تشهد عدة ولايات أميركية، الثلاثاء، أول يوم انتخابي كبير منذ عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وهيمنة قيادته وسياساته على النقاش في كل سباق تقريباً، رغم غياب الرئيس الجمهوري بشكل مباشر عن الحملات الانتخابية، وسط تداعيات أكبر إغلاق حكومي تشهده الولايات المتحدة في تاريخها.
وتعد أكبر المنافسات الانتخابية في ولايتي فرجينيا ونيوجيرسي، وهما الولايتان الوحيدتان اللتان تنتخبان حكاماً هذا العام، فيما يصوت الناخبون في نيويورك لاختيار عمدة المدينة. وقد خسر ترمب في ولايتي فرجينيا ونيوجيرسي في الخريف الماضي، لكن الناخبين في كل منهما لديهم تاريخ في انتخاب الجمهوريين لمناصب عديدة على مستوى الولاية.
وتحالف مرشحو الحزب الجمهوري بشكل وثيق مع الرئيس، مراهنين على أن فوزه الكبير العام الماضي لا يزال بإمكانه توفير مسار للفوز هذه المرة، حتى لو كان الحزب الذي يشغل البيت الأبيض، يعاني عادةً في الانتخابات التي تجري خارج موسم الانتخابات الرئاسية.
وفي الوقت نفسه، يمكن أن يمهد الأداء القوي للديمقراطيين السبيل لعودة الحزب إلى الواجهة على الصعيد الوطني، حتى لو تبنى كبار مرشحيه مناهج مختلفة للغاية، من الالتزام بتوجهات معتدلة إلى تبني زيادة الإنفاق الحكومي. بكل إخلاص لتحسين حياة الناخبين.
أبرز المرشحين
في مدينة نيويورك، الأكبر من حيث عدد السكان في الولايات المتحدة، يواجه المرشح الديمقراطي لمنصب عمدة المدينة، زهران ممداني كلاً من الحاكم السابق أندرو كومو، الساعي إلى عودة سياسية بصفته مستقلاً، والجمهوري كيرتس سليوا في سباق انتخابات رئاسة بلدية المدينة. وربما يصبح ممداني الذي كان بالفعل هدفاً مباشراً لانتقادات ترمب، نجماً قومياً في حال انتخابه.
وفي نيوجيرسي، يواجه الجمهوري، جاك تشاتاريلي، المرشحة الديمقراطية، ميكي شيريل، في سباق على منصب الحاكم، يتركز على خفض تكاليف المعيشة، وموقف المرشحين من الرئيس ترمب.
وتشهد فرجينيا، منافسة بين الديمقراطية، أبيجيل سبانبرجر، ونائبة الحاكم الجمهوري، وينسوم إيرل-سيرز، على منصب حاكم الولاية، وسط محاولات الديمقراطيين لتحويل المقاطعات الحمراء إلى زرقاء، واستقطاب الناخبين المتأثرين بالإغلاق الحكومي وسياسات ترمب.
وأدلى أكثر من 735 ألفاً من سكان نيويورك، الاثنين، بأصواتهم مبكراً، قبل انتخابات عمدة المدينة، مسجلين أعلى نسبة إقبال على التصويت المبكر على الإطلاق في انتخابات غير رئاسية في نيويورك.
وفي كاليفورنيا سيقرر الناخبون ما إذا كانوا سيعيدون رسم خريطة مجلس النواب في الولاية، حيث يتطلع الديمقراطيون إلى مواجهة مسعى ترمب لإعادة تشكيل ميزان القوى في الكونجرس.
وتشهد عملية إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية للكونجرس، مرحلة حاسمة استعداداً لمعركة السيطرة على مجلس النواب الأميركي العام المقبل، حيث يصوت الناخبون على “الاقتراح 50″، لإعادة ترسيم الدوائر.
استفتاء على أداء ترمب
لم تطأ أقدام الرئيس ترمب أرض فرجينيا، أو نيوجيرسي للمشاركة في الحملات الانتخابية مع المرشحين الجمهوريين لمنصب حاكم الولاية وينسوم إيرل-سيرز، أو جاك سياتاريللي، ولكن من المرجح أن يُنظر إلى كلا السباقين باعتبارهما استفتاء على أداء ترمب حتى الآن، بحسب “أسوشيتد برس”.
فعلى مدار العام الماضي، هزت الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب، الاقتصاد العالمي، وهدد مشروع قانون ميزانيته “الكبير والجميل” المستشفيات الريفية وتغطية التأمين الصحي للملايين، وأطلق حملة ضخمة لتقليص القوى العاملة الفيدرالية، وأرسل الحرس الوطني إلى عدة مدن أميركية.
وكان الرئيس أعلن تأييده لسياتاريللي في سباق حاكم ولاية نيوجيرسي، لكنه لم يعقد سوى مؤتمرين عبر الهاتف لصالحه، أحدهما اجتماع ليل الاثنين. كما أجرى ترمب أيضاً مؤتمراً عبر الهاتف عشية الانتخابات لصالح المرشحين الجمهوريين في فرجينيا، لكنه لم يذكر إيرل-سيرز، وتحدث في الغالب لصالح مرشح الحزب الجمهوري لمنصب المدعي العام.
في وقت سابق من الحملة الانتخابية، لم يمنح ترمب إيرل-سيرز سوى تأييد فاتر، قائلاً إنه يدعم مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب الحاكم على الرغم من أنه لم يذكر اسمها.
وعلى الرغم من ذلك، كانت إيرل-سيرز، مدافعة شرسة عن ترمب وسياساته تماماً، كما كان سياتاريللي في نيوجيرسي.
على الرغم من ابتعاد ترمب، فإذا شهد الجمهوريين “ليلة جيدة” مع إعلان النتائج، من المؤكد أنها ستعتبر انتصاراً سياسياً لترمب ورؤيته “اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً” MAGA، وأي نتيجة مغايرة ربما تمنح الديمقراطيين بداية قوية، وإن كانت خاطفة، مع اقتراب انتخابات التجديد النصفية بعد عام.
استراتيجيات ديمقراطية جديدة
تمثل انتخابات الثلاثاء، اختباراً لفلسفتين ديمقراطيتين مختلفتين للغاية من قبل المرشحين؛ وهما تبني توجه معتدل، أو تبني وجهات نظر التيار الديمقراطي التقدمي، لكنه يقدم أيضاً سيناريو يمكن أن ينجح فيه كلاهما، أو لا ينجح أي منهما، ما يجعل استخلاص الاستنتاجات في المستقبل أكثر صعوبة.
ركز مرشحا الحزب الديمقراطي لمنصب الحاكم، النائب عن ولاية نيوجيرسي، ميكي شيريل، والنائبة السابقة أبيجيل سبانبرجر من ولاية فرجينيا، إلى حد كبير على الاقتصاد والسلامة العامة والرعاية الصحية، ونأيا بنفسيهما عن بعض سياسات الحزب الديمقراطي “الاشتراكية”.
وتعتقد مجموعة متزايدة من القادة الديمقراطيين، أن النهج المعتدل يحمل مفتاح إحياء الحزب بعد فوز الحزب الجمهوري بالبيت الأبيض ومجلسي الكونجرس العام الماضي، وربما يكون، الثلاثاء، مؤشراً رئيسياً على ما إذا كانوا محقين.
ووفق “أسوشيتد برس”، قلل كل من شيريل وسبانبرجر من دعمهما للأولويات التقدمية، ومقاومة هجوم ترمب على المؤسسات الأميركية، ونادراً ما ذكرت سبانبرجر اسم ترمب في حملتها الانتخابية. كما أن كلاهما لديه سيرة ذاتية تميل تجذب ناخبي الوسط.
أمضت شيريل عقداً تعمل قائدة مروحية في الخدمة البحرية قبل دخول الكونجرس، بينما سبانبرجر ضابطة سابقة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، قضت سنوات في الخارج تعمل متخفية، وكلاهما ركز على تاريخهما في مجال السلامة العامة للرد على هجوم الحزب الجمهوري بأن الديمقراطيين متساهلين مع الجريمة.
نجم جديد للديمقراطيين في نيويورك
ويختلف هذا النهج عن السباق على منصب عمدة مدينة نيويورك، حيث يجري تحفيز التقدميين من قبل زهران ممداني، وهو عضو مسلم في الهيئة التشريعية للولاية يبلغ من العمر 34 عاماً، ويعرف نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي، ويدعم التغييرات الجذرية لمعالجة عدم المساواة الاقتصادية.
واجتذبت أجندته الجريئة ونهجه، آلاف المتطوعين في نيويورك، ودفعت الديمقراطيين مثل السيناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز، والنائبة عن نيويورك ألكسندريا أوكاسيو كورتيز للقيام بحملة انتخابية لصالحه.
وفي الوقت نفسه، أثارت قلق بعض قادة الشركات والأصوات في المجتمع اليهودي، الذين يدعمون الديمقراطيين لكنهم يعارضون بعض تصريحات ممداني السابقة بشأن تكديس الثروات الشخصية، والموقف تجاه إسرائيل.
ويخوض ممداني سباقاً شرساً ضد الحاكم السابق أندرو كومو، الذي يخوض الانتخابات كمستقل بعد خسارته الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي أمام ممداني، فيما يتطلع المرشح الجمهوري كورتيس سليوا إلى تحقيق مفاجأة كبيرة.
وبينما يشعر العديد من التقدميين بسعادة غامرة، يتطلع بعض الجمهوريين في واشنطن بهدوء أيضاً إلى فوز ممداني.
وأطلقت لجان الحملات الانتخابية الجمهورية بالفعل، إعلانات هجومية ضد أكثر من 12 عضواً ديمقراطياً ضعيفاً في مجلس النواب في نيويورك، ونيوجيرسي تربطهم بممداني وسياساته.
في حين أيّد ترمب كومو، وكتب على منصات التواصل، مساء الاثنين: “سواء كنتم تفضلون أندرو كومو بشكل شخصي أم لا، لا خيار أمامكم حقاً. يجب أن تصوتوا له، وآمل أن يقوم بعمل رائع. فهو قادر على ذلك، وممداني ليس كذلك!”. يأتي هذا التأييد بعد أن انتقد ترمب ممداني بشكل يومي تقريباً.
تأثير الإغلاق الحكومي
يأتي يوم الانتخابات في خضم إغلاق حكومي امتد بالفعل لأكثر من شهر، فيما يلقي كلا الحزبين في الكونجرس باللائمة على بعضهما، ولا توجد نهاية بادرة وشيكة لتحقيق انفراجة.
وتعد فرجينيا موطناً لأكثر من 134 ألف موظف فيدرالي، والعديد منهم مُنحوا إجازات مؤقتة، أو أجبروا على العمل بدون أجر.
ويوجد في ولاية نيوجيرسي ما يقرب من 21 ألف موظف فيدرالي، وفق منظمة الشراكة من أجل الخدمة العامة غير الربحية، من إجمالي أكثر من مليوني موظف حكومي على مستوى البلاد. وكلا الرقمين أكثر من كافٍ للتأثير في انتخابات متقاربة.
في الوقت نفسه، قد يخسر ملايين الأشخاص المساعدات الغذائية الضرورية من برنامج المساعدة الغذائية التكميلية أو SNAP، ما يوفر للناخبين سبباً ملحاً آخر للتعبير عن استيائهم.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن الجمهوريين، الذين يسيطرون على الكونجرس والبيت الأبيض، يتلقون اللوم أكثر قليلاً من الديمقراطيين على الرغم من وجود الكثير من الإحباط الموجه لكلا الجانبين.
والأسبوع الماضي، اتخذ ترمب خطوة استثنائية بدعوة مجلس الشيوخ، إلى إلغاء قواعد “المماطلة” التي تتطلب حداً أدنى 60 صوتاً لإقرار التشريعات الرئيسية في محاولة لإجبار الحكومة على إعادة فتح أبوابها، على الرغم من أن قيادة حزبه تعتبر ذلك غير ممكن.
