في اليوم العالمي للتراث السمعي والبصري، الذي أقرته منظمة “اليونسكو” في 27 أكتوبر من كل عام، استضاف قصر البارون إمبان التاريخي بالقاهرة، معرضاً وندوة بعنوان “بيوت حقيقية لشخصيات خيالية”.
تناولت الندوة كيفية قيام السينما بتوثيق تراث المدينة ومعالمها. وتمّ عرض مجموعة مقاطع من الأفلام السينمائية التي جرى تصويرها في مصر الجديدة، في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وحتى العشرية الأولى من القرن الحالي.
كما تمّ استعراض طرز المباني التي تظهر في هذه الأفلام ومقارنتها بما وصلت إليه في الوقت الراهن. إذ شاهد الحضور التغييّر الذي طرأ على الشوارع والمباني، التي تحمل تصاميم مميّزة لمعماريين أوروبيين، ويمتدّ تاريخ بنائها إلى بداية تأسيس حي مصر الجديدة.
كما أظهرت الصور اختفاء بعض المباني بسبب الهدم، أو تغيّر ملامح مبانٍ أخرى، بسبب التعديلات التي طالتها، والتي تتعدّد أشكالها بداية من إضافة مزيد من الطوابق، أو تعلية الأسوار أو إضافة أبواب حديدية إلى المداخل، أو حتى تغيير تصاميم نوافذ المبنى، وواجهاته.
شهدت الندوة كيفية توثيق الأفلام السينمائية للتراث الحضاري المصري، والتركيز على الأفلام التي تمّ تصويرها في منطقة مصر الجديدة، إحدى المناطق التاريخية في القاهرة، التيبدأت معالمها في الظهور من خلال المليونير البلجيكي إدوارد إمبان. إذ وضع خطة، بداية القرن الماضي، لإقامة مشروع سكني جديد في صحراء القاهرة تحت اسم “هيليو بوليس”، مصر الجديدة حالياً. كما قرر إنشاء قصره فيها الذي جرى افتتاحه عام 1911.
الدكتور ميشيل حنا، الكاتب والروائي المهتم بتوثيق التراث المعماري المصري، شارك بأعماله المصوّرة في العديد من المعارض الفوتوغرافية بالقاهرة والإسكندرية ونيويورك. قال لـ”الشرق”: “جميع المواد المسموعة والمرئية تدخل في إطار التراث السمعي والبصري. ومن خلال هذا المعرض، قمنا باستعراض أحوال دور السينما في منطقة مصر الجديدة، من خلال الصور الفوتوغرافية”.
أضاف: “كما تمّ استعراض ما تبقى من هذه الدور التي يبلغ عددها حالياً 9 دور عرض، أغلبها تدهورت أحواله وتوقف عملها”.
وخلال الندوة، جرى استعراض عدد من النماذج المعمارية المميّزة لمصر الجديدة، منها فيلم “الوسادة الخالية” إنتاج عام 1957. إذ ظهر فيه المبنى المميّز في شارع غرناطة. ودار المسنّين أيضاً، الذي ظهر في فيلم “أرض الأحلام”، ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1957، وما يزال قائماً حتى اليوم.
كذلك مدرسة عاشور في فيلم “الناظر” عام 2000، وهي فيلا الدكتور علي إبراهيم باشا، أول عميد لكلية طب القصر العيني، الموجودة في حي جاردن سيتي، وهي من تصميم المعماري النمساوي أوسكار هورويتز.
كذلك فيلم “هدى” إنتاج عام 1959، وظهرت فيه عمارة نفرتيتي في شارع الخليفة المأمون. كما قدّم ميشيل حنا رحلة بحثه عن منزل محمود عبد العزيز في فيلم “الكيف”، وفيلا فيلم “عائلة زيزي” في شارع العروبة، التي لا تزال موجودة حتى اليوم، على الرغم من تغيّر ملامحها وارتفاع أسوارها الخارجية بشكل كبير. ومنزل الأستاذ شفيق في فيلم “في شقة مصر الجديدة”.
عندما تأسس حي مصر الجديدة كضاحية تقام وسط الصحراء، كان أحد عناصر جذب السكان للعيش فيها هو وجود المنطقة الترفيهية. وتضم مسارح ومنطقة سباق الخيل ودور العرض السينمائي، بحسب شكري أسمر، من مجموعة الحفاظ على تراث مصر الجديدة.
وأوضح أن هذه المدينة الترفيهية “كانت تضم 12 دار عرض سينمائي، اختفى 3 منها بعد هدمها. أما ما بقي منها، فيتوزّع بين دور العرض العادية، أو الصيفية “مفتوحة السقف”، ولكن أغلبها متوقف عن العمل حالياً”.
وأشار إلى أن أبناء المنطقة، يحلمون بإعادة هذه الدور إلى الحياة، أو على الأقل تحويلها إلى مراكز للعروض الفنية والثقافية.
تناولت الندوة أيضاً دور التكنولوجيا والرقمنة في الحفاظ على التراث السمعي والبصري من التدهور، وطالب المتحدثون “بضرورة وجود خطط على المستوى القومي لرقمنة جميع المواد المتاحة، بداية من الوثائق والمراجع التاريخية، وحتى الصور والأفلام، للحفاظ على التراث من الضياع وتمريره للأجيال القادمة”.
يقول الدكتور ميشيل حنا: “السينما، والصور وثائق تاريخية تحفظ ذاكرة المدينة للأجيال الحالية والقادمة، وخصوصاً في ظل ما يتعرّض له التراث المعماري في القاهرة والمدن المختلفة في مصر، منذ سنوات”.
ولفت إلى “التدمير المتواصل لهذا التراث، ليحل محله معمار لا يخضع لأي منطق، ولا يمثّل تاريخ القاهرة. لهذا فنحن نحاول التوثيق قدر الإمكان للأماكن والتراث المعماري الذي كان يميّز القاهرة. ويمكن القول إن كل منزل يتعرّض للهدم خسارة للمدينة ولذاكرتنا المشتركة”.
