على الرغم من المفاجأة التي حققها زهران ممداني، بفوزه في انتخابات عمدة نيويورك، كأول مهاجر من أسرة مسلمة يشغل هذا المنصب، وأول “اشتراكي ديمقراطي” تُقنع أجندته السياسية سكان المدينة متعددي الثقافات، إلّا أن الطريق أمامه يبدو محفوفاً بالتحديات السياسية والاقتصادية.

فبعد انتصاره مستنداً إلى قاعدة واسعة من الشباب والمهاجرين، يجد ممداني نفسه أمام اختبار صعب لتنفيذ وعوده الانتخابية، التي شملت تحسين السكن وتوفير الغذاء وتطوير النقل العام، إلّا أن عمدة نيويورك المنتخب سيحتاج إلى تمويلات كبيرة للوفاء بوعوده، وهو ما رأى محللون تحدثوا لـ”الشرق”، أنها ستكون مهمة شاقة وصعبة، وذلك وسط مواجهة محتدمة بين ممداني والبيت الأبيض.

تلك المواجهة التي بدأت بوصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب لممداني بأنه “شيوعي مجنون”، ووصلت إلى تهديد صريح بإرسال الحرس الوطني إلى نيويورك، وقطع تمويل فيدرالي عن المدينة، إذا ما انتخب الناشط الشاب عمدة لها.

أجندة اشتراكية طموحة.. هل تصمد؟

في بداية العام الحالي، ظهر زهران ممداني، المشرّع الشاب في مجلس ولاية نيويورك التشريعي، في مقطع مصور له، على أحد الشواطئ العامة في بروكلين، وذلك بعد شهرين فقط من إعلانه خوض الانتخابات لشغل منصب عمدة مدينة نيويورك.

آنذاك، أعلن السياسي المعروف بحضوره المؤثر عبر منصات التواصل الاجتماعي، عن إحدى أبرز ملامح برنامجه الانتخابي، قائلاً: “سأُجمد إيجاراتكم إن صرت عمدةً لنيويورك”.

وسرعان ما لمس حديث ممداني مشكلة يعانيها الكثيرون من سكان المدينة، حيث بلغ متوسط الإيجارات في نيويورك نحو 3500 دولار أميركي، وهو ما جعل أكثر من 53% من أسر المدينة مثقلين بأعباء الإيجار، وفقاً لتقديرات حكومية.

وأملاً في تحقيق ذلك الوعد الانتخابي، رجّح توماس بوين، استراتيجي الحملات الانتخابية، أن يلجأ عمدة نيويورك زهران ممداني إلى “تجميد الإيجارات”، استناداً إلى تشريعات قائمة، تمنحه صلاحية ذلك.

كما لا يُعد “تجميد الإيجار” فكرة جديدة على الولايات المتحدة، ففي عام 2015 سعى مجلس إرشادات الإيجار الحكومي لتطبيقها. وبينما ساعدت تلك السياسة في تقليل أعداد المتعثرين عن سداد الإيجارات، بحسب تقارير صحافية، أدّى ذلك إلى انقطاع الخدمات وتوقف المرافق وتلقي المستأجرين تهديدات بالإخلاء.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بكلية هانتر في جامعة نيويورك أندرو بولسكي أنه “قد تأتي خطة ممداني للسيطرة على قيم الإيجار في مدينة نيويورك بنتائج عكسية، إذ من المحتمل أن تثني المطورين العقاريين عن بدء مشاريع بناء جديدة”.

ولتعويض تباطؤ القطاع الخاص، ربما تلجأ نيويورك، تحت إدارة ممداني، إلى بناء مساكن عامة بأسعار “معقولة”، وهو أمر يراه بولسكي “مكلفاً” بدرجة تفوق قدرة المدينة على تمويله. ما يثير إحدى أبرز العقبات في طريق العمدة الجديد.

النقل العام المجاني.. فكرة مثالية أم عب مالي؟

وشملت وعود زهران ممداني الانتخابية، توفير حافلات نقل جماعي “سريعة ومجانية”، وهي الفكرة التي نجح السياسي الشاب في تمريرها على نطاق ضيق خلال مسيرته في المجلس التشريعي لولاية نيويورك، قبل أن يقرر تعميمها عند انتخابه عمدة للمدينة.

ورغم تحذيرات نشطاء النقل العام من أن تؤثر مجانية الحافلات على جودة الخدمة المقدمة وسرعة التردد، إذ تشير تجارب مدن أميركية أخرى، منها كنساس سيتي وبوسطن إلى أن إلغاء التذاكر يعني فجوة كبيرة محتملة في الإيرادات يجب تغطيتها من ضرائب أو موازنة أخرى.

في المقابل، توقع توماس بوين أن يُحرز ممداني “تأثيراً ملموساً” بتكلفة النقل العام في المدينة الأميركية التي يبلغ عدد سكانها 8.5 مليون نسمة، لكنه رجّح أن تتعثر بعض برامج عمدة نيويورك المنتخب، نظراً لصعوبة إطلاق برامج حكومية، لا سيما في المجالات التي “يهيمن عليها القطاع الخاص القوي”.

وتبرز هيمنة القطاع الخاص باعتبارها سمة عامة في غالبية القطاعات الاقتصادية بمدينة نيويورك، خاصة القطاع المالي، والتكنولوجيا والخدمات الرقمية. 

ولا يعد قطاع البناء والعقارات استثناءً لتلك الهيمنة، إذ احتلت مدينة نيويورك المرتبة الأولى على مستوى الولايات المتحدة في حجم استثمارات القطاع العقاري، بأكثر من 33 مليار دولار في 2024، ضخها المطورون في منطقة Tri-State، التي تمتد على 3 ولايات، تضم نيويورك ونيوجيرسي وكونيتيكت.

وبينما تضم المدينة أكثر من 3.7 مليون وحدة سكنية، لا يمتلك جهاز الإسكان الحكومي بنيويورك سوى نحو 178 ألف منها، وفقاً للتقرير السنوي لمجلس إرشادات الإيجار بالمدينة.

بقالات المدينة.. مشروع رمزي أم حل واقعي؟

إلى جانب الحافلات المجانية والإيجارات المثبّتة، تبقى خطة ممداني لإنشاء “سلسلة من البقالات المملوكة للمدينة” إحدى أكثر الوعود إثارة للجدل بين اقتصاديين يتمسكون بمبادئ “السوق الحر”، ومستهلكين يشتكون من زيادة في أسعار الأغذية تراوحت بين 5 و8.9% خلال العام الماضي.

لكن أستاذ السياسة، أندرو بولسكي، يعتقد، بحسب حديثه لـ”الشرق”، أن تدشين عدد من متاجر الأغذية التي تديرها المدينة “لن يُحدث فرقاً يُذكر” في تكلفة الغذاء بنيويورك.

وتجاوز إنفاق الأسر في مدينة نيويورك بين 2022 و2023 نحو 11.3 ألف دولار سنوياً على الأغذية، وفقاً لتقديرات حكومية، وهو ما يتجاوز المتوسط الوطني البالغ نحو 9.7 ألف دولار.

ولذلك استبعد بوين أن تنجح خطة عمدة نيويورك الجديد، الرامية إلى إنشاء “متاجر بقالة حكومية”، لأنها تستلزم وجود برنامج حكومي له تمويل مرصود لتنفيذه.

واقترح ممداني أن تربط تلك المتاجر المستهلكين بالمنتجين والمزارعين، فيما تُعفى بضائعهم من الضرائب، ما سيوفر، وفقاً لمقترح السياسي الشاب، ملايين الدولارات ستترجم إلى أسعار مخفضة للسلع التي تبيعها متاجر المدينة.

تحديات سياسية.. وعود ممداني وتهديدات ترمب

وفي خطاب ألقاه عشية الانتخابات، دافع ممداني عن مدى قابلية بنود أجندته للتنفيذ، قائلاً “لو بيّنت تلك الحملة أي شيء للعالم، سيكون أن أحلامنا يمكنها أن تصبح حقيقة”.

لكن عقبات مختلفة قد تقف أمام السياسي الطموح لتحقيق ذلك البرنامج، وفي مقدمتها، توفير التمويل اللازم لتنفيذ أجندة “تكلفة المعيشة الميسورة”.

وكان ممداني صرّح مراراً في حوارات تلفزيونية ومناظرات سياسية، بأنها مسألة “سهلة الحل”، وحلّها يكمن في فرض زيادة في الضرائب بواقع 2% على الأثرياء في المدينة، ممن يتجاوز دخلهم السنوي المليون دولار.

ومع ذلك، فأيدي ممداني لن تكون مطلقة في مسألة الضرائب، فبحسب أندرو بولسكي، أستاذ العلوم السياسية بكلية هانتر، يمتلك عمدة نيويورك “صلاحيات محدودة” بموجب دستور الولاية وقوانينها، فيما يخص فرض الضرائب، وبالتالي، فإن رفع ضريبة قائمة أو فرض ضريبة جديدة، يحتاج إلى موافقة تشريعية من الهيئة التشريعية للولاية وحاكمتها الحالية.

في ألباني، عاصمة ولاية نيويورك، تنتظر ممداني اعتبارات سياسية معقدة، فبحسب توماس دي لوكا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فوردهام، تسعى الحاكمة الديمقراطية كاثي هوكول لإعادة انتخابها العام المقبل، ولذلك فمن المستبعد، أن ترغب في “مواجهة الجناح اليساري” داخل الحزب الديمقراطي، والذي ينتمي إليه ممداني، في أثناء سعيها للحصول على ترشيح الحزب.

مهمة صعبة.. ولكن ليست مستحيلة

من هذه الجهة، رّجح دي لوكا، في حديثه لـ”الشرق”، ألا تعارض حاكمة نيويورك تقديم المساعدة إلى ممداني، لكنه اعتبر في الوقت ذاته أن قرارها لن يكون بتلك السهولة، ذلك أن زيادة الضرائب ستكون قراراً لن يستقبله الأثرياء بالترحيب نفسه، وعندها قد تفقد هوكول تلك الشريحة من الناخبين والداعمين.

ورغم هذه المعضلة، رأى لوكا أن فرص ممداني في النجاح، ستظل مرهونة بتقديم “برامج معقولة” للتغيير، واصفاً مهمة عمدة نيويورك المنتخب بأنها “صعبة ولكنها ليست مستحيلة”.

كما أن هناك عقبة أخرى في انتظار ممداني، تتمثل في موقف الرئيس دونالد ترمب المتشدد من السياسي الديمقراطي الشاب، المنحدر من أسرة مسلمة والذي يحمل أفكاراً دأب ترمب على وصفها بـ”الشيوعية”.

وبمجرد فوز ممداني بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، مرشحاً لمنصب عمدة نيويورك، أواخر يونيو الماضي، سارع ترمب إلى وصف السياسي الشاب بـ”الشيوعي المجنون” الذي يمثل خطراً على المدينة التي تُعتبر مركزاً رئيسياً للمال والأعمال في العالم.

ومع حصول ممداني على ترشيح الحزب الديمقراطي رسمياً، كشفت صحيفة “نيويورك بوست” عن ضغوط مارسها البيت الأبيض على المرشح الجمهوري، كورتيس سليوا، للانسحاب من الانتخابات، كي لا تتفتت الأصوات بينه وبين مرشح ثالث، هو الديمقراطي أندرو كومو، حاكم ولاية نيويورك السابق، الذي خسر الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمصلحة ممداني، فقرر خوض الترشح مستقلاً.

لاحقاً، أعلن ترمب دعمه لكومو، رغم استمرار سليوا، المرشح الجمهوري، في السباق. وفي حوار مع برنامج “60 دقيقة”، على شبكة “CBS” الأميركية، عشية انتخابات نيويورك، قال ترمب، إنه فضّل دعم كومو رغم أنه “ديمقراطي سيئ” لتجنب فوز ممداني “الشيوعي” بتلك الانتخابات.

وينبئ انتخاب ممداني عمدةً لنيويورك بتصاعد المواجهة مع البيت الأبيض، إذ هدد ترمب في مناسبات مختلفة، بأنه قد “يضطر” إلى حجب تمويلات فيدرالية عن المدينة حال انتخاب ممداني، كما ألمح إلى إمكانية إرسال قوات من الحرس الوطني إلى هناك.

ووفقاً لبيانات ولاية نيويورك الرسمية، يصل حجم التمويل الفيدرالي الذي تحصل عليه مدينة نيويورك حوالي 7.5 مليار دولار، وبحسب توماس دي لوكا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فوردهام، فإن هذه الأموال تُوجّه لقطاعات مثل التعليم والخدمات الاجتماعية ورعاية الأطفال، “وهي أمور تبدو في ظاهرها غير مثيرة للجدل”.

رغم ذلك، يعتقد دي لوكا، أن ترمب قد يتدخل لوقف جزء من هذا التمويل، أو لجعل الوصول إليه أكثر صعوبة، وهو ما “ترفضه المؤسسات في المدينة” والتي ستنحاز إلى صف ممداني.

وخلال احتفاله مع أنصاره بالفوز، قللّ عمدة نيويورك المنتخب من تهديدات ترمب، قائلاً: “ارفع صوتك”. متعهداً بمواجهة أي قرارات قد يتخذها الرئيس بشأن وقف أو تقليص التمويل الفيدرالي، أو إرسال قوات من الحرس الوطني إلى المدينة.

أما التحدي الذي يظهره ممداني في وجه الرئيس الأميركي، يفسره توماس بوين، استراتيجي الحملات الانتخابية، بأنه “اطمئنان” بأن تصريحات ترمب “ليست مصدر قلق كبير”، لافتاً إلى أن المحاكم الفيدرالية ألغت بالفعل “العديد من القرارات” التي اتخذتها إدارة ترمب في مدن وولايات مختلفة.

نيويورك تحت الضغط

لكن تلويح ترمب بإرسال الحرس الوطني أو قطع التمويل لا يقف عند حدّ التهديد الشفهي، فيرى أستاذ العلوم السياسية، أندرو بولسكي، أن الرئيس ربما ينفّذ تهديده بالفعل، بإرسال قوات الحرس الوطني لـ”فرض النظام”، مثلما فعل في ولايات ومدن أميركية أخرى على مدار الأشهر الأولى من ولايته الحالية.

وفي يونيو الماضي، أمر ترمب بنشر 4 آلاف من الحرس الوطني، و700 من قوات المارينز في مدينة لوس أنجلوس خلال احتجاجات ضد عمليات ترحيل المهاجرين، كما أعلن حالة الطوارئ في العاصمة واشنطن، ونشر نحو 800 جندي من الحرس الوطني بدعوى ضبط الأمن.

فيما برر ترمب إرسال قوات الحرس الجمهوري في مناسبات مختلفة بسعيه لمواجهة الشغب المسلح، وهو ما يسمح به قانون “التمرد” الأميركي. وهو القانون ذاته الذي قال ترمب إنه قد يلجأ إلى تفعيله إن اضطُر لذلك في حال انتخاب ممداني.

وربما “لن يختلف نهج ترمب تجاه مدينة نيويورك”، مثلما رجّح بولسكي، في ظل حالة من الاستقطاب الحزبي الذي تعيشه الولايات المتحدة.

وقال أستاذ العلوم السياسية، توماس دي لوكا، إن ترمب “صوّر ممداني على أنه وجه للحزب الديمقراطي”، ثم بدأ يهاجمه باعتباره شيوعياً، ليسهل بعد ذلك مهاجمة الديمقراطيين جميعاً “باعتبارهم مجموعة من الشيوعيين اليساريين المتطرفين، أو بأي شكل يصفه ترمب وأعوانه”.

ورأى أن اشتعال المواجهة بين ممداني وترمب، عبر محاولة إدارة الرئيس الأميركي “إلحاق الضرر” بنيويورك، “سيكون ذا أثر محدود” على العمدة المنتخب، وربما “يجعله بطلاً شعبياً، ويزيد شعبيته داخل المدينة التي لا يحظى فيها ترمب بشعبية كبيرة”.

وبحسب استطلاع رأي أجرته كلية إيمرسون، في مايو الماضي، ضمن مسح لآراء سكان المدينة بشأن انتخابات عمدة نيويورك، لم يحصل ترمب على تقييم إيجابي، سوى من 27% من المشاركين في الاستطلاع، مقابل 69% أبدوا تقييماً سلبياً نحوه.

وأضاف بولسكي: “لا يحتاج ترمب سوى الابتعاد عن المشهد. أما ممداني فقد يتعثر بمفرده في تنفيذ وعوده الانتخابية، أو يخفق في تجاوز العقبة الكبرى أمامه والمتمثلة في إقناع حاكمة الولاية ومجلسها التشريعي بتمرير قوانين تمكنه من فرض مزيد من الضرائب على الفئات الأعلى دخلاً”.

إلّا أن ابتعاد ترمب أو اكتفائه بمراقبة ممداني عن بعد يظلان أمرين مستبعدين، من وجهة نظر بولسكي، إذ أشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن الرئيس لم يظهر قدرة على “ممارسة ضبط النفس”.

بدوره، رأى أستاذ القانون الدستوري بجامعة هوفسترا، إيريك م. فريدمان، أن تهديدات ترمب تطابق نهجاً اتّبعه منذ إدارته الأولى، في مواجهة المدن والولايات “الزرقاء”، التي يديرها خصومه الديمقراطيون، ممن يرفضون الالتزام بسياساته الفيدرالية، خاصة المتعلقة منها بملف الهجرة.

وأظهرت دراسة صدرت عام 2019 عن جامعة جورج مايسون الأميركية، أن إجراءات ترمب ضد ما يُعرف بـ”مدن الملاذ الآمن” أسفرت عن صدور سلسلة من الأحكام القضائية التي تحمي حكومات الولايات والحكومات المحلية، مما يوصف بـ “الإكراه الفيدرالي”.

وتثير تلك الأحكام تساؤلات حول امتلاك الرئيس صلاحيات مطلقة للضغط على نيويورك لمواجهة أجندة ممداني، التي يصفها بـ”الشيوعية”.

هل يملك ترمب صلاحيات وقف التمويل؟

خلال الأشهر الأولى من ولايته الثانية، لم يكتف الرئيس الجمهوري بإطلاق تصريحات نارية ضد خصومه الديمقراطيين، من حكام الولايات أو المشرعين.

وفي حديث لـ”الشرق”، قال أستاذ القانون الدستوري بجامعة كورنيل، مايكل دورف، إن “ترمب اتخذ إجراءات تُبرز استعداده لما يوصف بالانتهاكات، وذلك عبر حجب أموال أقرّها الكونجرس”.

وكان تهديد ترمب لحاكمة ولاية مين الديمقراطية، جانيت ميلز، بحجب تمويل التعليم عن ولايتها “ما لم تتّبع أوامر تنفيذية” أصدرها الرئيس لمنع مشاركة الرياضيات المتحولات جنسياً في فرق الفتيات، وهو ما ردت عليها ميلز قائلة: “بيننا المحاكم”.

وأفادت تقارير صحافية في أبريل الماضي، أن الرئيس بدأ إجراءً إدارياً لقطع التمويل الفيدرالي المخصص لقطاع التعليم في ولاية مين، بسبب “رفض الولاية الامتثال لمطالب تتعلق بالقانون الفيدرالي”، وفيما جُمّد ذلك التمويل مؤقتاً، فقد استعادتها الولاية عبر تسوية بين الجانبين.

وفي حالات أخرى، تدخلت المحاكم الفيدرالية ومحاكم الاستئناف، بأحكام قضت بأن تعيد إدارة ترمب تمويلاً كانت قررت حجبه عن وكالات أو جهات متعاقدة مع الحكومة.

“إكراه الولايات”

وفي حديث لـ”الشرق” قال دورف، إن إجراءات ترمب التي اتخذها منذ بداية عهدته الرئاسية الحالية، تجعل القيود القانونية “غير ذات أهمية تٌذكر” في حالات وقف التمويل، مرجحاً أن يتجه ترمب نحو اتخاذ ذلك القرار، دون النظر إلى مدى قانونيته.

من جانبه، أوضح توماس بوين أن الكونجرس الأميركي هو “صاحب الصلاحية” في إقرار أو إلغاء التمويلات الحكومية، وتابع: “إذا أقر الكونجرس قانوناً لتمويل برنامج ما، ووقّع عليه الرئيس، فلا يجوز إلغاء تلك المخصصات أو تقليصها، إلا من خلال قانون جديد يوافق عليه الكونجرس”.

كما شكّك فريدمان في دستورية بعض الإجراءات التي لمّح ترمب لاتخاذها، قائلاً إن إدارة الرئيس “قد تعلن أن مدينة نيويورك لن تتلقى تمويلاً لقطاع النقل العام أو قسائم الغذاء (Food Stamps)، ما لم تدقق في الوضع القانوني لكل مستفيد من تلك الخدمات”.

وأشار فريدمان إلى أن القانون والدستور هما المعياران في هذه الحالة، فإن لم يكن منصوصاً على ذلك شرط “التدقيق في الوضع القانوني للمستفيدين”، فعندها “لا يمكن حجب الأموال على هذا الأساس”. وأضاف: “في المقابل، إن احتواء قانون النقل على هذا الشرط، قد يسمح للحكومة الفيدرالية بحجب تمويل النقل فقط، لكنها إن حجبت تمويلاً آخر متعلقاً بقسائم الغذاء أيضاً لنفس السبب، فسيكون إجراؤها غير دستوري”.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري أن قطع التمويل عن برنامج حكومي ما كعقوبة لعدم التزام الولاية أو المدينة بشرط برنامج آخر، يدخل ضمن ما يُعرف بـ”إكراه الولايات”، وهي مسألة قضت المحكمة العليا عام 2012 بعدم دستوريتها.

شاركها.