيولوجيا” توضح

كشفت المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية توفر الخامات الصلبة، وعلى رأسها الكلس والبازلت والجص، بكميات كبيرة في معظم المحافظات السورية، مؤكدة أن هذه الخامات تشكل العمود الفقري لصناعة الأسمنت في سوريا، وأنها تخضع لرقابة جيولوجية وفنية مستمرة لضمان جودتها واستدامتها.

وحول أسباب ارتفاع أسعار المواد الأولية رغم توفرها محليًا، بيّن مدير عام المؤسسة، سراج الحريري، ل، أن تسعير المواد الخام يكون من عدة وزارات ومؤسسات حكومية بعد دراسات موسعة.

وأرجع ارتفاع الأسعار إلى عوامل تشغيلية ولوجستية، أبرزها ارتفاع تكاليف النقل والطاقة والصيانة، نتيجة تقلبات سعر الصرف وصعوبة تأمين المحروقات.

وأضاف أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا منذ سنوات طويلة، أثرت على توريد قطع الغيار والمعدات اللازمة لاستخراج وتصنيع المواد، ما أدى إلى انخفاض الكفاءة التشغيلية وارتفاع التكلفة.

كما أشار إلى أن بعض المواقع التعدينية تحتاج إلى إعادة تأهيل أو توسعة، وهو ما يتطلب استثمارات إضافية.

وكشف الحريري أن المؤسسة تعمل بالتنسيق مع عدة وزارات ومؤسسات حكومية، منها وزارة الاقتصاد والصناعة ووزارة المالية، على إعادة دراسة الأسعار، وتطوير آليات التسعير لهذه المواد، وإعادة تشغيل مواقع إنتاج متوقفة.

وقال إنه يمكن الحصول على نشرة أسعار المواد الأولية المعمول بها حاليًا من خلال مراجعة المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية.

كما يجري حاليًا إعداد خطة لتحديث مواقع المواد الخام، بما يسهم في تخفيض التكلفة وتحقيق أسعار تنافسية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأسمنت المستورد.

وعرض الحريري، في رده ل، بعض التحديات التي تعوق خفض أسعار هذه المواد وتتمثل في ما يلي:

  • ضعف البنية التحتية في بعض المناطق التعدينية.
  • ارتفاع تكاليف الطاقة والاعتماد على مصادر غير مستقرة.
  • الحاجة إلى تحديث الأنظمة الإدارية والمالية في بعض الشركات المنتجة.
  • تفاوت القدرة الشرائية بين القطاعين العام والخاص، ما يفرض تحديات في توحيد الأسعار.

ودعا وسائل الإعلام إلى مواكبة التطورات الإيجابية في قطاع الأسمنت، خاصة في ظل انطلاق مشاريع إعادة الإعمار، لافتًا إلى التزام المؤسسة والمعنيين بتأمين المواد الأولية لجميع الشركات المحلية والدولية الراغبة بالاستثمار.

عوامل أخرى تؤثر في الأسعار

تعتبر حوامل الطاقة أحد أهم عناصر التكلفة في صناعة الأسمنت، وهي تشكل قرابة 65% من تكلفة الإنتاج.

ارتفاع أسعار هذه الحوامل بالتزامن مع نقص مادة “الفيول”، يعتبر أهم التحديات والصعوبات التي واجهت صناعة الأسمنت في سنوات الحرب السورية، بحسب ما قاله الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش، ل.

وأضاف عياش أنه على الرغم من تحسن ظروف التشغيل نسبيًا في الأشهر الأخيرة، لجهة إمكانية توفر حوامل الطاقة، ظلت أسعارها تشكل عائقًا تنافسيًا مؤثرًا لصناعة الأسمنت المحلية.

وقال مدير المؤسسة العامة لصناعة وتسويق الأسمنت ومواد البناء (عمران)، محمود فضيلة، إن هناك بعض العوامل المؤثرة في سعر مادة الأسمنت في سوريا، كاحتياج السوق، وزيادة طلب المستهلك للمادة على الكمية المعروضة المتوفرة، وارتفاع أسعار الأسمنت في الأسواق الإقليمية.

فجوة بين الإنتاج والحاجة

يقدّر الطلب على الأسمنت في السوق السورية من 10 إلى 15 مليون طن سنويًا، وتبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية في سوريا حوالي 4.5 مليون طن سنويًا بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، ولا يغطي الإنتاج المحلي مع المستورد سوى أقل من 50% من الحاجة، وفق ما قاله الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس، في وقت سابق ل.

على خلاف فضيلة، يعتقد الجاموس أن ارتفاع الطلب على مادة الأسمنت في سوريا لن يؤثر بشكل كبير على ارتفاع سعره في السوق.

ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة، أهمها أن الطلب المتزايد قادر على استيعاب أي تغيرات سعرية، حتى في حال حدوث ارتفاع في الأسعار (وهو أمر غير مرجح برأيه)، ووجود استيراد من دول مجاورة يفرض سقفًا معينًا للأسعار على المستثمر الالتزام بها.

كما أن دخول بعض المعامل إلى الاستثمار سيخلق حالة تنافسية جديدة، ما يساعد على ضبط الأسعار أو حتى خفضها.

تعد صناعة الأسمنت من الصناعات الأساسية والضرورية في مرحلة التعافي وإعادة البناء والإعمار التي تمر بها سوريا، نتيجة الدمار الكبير في قطاع البناء والإنشاءات والبنى التحتية بعد حرب دامت أكثر من عشر سنوات.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.