حسن الستري
وزير خارجية قبرص: الحوثيون يستخدمون الدعاية السياسية لكسب التعاطف العالمي
سنغافورة: قطع كابلات البحر الأحمر كشف هشاشة البنية التحتية الرقمية
«الناتو»: البحار تنقل ٪90 من تجارة العالم وتتطلب شراكة أمنية عالمية
حذر مسؤولون وخبراء دوليون خلال الجلسة السادسة من «حوار المنامة» من تنامي التهديدات للأمن البحري العالمي، مؤكدين أن الهجمات المتزايدة في البحر الأحمر والمحيطات لم تعد مجرد أحداث إقليمية، بل باتت تمسّ استقرار الاقتصاد العالمي.
وأكد وزير الخارجية القبرصي د. كونستانتينوس كومبوس أن الحوثيين نجحوا في تحويل تهديداتهم من نطاق محلي إلى عالمي بفضل امتلاكهم آلة دعائية قوية، مشيراً إلى أن تراجع حجم التجارة في البحر الأحمر بنسبة 60% انعكس مباشرة على حركة الملاحة عبر قناة السويس والأسواق الدولية.
وفي السياق ذاته، شدد وزير الدولة الأول للدفاع في سنغافورة زاكي محمد على أن أي اضطراب في الممرات المائية الدولية يؤثر فوراً في الاقتصاد العالمي، لافتاً إلى أن قطع الكابلات البحرية في البحر الأحمر كشف هشاشة البنية التحتية الرقمية.
من جانبه، أكد نائب القائد الأعلى لقوات التحالف أوروبا في «الناتو» الأدميرال بلونت أن البحار تمثل شرايين الاقتصاد العالمي، وأن الحفاظ على أمنها يتطلب تعاوناً دولياً وتبادلاً فعالاً للمعلومات.
وقال وزير الخارجية بجمهورية قبرص د. كونستانتينوس كومبوس إن التهديدات التي يفرضها الحوثيون تجاوزت الإطار المحلي لتتحول إلى تهديد عالمي، بفضل امتلاكهم آلة دعائية قوية وقدرة على التكيّف، مشيراً إلى أنهم تبنّوا مواقف سياسية من بينها القضية الفلسطينية لتعزيز شرعيتهم وكسب التعاطف.
وأضاف، خلال الجلسة العامة السادسة من «حوار المنامة»، أن الأمن البحري مسؤولية إقليمية وعالمية، مشيراً إلى أن الهجمات التي ينفذها الحوثيون، رغم انخفاض كلفتها، تسببت بأضرار واسعة النطاق في مجالات عدة، واستحدثت عامل الخوف الذي أزعج الأسواق الدولية وأثر على التجارة البحرية، إذ شهد البحر الأحمر انخفاضاً حاداً في حجم التجارة بلغ نحو 60%، مع تراجع مماثل في حركة الملاحة عبر قناة السويس.
وأوضح الوزير أن تأثير هذه الهجمات على التضخم كان أقل مما كان متوقعاً، غير أن الشعور بالاطمئنان المفرط إلى السيطرة على التهديد غير مبرر، خاصة في ظل وجود تفاوت في استهداف السفن، إذ لا تُستهدف السفن الروسية أو الصينية بالوتيرة ذاتها، مما أدى إلى زيادة نشاطهما التجاري في المنطقة.
ولفت إلى أن سياسات الاتحاد الأوروبي ما زالت تُظهر فجوة واضحة؛ فبينما تُفرض العقوبات على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، لا تزال منطقة البحر الأحمر شبه مغفلة في الاستراتيجية الأوروبية.
ودعا د. كومبوس إلى تعزيز الخطط السياسية وعدم الاكتفاء بالحلول العسكرية، مشيراً إلى أن القرصنة البحرية تشهد ارتفاعاً مقلقاً، إذ نجحت نحو 60% من محاولات القرصنة في العام الماضي، فضلاً عن التهديدات المتزايدة الة بـ«الأسطول الشَبَحي» والهجمات على البنية التحتية الحيوية مثل كابلات الطاقة والاتصالات تحت البحر.
كما تناول الوزير ملف الصيد غير الشرعي الذي يمثل تجارة بمليارات الدولارات ويؤثر على الأمن البحري والاقتصادي في القارة الإفريقية وأوروبا على حد سواء.
وأكد أن قبرص التي ستتولى قريباً رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي ستضع الأمن البحري في صدارة أولوياتها، مشدداً على ضرورة الجمع بين البُعد السياسي والعسكري، وتكثيف التعاون مع الشركاء الإقليميين لتعزيز الأمن والاستقرار في البحار والممرات الاستراتيجية.
واستهل وزير الدولة الأول للدفاع بجمهورية سنغافورة زاكي محمد كلمته بالتأكيد على أن أي اضطراب في الممرات المائية الدولية ينعكس فوراً على الاقتصاد العالمي، موضحاً أن الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ في البحر الأحمر أصبحت تهديداً متنامياً، في وقت تتعرض فيه المنطقة والعالم لهجمات هجينة متطورة. وأشار إلى أن قطع أربعة كابلات بحرية في البحر الأحمر عام 2024 أثّر بشكل مباشر على نحو 70% من حركة البيانات بين آسيا وأوروبا، مما أبرز هشاشة البنية التحتية البحرية الحيوية.
وأكد أن التعاون الإقليمي والدبلوماسية هما السبيل الأمثل لمواجهة هذه التحديات، موضحاً أن سنغافورة تعمل عن قرب مع دول جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا وتايلند في دوريات مشتركة لمكافحة القرصنة في مضيق ملقا، أحد أهم الممرات التجارية في العالم، إذ تمر عبره ربع التجارة العالمية.
ولفت إلى أهمية التمارين البحرية المشتركة لبناء الثقة وتعزيز القدرة على العمل الجماعي، مشيراً إلى أن سنغافورة استضافت مؤخراً تمريناً شاركت فيه 17 دولة لتطوير قدرات الإنقاذ للغواصات، في إطار رفع الجاهزية الإقليمية.
وبيّن الوزير أن التعاون في مكافحة القرصنة في خليج عدن والبحر الأحمر يأتي انطلاقاً من قناعة سنغافورة بأن أمن البحار مصلحة عالمية مشتركة لا يمكن ضمانها من قبل قوة واحدة، وإنما عبر شبكات التعاون المتعددة الأطراف.كما شدد على أهمية الحوار بين الدول باعتباره ركيزة لبناء الثقة، مشيداً بمنصّات مثل «حوار المنامة» و»حوار شانغريلا» في تعزيز النقاش البنّاء بين الدول ذات المصالح الجيوسياسية المختلفة.
واختتم الوزير كلمته بالقول إن «فن الحكم اليوم يقوم على التوازن بين الوجود العسكري والتنمية المستدامة»، مؤكداً أن سنغافورة ستواصل العمل لبناء جسور التعاون، وتوريث الأجيال القادمة بحاراً آمنة وغير متنازع عليها.
من جانبه، أوضح نائب القائد الأعلى لقوات التحالف أوروبا حلف شمال الأطلسي الأدميرال بلونت أن الأمن البحري مسؤولية دولية مشتركة، ترتبط بطبيعة المحيطات والبحار التي تشكل شرايين الاقتصاد العالمي. فالبحار تحمل نحو 90% من تجارة العالم، وتنقل تقريباً كل بياناته الرقمية، ما يجعل أمنها أساساً للعولمة والاستقرار الاقتصادي.
وأشار إلى أن التحديات التي تواجه الأمن البحري كثيرة ومتنوعة، بدءاً من القرصنة وتهريب البشر والمخدرات والأسلحة، مروراً بالهجمات السيبرانية على أنظمة الملاحة والمرافئ، وصولاً إلى التهديدات للبنية التحتية تحت البحر. بعضها قديم، وبعضها مستجد في ظل التطور التكنولوجي الهائل.
وشدد على ضرورة توحيد الجهود والتوافق الدولي في إطار النظام القائم على القواعد، مبيناً أن الأمم المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول الخليج، كلها تلعب أدواراً تكاملية في هذا المجال.
ولفت إلى أن التحديات الجديدة مثل الكابلات والأنابيب البحرية تتطلب وعياً وتعاوناً أوسع، لأن تعقبها وحمايتها في أعالي البحار أمر معقد ومكلف. وأكد أن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول والمؤسسات أمر حيوي، رغم التحفظات المشروعة بشأن الاستخدام وسرية البيانات.
وأشار الأدميرال إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تتيح الصعود إلى السفن المشتبه بها في حالات القرصنة أو الأنشطة غير المشروعة، غير أن تطبيق ذلك عملياً صعب في ظل انتشار «الأساطيل الشبحية» التي تتخفى عن الرادار الدولي.
واختتم حديثه بالتأكيد على أهمية العمل المشترك والاستثمار في التكنولوجيا والوعي البحري لضمان فعالية أنظمة الحماية، داعياً إلى تعزيز الحوار والشمولية، وقال: «قد تكون البحار مسرحاً للمخاطر، لكنها أيضاً فضاء للفرص، ويجب أن نستخدم منصات مثل حوار المنامة للتأكيد على أن الأمن البحري هو مسؤولية عالمية مشتركة».
