تستعد الولايات المتحدة للإعلان عن استئناف شحنات شركة “نيكسبريا” (Nexperia BV) للرقائق من الصين، وهي خطوة يتوقع أن تخفف الأزمة التي أصابت صناعة السيارات العالمية بالشلل الجزئي خلال الأسابيع الماضية، وفق ما نقلت “بلومبرغ” عن مصدر مطلع على تفاصيل اتفاق تجاري جديد بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ونظيره الصيني شي جين بينج، خلال قمّتهما الأخيرة في كوريا الجنوبية.

وقال المصدر، الذي تحدث إلى “بلومبرغ” شريطة عدم الكشف عن هويته، إن إدارة ترمب تعد وثيقة رسمية تفصيلية لشرح بنود الاتفاق التجاري الثنائي، تتضمن آلية استئناف تصدير الرقائق من مصانع “نيكسبريا” الواقعة في الصين. 

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أول من كشف عن اتفاق مبدئي بين البلدين يشمل “ملف نيكسبريا” ضمن صفقة أوسع للتهدئة التجارية.

بدأت الأزمة عندما استحوذت الحكومة الهولندية الشهر الماضي على شركة “نيكسبريا”، وهي شركة هولندية مملوكة لمجموعة وينجتك (Wingtech) الصينية، بعدما وسّعت الولايات المتحدة قائمتها السوداء للتصدير لتشمل الكيانات التي تمتلك الصين فيها حصصاً مؤثرة.

وبحسب صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، جاء الاستحواذ الهولندي بدعوى “وجود أوجه قصور خطيرة في الحوكمة”، إذ اتهمت لاهاي المساهم الصيني المسيطر، تشانج شيوي تشنج، بإنشاء مصنع جديد في شنجهاي خارج إشراف “نيكسبريا”، وإجبارها على شراء إنتاجه رغم عدم الحاجة إليه.

وردّت بكين على الخطوة الهولندية بحظر صادرات “نيكسبريا” من الصين، علماً بأن ما بين 70 و80% من إنتاج الشركة يعالج داخل الأراضي الصينية قبل توزيعه على الأسواق العالمية، وفقاً لكل من “بلومبرغ”، و”وول ستريت جورنال”.

ونقلت “فاينانشال تايمز” عن وزارة التجارة الصينية قولها، السبت، إن بكين “ستأخذ في الاعتبار الظروف الفعلية لكل شركة، وستمنح إعفاءات للصادرات المؤهلة”، مشيرة إلى أنها ستُراعي أمن واستقرار سلاسل الإمداد المحلية والدولية.

وأضافت الصحيفة أن هذا التصريح يُعد أول تلميح رسمي إلى تراجع جزئي عن الحظر المفروض، بعد أن أدى نقص الرقائق إلى تهديد فعلي بإيقاف إنتاج السيارات حول العالم.

تأثير الأزمة على الصناعة العالمية

بحسب “بلومبرغ” استعدت كبرى شركات السيارات في أوروبا، وآسيا، وأميركا لاحتمال تقليص الإنتاج أو وقفه بالكامل، نتيجة تجميد الصادرات من مصانع “نيكسبريا” الصينية.

وبدأت مصانع في اليابان، وأوروبا بخفض الإنتاج، من بينها هوندا التي قلصت إنتاجها في أميركا الشمالية، بينما حذّرت فولكسفاجن من نفاد مخزونها من الرقائق خلال أيام، وفق ما أوردته “فاينانشال تايمز”.

وفي الولايات المتحدة، حذر اتحاد موردي السيارات الأميركي من أن الصناعة كانت على بُعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع فقط من توقف شبه كامل للإنتاج، بينما وصف الرئيس التنفيذي لشركة “فورد موتورز”، جيم فارلي، الوضع بأنه “مشكلة على مستوى القطاع بأكمله تتطلب حلاً سياسياً عاجلاً”.

وقالت “وول ستريت جورنال” إن تعليق صادرات “نيكسبريا” أدى إلى نقص حاد في الثنائيات والترانزستورات الأساسية؛ التي تُستخدم في أنظمة السيارات مثل عدادات السرعة، ووحدات الإضاءة، والتكييف، موضحة أن انتشار استخدام هذه المكونات يجعل من الصعب على الشركات إيجاد بدائل في المدى القصير.

الهدنة التجارية ومضمون الاتفاق

وجاءت الانفراجة بعد اللقاء الأول وجهاً لوجه بين ترمب وشي منذ عام 2019، والذي أفضى إلى اتفاق تجاري مبدئي تضمن بنوداً واسعة لخفض التوتر التجاري بين البلدين.

وبحسب “بلومبرغ”، نص الاتفاق على أن تؤجل الصين فرض قيود على تصدير المعادن النادرة، وتستأنف شراء فول الصويا، والمنتجات الزراعية الأميركية، مقابل خفض واشنطن الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى النصف، وتأجيل فرض رسوم بنسبة 100% كانت مقررة في نوفمبر، كما قررت الإدارة الأميركية تجميد بعض القيود على الشركات الصينية المدرجة في القوائم السوداء لمدة عام إضافي.

أما “وول ستريت جورنال”، فأشارت إلى أن الاتفاق تضمّن أيضاً تعهد الصين بالحد من تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل، في حين وافقت واشنطن على تأجيل فرض قيود تصدير إضافية على الشركات الصينية لمدة عام واحد.

واعتبرت الصحيفة أن هذا التفاهم يشكل هدنة تجارية مؤقتة أكثر من كونه تسوية دائمة، إذ ما تزال القضايا الجوهرية حول التكنولوجيا والملكية الفكرية معلقة.

الموقف الأوروبي ورد بكين

ذكرت “فاينانشال تايمز” أن الاتحاد الأوروبي رحّب بتعليق الصين للقيود على المعادن النادرة، واعتبر متحدث باسم المفوضية الأوروبية أن الخطوة “مناسبة ومسؤولة”، مشيراً إلى أن بروكسل عقدت، الجمعة الماضي، محادثات مع مسؤولين صينيين بشأن قضايا الرقابة على الصادرات، وملف “نيكسبريا”.

في المقابل، اتهمت وزارة التجارة الصينية الحكومة الهولندية بـ”التدخل غير المناسب في الشؤون الداخلية للشركة”، معتبرة أن قرار هولندا بالاستحواذ على “نيكسبريا”، هو ما تسبب في “الفوضى الحالية في سلاسل الإمداد العالمية”، وفق ما نقلت “فاينانشال تايمز”.

أما شركة “وينجتك” الصينية المالكة لـ”نيكسبريا” فقد وصفت الاستحواذ الهولندي بأنه “محاولة لتمهيد الطريق أمام شركة محلية لتتولى السيطرة”، محذرة من أن الشركة تواجه “تهديداً وجودياً” قد يؤدي إلى فقدان مئات الوظائف حول العالم.

أهمية “نيكسبريا”

تُعد “نيكسبريا” أحد أكبر منتجي الترانزستورات والرقائق الأساسية في العالم، وتُحقق إيرادات سنوية تبلغ نحو ملياري دولار، يأتي نحو 60% منها من قطاع السيارات، بحسب “وول ستريت جورنال”.

وتُدير الشركة منشآت تصنيع رئيسية في ألمانيا، والمملكة المتحدة، إضافة إلى مرافق للتجميع والاختبار في الصين والفلبين، وماليزيا، وتُرسل الرقائق الأولية التي تُنتج في أوروبا إلى جنوب الصين للتغليف قبل إعادة توزيعها عالمياً.

ويرى محللون تحدثوا إلى “بلومبرغ” أن الأزمة كشفت إلى أي مدى أصبحت أشباه الموصلات محوراً رئيسياً في النزاع التجاري الأميركي الصيني، إذ تسعى واشنطن إلى تقييد وصول بكين إلى التقنيات المتقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة، بينما تستخدم الصين هيمنتها على المعادن الأرضية النادرة كورقة ضغط مضادة على الأسواق الغربية.

حرب الرقائق

رغم التفاؤل الذي رافق إعلان استئناف الشحنات، اعتبرت “وول ستريت جورنال” أن الخطوة “تمنح الصناعة متنفساً مؤقتاً” لكنها لا تعالج جذور الخلاف، فيما حذّر محللون من أن “التهدئة الحالية قد لا تصمد طويلاً”، في ظل التنافس العميق بين واشنطن، وبكين على قيادة الصناعات التكنولوجية.

ويرى مراقبون في بروكسل، وطوكيو أن “اتفاق نيكسبريا” قد يشكل نموذجاً أولياً لتسويات جزئية بين القوتين في مجالات حساسة أخرى مثل الذكاء الاصطناعي والاتصالات، لكنه في الوقت ذاته يؤكد هشاشة التوازن الاقتصادي العالمي الذي باتت أشباه الموصلات أحد أعمدته الرئيسة.

شاركها.