انخرطت واشنطن مع حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع، بهدف إعادة توجيه خصم أمريكي قديم، مدعوم لعقود من قبل روسيا وإيران، نحو الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين في الخليج وتركيا وإسرائيل، وفق تقرير نشره معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، مساء الجمعة 7 تشرين الثاني.
ويرى التقرير أن عدة عوامل عارضت طريق هذا التحول، كأنشطة الرئيس الشرع السابقة في قتال القوات الأمريكية؛ وقيادته لـ”هيئة تحرير الشام”، وسلسلة من العقوبات ضد سوريا والنظام السابق تعود إلى إدراج سوريا في قائمة واشنطن الافتتاحية للدول الراعية للإرهاب في عام 1979.
التقرير كشف أنه في آذار الماضي، أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية حكومة الشرع بثمانية أسئلة، أجابت عليها دمشق بالتفصيل، وفي اجتماع الرياض في أيار الماضي، أعيدت صياغة هذه النقاط إلى خمس:
- الانضمام إلى اتفاقيات “إبراهيم” مع إسرائيل.
- مطالبة الإرهابيين الأجانب بمغادرة سوريا.
- ترحيل “الإرهابيين” الفلسطينيين.
- مساعدة الولايات المتحدة في منع عودة ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية“.
- تحمل مسؤولية مرافق الاحتجاز التي تضم مقاتلي ومؤيدي وأفراد عائلات تنظيم “الدولة الإسلامية” في الشمال الشرقي.
وتم نقل ثلاث قضايا من القائمة الأصلية المكونة من ثماني نقاط (التحقيق في مصير الأمريكيين المفقودين، بمن في ذلك أوستن تايس، ومعالجة مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية، ومواجهة أنشطة “فيلق الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني) إلى قنوات أخرى حسب التقرير.
التقدم المحرز حتى الآن
التقرير أظهر أن الحكومة السورية أحرزت تقدمًا في ثلاث نقاط من الخمس، وهي:
النقطة الثالثة: ترحيل “الإرهابيين” الفلسطينيين
حققت دمشق تقدمًا في هذا الجانب، ففي نيسان الماضي، اعتقلت قوات الأمن السورية قائدين من “حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني”، هما خالد خالد وياسر الظفري، وبعد شهر، اعتقلت طلال ناجي، رئيس فصيل في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة”.
كما أن قادة “حركة الجهاد الإسلامي” غادروا سوريا، كما غادرها شخصيات رئيسية أخرى: خالد جبريل، الذي أسس والده “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة”، وخالد عبد المجيد، الأمين العام لـ”جبهة النضال الشعبي الفلسطيني”، وزياد الصغير، الأمين العام لـ”فتح الانتفاضة”.
لكن مصادر سورية تقول إن ناجي والصغير لا يزالان في سوريا، ومكان وجود جميع الرجال غير واضح، وهي قضية خلافية لكل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفق التقرير.
النقطة الرابعة: مساعدة الولايات المتحدة في منع عودة ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية“
كثفت السلطات السورية بوضوح جهودها لمكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، من خلال تفكيكها خلايا التنظيم، في دمشق وريفها ودرعا وحلب وريف إدلب.
كما نسقت الحكومة مع “القيادة المركزية الأمريكية” ضد التنظيم في بعض العمليات.
النقطة الثانية: مطالبة “الإرهابيين” الأجانب بمغادرة سوريا
سجل حكومة الشرع هنا متباين، أفاد التقرير، فبينما تعهدت بإبعادهم عن المناصب العليا، تشير تقارير إلى استمرار وجود مقاتلين إيغور وأردنيين وأتراك في صفوف الجيش السوري الجديد.
ورغم اعتراضات أمريكية وأوروبية، وافقت إدارة ترامب على خطة سورية لدمج نحو 3500 مقاتل أجنبي في “الفرقة 84” من الجيش السوري، باعتبار ذلك “خطوة انتقالية” لضمان السيطرة الأمنية وعدم تفكك مؤسسات الدولة.
إلا أن هذه الخطوة ما تزال تواجه انتقادات داخل الكونجرس، الذي يربط رفع العقوبات عن دمشق بإثبات جديتها في معالجة هذا الملف.
القضايا العالقة
النقطة الأولى: الانضمام إلى اتفاقيات “إبراهام” مع إسرائيل
أما الانضمام إلى “اتفاقيات إبراهام”، فيبقى معلقًا على القضايا الحدودية العالقة بين سوريا وإسرائيل، وعلى رأسها ملف الجولان المحتل، أوضح التقرير.
فبينما أبدى الشرع في وقت سابق استعدادًا مبدئيًا للانخراط في “السلام الإقليمي”، عاد وأكد أن أي اتفاق مشروط بانسحاب إسرائيل من الأراضي السورية المحتلة وتوقيع اتفاق أمني بوساطة أمريكية.
في المقابل، تبدي إسرائيل قلقها من تدهور الوضع الإنساني والأمني في مناطق الدروز جنوبي سوريا، والتي شهدت اشتباكات متكررة بين قوات الحكومة والمجموعات المحلية.
النقطة الخامسة: تحمل مسؤولية مرافق احتجاز تنظيم “الدولة الإسلامية“
يتوقف هذا الجهد على المناقشات التي تتوسط فيها الولايات المتحدة حول دمج “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” و”قوات سوريا الديمقراطية” في الدولة والجيش السوريين الجديدين.
كما يعتمد على ما إذا كانت إدارة ترامب ستقرر تقليل أو حتى سحب القوات الأمريكية بالكامل من الشمال الشرقي، حسبما ورد بالتقرير.
ثلاثة اختبارات
التقرير يرى أنه سيعتمد ما إذا كان مسار الشرع الحالي سيحقق تطبيعًا دبلوماسيًا أمريكيًا كاملًا وإلغاء العقوبات على ثلاثة اختبارات في الأشهر المقبلة:
- هل يمكنه التوصل إلى تفاهم أمني أساسي مع إسرائيل يتناول نزاع الجولان والحوادث العابرة للحدود؟
- هل يمكن لواشنطن أن تكون وسيطًا لخطة دمج مستدامة لـ”الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا” و”قوات سوريا الديمقراطية” تتجنب إشعال صراع عربي-كردي جديد، وتنشئ هيكل قيادة قابل للتطبيق لعمليات احتجاز تنظيم “الدولة الإسلامية”؟
- هل ستتخذ دمشق خطوات موثوقة ودائمة للحد من نفوذ المقاتلين الأجانب في أدوار الدولة والأمن العليا؟
إذا تقدمت تلك المسارات، يمكن لمظاهر المكتب البيضاوي الأسبوع المقبل أن تترجم إلى زخم مستدام في الكونغرس، أفاد التقرير.
ومع ذلك، إذا توقفت، فقد يبقى الانخراط الأمريكي مع الحكومة السورية الجديدة تعامليًا ومحدودًا، يركز على التعاون ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” والانفراج العام، ولكنه يتجنب المكاسب السياسية والاقتصادية الأوسع التي يسعى إليها الشرع.
إزالة العقوبات على الشرع
أزالت الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات المفروضة على الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ووزير الداخلية، أنس خطاب.
وجاء ذلك بموجب إشعار تحديث على موقع الخزانة الأمريكية، في 7 من تشرين الثاني، والذي تضمن إزالة اسمي الشرع وخطاب.
وتأتي إزالة الشخصيتين السوريتين قبيل أيام من زيارة الشرع المرتقبة إلى واشنطن الاثنين 10 من تشرين الثاني، وإقرار مجلس الأمن لإزالتهما من لوائح “الإرهاب، أمس.
وأقر مجلس الأمن الدولي، خلال جلسته المعنونة بـ”التهديدات للسلم والأمن الدوليين الناجمة عن الأعمال الإرهابية”، مشروع القرار رقم “2799”، القاضي برفع اسم الرئيس السوري، الشرع، ووزير الداخلية، خطاب، من قائمة العقوبات الدولية.
وحظي القرار بتأييد 14 عضوًا من أصل 15، دون اعتراضات، مع امتناع الصين عن التصويت، ما سمح باعتماده رسميًا.
الصين بررت موقفها بعدم تلبية القرار للمبادئ والاعتبارات التي تراها ضرورية لتحقيق الاستقرار في سوريا ومكافحة الإرهاب.
بريطانيا والاتحاد الأوروبي
ونقلت وكالة “رويترز“، اليوم الجمعة، أن لندن قررت أيضًا رفع العقوبات عن وزير الداخلية السوري أنس خطاب، مشيرة إلى أن كلًا من الشرع وخطاب كانا خاضعين في السابق لعقوبات مالية استهدفت شخصيات مرتبطة بتنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”.
وقال متحدث باسم الاتحاد الأوروبي إن قرار الأمم المتحدة سينعكس في الإجراءات الأوروبية.
وأضاف المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، “ما زلنا ملتزمين بدعم عملية انتقالية سلمية وشاملة يقودها السوريون ويمتلكونها، من أجل المساهمة في بناء مستقبل أفضل لجميع السوريين”.
وكان الرئيس السوري، الشرع، ووزير الداخلية، خطاب، يخضعان إلى عقوبات أممية ودولية، بسبب انتمائهما السابق إلى تنظيم “القاعدة” المصنف على قوائم “الإرهاب.
الشرع إلى البيت الأبيض
من المتوقع أن يلتقي الشرع، نظيره الأمريكي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض الاثنين.
وستكون هذه أول زيارة على الإطلاق يقوم بها رئيس سوري إلى البيت الأبيض، وخطوة رئيسة أخرى في إعادة بناء العلاقات الأمريكية السورية، بحسب ما قاله المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، لموقع “أكسيوس“، في 1 من تشرين الثاني الحالي.
ومن المنتظر أن يوقع الرئيس الشرع على اتفاقية الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم، خلال زيارته.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
