أثار افتتاح المتحف المصري الكبير جدلًا واسعًا بين التيارات الفكرية في المجتمع، بين من يراه تمجيدًا لعصرٍ وثني، وبين من يعتبره تتويجًا لحضارة عظيمة تمتد جذورها إلى آلاف السنين.
لكن التوازن بين العقيدة الإسلامية والوطنية المصرية هو الموقف الأصدق والأعمق فهمًا للحدث، فالإسلام لا يعارض الاعتزاز بتاريخ الأوطان، بل يدعو إلى الاعتبار بالتجارب الإنسانية، كما قال تعالى: “قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُكَذِّبِينَ ” من سورة آل عمران آية (137).
إن المسلم حين يقف أمام آثار الفراعنة لا يعبدها، بل يتأمل فيها عبرة التاريخ ومهارة الإنسان المصرى القديم ؛ ويرى فيها كيف طغى فرعون فصار جسده آيةً للعالمين حيث قال تعالى: “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِـمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ “. من سورة يونس آية (92)، وكيف ترك المصريون إرثًا علميًا ومعماريًا يبهر العقول حتى اليوم. فزيارة المتحف الكبير ليست عبادةً للأصنام، بل تأملٌ في مسيرة الإنسان المصري وقدرته على الإبداع.

الوطنية والدين

 

وفي الوقت نفسه، فإن الوطنية ليست نقيضًا للدين، بل تجسيد لمبدأ الوفاء للأرض والانتماء للوطن الذي نشأ فيه الإنسان، فحب الوطن من الإيمان، والدفاع عنه واجب شرعي وأخلاقي.

من هنا، يظهر مفهوم “المسلم الوطني” الذي يجمع بين صفاء العقيدة وصدق الانتماء، فيرى في الحضارة المصرية القديمة مصدر فخرٍ إنسانيّ، لا عبادةً لرموزها، ويوازن بين احترام التاريخ والالتزام بالتوحيد.
إن افتتاح المتحف الكبير يجب أن يكون مناسبةً للتفكير لا للجدل، ولتأكيد أن الأمم العظيمة هي التي تعرف جذورها دون أن تنحني لها، وتستلهم من تاريخها قوةً لبناء مستقبلٍ يليق بمجدها،تأخذ من تاريخها العظيم القوة الدافعة للنهوض بمصرنا الحبيبة للحاق بأمم جاءت من بعدنا فيتعلمون منا ويسبقوننا.
لقد آن الأوان أن نجد أنفسنا اليوم حكاما ومحكومين آخذين بأسباب التقدم والرقى الذى لن يتحقق بتمجيد الماضى بل أخذ العبرة والخبرة والتجربة والتمسك بالمبادئ والمثل العليا من العدل والخير والحرية لنكون خير أمة أخرجت للناس.
“كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْـمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ “.من سورة آل عمران آية (110)
مهندس محمد الفيشاوى.
خبير التنمية البشرية.
دراسات عليا من المعهد العالي للدراسات الإسلامية.

شاركها.