في أوغندا، حيث وُلد زهران ممداني، يُحتفى باسمه اليوم بفخر، بينما يخوض سباق الترشح لمنصب عمدة نيويورك، كأول مسلم ومن أصول هندية يسعى لتولي هذا المنصب في تاريخ المدينة.
وقالت وكالة “أسوشيتد برس”، في تقرير أعدّته من العاصمة كمبالا، إنه في غرفة الأخبار بصحيفة “ديلي مونيتور” الأوغندية، حيث ظهر ممداني يوماً كمتدرب شاب، بدا خجولاً ومتواضعاً. وبحسب الصحافي أنجيلو إيزاما، فإن والد ممداني هو مَن رتّب له فترة تدريب في الصحيفة على أمل أن يُظهر ابنه اهتماماً أعمق بالشؤون الجارية.
ونقلت الوكالة عن إيزاما، الذي أشرف على تدريب ممداني عام 2007 في كمبالا، قوله: “لقد أخبرني بنفسه أنه كان مضطراً كل مساء للجلوس مع والده لمناقشة أحداث اليوم”.
وأضاف إيزاما أن ممداني كان يحلم بأن يصبح “صحافياً بارزاً”، مشيراً إلى أنه احتفظ برقم هاتفه في قائمة اتصالاته تحت هذا الوصف. وتابع: “رغم أن شغفه الأكبر كان بالرياضة، فإنه امتلك فضولاً لا يُشبع تجاه العالم من حوله.. كان فضولياً للغاية في شبابه، وهذه السمة سترافقه دائماً”.
وبعد مرور الأعوام، يقف ممداني، البالغ من العمر 34 عاماً، على أعتاب تحقيق خطوة غير مسبوقة، إذ قد يصبح أول عمدة مسلم لمدينة نيويورك، وأول أميركي من أصول هندية يتولى هذا المنصب.
ويخوض ممداني السباق في اليوم الأخير من التصويت المقرر الثلاثاء، في مواجهة الجمهوري كيرتس سليا، وحاكم نيويورك السابق أندرو كومو الذي يترشح مستقلاً.
وأشار إيزاما إلى أنه لم يُفاجأ بمسيرة ممداني الصاعدة في السياسة الأميركية، واصفاً إياه بأنه نموذج يُحتذى به، ليس للأوغنديين أو الأفارقة فحسب، بل للشباب في كل أنحاء العالم. وقال: “أعتقد أنه شخصية عالمية أكثر من كونه أوغندياً أو أميركياً”.
“عمق جذور ممداني الأوغندية”
ممداني وُلد في كمبالا عام 1991، وهو الابن الوحيد للأكاديمي محمود ممداني، الأستاذ في جامعة كولومبيا وأحد أبرز الباحثين في دراسات ما بعد الاستعمار، وللمخرجة السينمائية ميرا ناير، التي رُشّحت أعمالها لجائزة “الأوسكار”.
وتتوزع حياة العائلة بين الولايات المتحدة والهند وأوغندا، حيث تمتلك منزلاً على تل في أحد الأحياء الراقية بالعاصمة الأوغندية. وفي يوليو الماضي، اجتمعت العائلة هناك للاحتفال بزفاف زهران ممداني، في مناسبة أكدت عمق جذورهم الأوغندية، بحسب الوكالة.
وأشارت الوكالة إلى أن عدداً من الأوغنديين الذين عرفوا ممداني على مر السنين قالوا إنه، رغم عدم إتقانه التام للغة المحلية (اللوغندية)، فإنه يفهمها جيداً ويفتخر بأصوله الأوغندية.
وقال جوزيف بيانجا، أحد المشرفين السابقين على تدريب ممداني في “ديلي مونيتور”: “يجب ألا نكون فخورين بممداني فحسب، بل علينا أن نشعر بحماس كبير تجاه ما يحققه”.
وأضاف أن طموح ممداني يُشكّل له “تحدياً”، معتبراً تجربته “درساً” للشباب الأفارقة الذين يشعرون بالاغتراب عن السياسة، في ظل الاتهامات الموجّهة إلى قادة مسنين بالتمسّك بالسلطة، ومن بينهم الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، الذي يحكم البلاد منذ عام 1986.
وأشار إيزاما إلى أن ممداني “يمثل نموذجاً يُحتذى به يمكن أن يُلهِم إفريقيا المليئة بالمواهب”، مضيفاً: “لدينا سبب كبير للفخر”.
“صعود سريع”
وغادر ممداني أوغندا في طفولته، لكنه واصل زيارتها بانتظام، وقد حصل على الجنسية الأميركية عام 2018. وقبل انتخابه عضواً في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك عام 2021، كان ناشطاً في العمل المجتمعي بحي كوينز، حيث ساعد أصحاب المنازل المهددين بالطرد على مواجهة أزماتهم السكنية.
وذكرت “أسوشيتد برس” أن فوز ممداني على كومو في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي شكّل صدمة في الأوساط السياسية الأميركية، مشيرة إلى أن حملته الانتخابية تركّز على خفض تكاليف المعيشة، إذ يتعهد بتوفير حافلات مجانية، ورعاية أطفال مجانية، وتجميد الإيجارات في الشقق الخاضعة للضبط السعري، إضافة إلى إنشاء متاجر بقالة تديرها الحكومة، على أن تُموَّل هذه المبادرات عبر ضرائب تُفرض على الأثرياء.
وقد جذبت حملة ممداني اهتمام الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي زعم دون تقديم دليل أنه يقيم في الولايات المتحدة “بشكل غير قانوني”، فيما دعا بعض أعضاء الحزب الجمهوري إلى سحب جنسيته وترحيله.
وفي المقابل، ذكرت تقارير أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عرض أن يكون مستشاراً لممداني، كما حصل الأخير على دعم من زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز، ومن حاكمة نيويورك كاثي هوكول.
إلا أن الصعود السريع الذي يحققه ممداني في الولايات المتحدة لن يكون سهلاً تكراره في أوغندا، بحسب المحلل السياسي المستقل نيكولاس سينجوبا، الذي قال: “إن صعوده يثبت أن أميركا هي أرض الفرص للأحرار والشجعان، والمفارقة أن تحقيق ذلك في أوغندا يحتاج إلى خوض معركة شرسة، وكأنك تقتحم الأبواب بالقوة”.
									 
					