غزوان المصري خاص اخبار تركيا
شهدت العاصمة عمّان زيارة رسمية مهمة لوزير التجارة التركي، السيد عمر بولاط، على رأس وفد اقتصادي رفيع، حيث عقدت اللجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا والأردن اجتماعات مثمرة، بحثت فيها آفاق التعاون التجاري والصناعي والاستثماري بين البلدين. وقد حظيتُ بشرف مرافقة الوفد الرسمي خلال هذه الزيارة، التي حملت في تفاصيلها مؤشرات واضحة على دخول العلاقات الاقتصادية الأردنيةالتركية مرحلة جديدة من العمل الجاد والتخطيط الاستراتيجي.
اللقاءات الرسمية التي عقدت في عمّان كشفت عن رغبة حقيقية من الجانبين في توسيع التعاون الاقتصادي، ليس فقط في إطار التبادل التجاري التقليدي، بل عبر مشاريع كبرى تعيد رسم خريطة النقل والتجارة في المنطقة. وتم الاتفاق على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، النقل، الزراعة، الصناعة، المناطق الحرة، والتجارة العابرة للحدود.
لكنّ ما يميز هذه الزيارة حقًا هو البعد الإقليمي الذي طغى على النقاشات، خاصة فيما يتعلق بفتح مسارات جديدة للتجارة عبر سوريا، وتفعيل خط الترانزيت من خلال بوابة نصيب من الجهة الأردنية، ومعبر باب الهوى من الجانب التركي، وهو المعبر البري الأهم الذي يربط تركيا بأوروبا من جهة، وبالأسواق الخليجية من جهة أخرى.
بوابة نصيب وباب الهوى: عودة الشريان التجاري الإقليمي
يُعدّ تفعيل خط الترانزيت عبر سوريا خطوة محورية في تعزيز حركة التجارة الإقليمية. فمعبر باب الهوى يشكّل البوابة الأساسية للشاحنات التركية المتجهة إلى الشرق الأوسط، بينما يمثّل معبر نصيب نقطة الربط الحيوية بين سوريا والأردن وصولًا إلى الخليج.
إعادة تشغيل هذا الخط الاستراتيجي تعني:
تقليص زمن وكلفة النقل بين تركيا والخليج.
إعادة ربط الموانئ التركية بالأسواق العربية بشكل مباشر.
فتح مسارات جديدة للصادرات الأردنية نحو أوروبا عبر تركيا.
دعم المناطق الصناعية في سوريا وتنشيط سلاسل التوريد الإقليمية.
إحياء مشروع سكة حديد الحجاز: من الماضي إلى المستقبل
أحد الملفات اللافتة في الزيارة كان إعادة البحث في إحياء سكة حديد الحجاز، المشروع التاريخي الذي ربط إسطنبول بالحجاز مرورًا بسوريا والأردن. هذا المشروع، في حال إعادة تشغيله تدريجياً، سيفتح الباب أمام:
شبكة نقل آمنة ومنخفضة التكلفة بين دول المنطقة.
ربط خطوط السكك الحديدية التركية بالأسواق العربية مباشرة.
خلق ممر اقتصادي جديد يزيد من قدرات اللوجستيات في سوريا والأردن.
مشاهداتي خلال الزيارة: جدية واضحة وثقة متبادلة
خلال اللقاءات التي حضرناها، لاحظتُ مستوى عالياً من الجدية لدى الجانبين الأردني والتركي. فهناك إدراك مشترك بأن المستقبل الاقتصادي للمنطقة يعتمد على فتح ممرات جديدة للتجارة والطاقة، وعلى تنشيط التعاون الثلاثي المتكامل مع سوريا.
زيارة تحمل أبعادًا رمزية: السلط ونُصُب الشهداء
رافقنا الوزير بولاط في زيارة نُصُب الشهداء الأتراك في مدينة السلط، حيث يرقد نحو 300 جندي عثماني قضوا عام 1917 في معارك الدفاع عن المنطقة. كانت الزيارة فرصة لتجديد رمزية العلاقة التاريخية بين الشعبين، وتعزيز قيم الوفاء والذاكرة المشتركة، مما أضفى على الزيارة الرسمية بُعدًا إنسانيًا وتاريخيًا عميقًا.
خلاصة
إن زيارة وزير التجارة التركي للأردن لم تكن لقاءً بروتوكوليًا عابرًا، بل خطوة استراتيجية نحو مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي تقوم على بدء تشغيل ممرات الترانزيت عبر سوريا، والتقدم نحو إحياء مشروع سكة حديد الحجاز. مشروعان سيغيران وجه المنطقة اقتصاديًا، وسيُسهمان في ترسيخ الاستقرار والتنمية.
إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة رسم الممرات التجارية بين آسيا وأوروبا والخليج، ولتحويل منطقتنا إلى محور اقتصادي عالمي قائم على التعاون والثقة والمصالح المشتركة.
