في الحادي عشر من نوفمبر من كل عام، يتوقف الزمن قليلاً، لكن لأسبابٍ مختلفة. فهناك من يرفع عينيه إلى الساعة فيرى الأرقام مصطفّة على نحوٍ غريب: 11:11، فيهمس لنفسه “تمنَّ أمنية”، وكأن الكون فتح له نافذة صغيرة من الحظ. وفي اللحظة نفسها، هناك من يحدّق في هاتفه بترقّب، ينتظر الإشعار المنتظر: «بدأت تخفيضات 11.11 أسرع قبل نفاد الكمية!». كلاهما ينتظر شيئاً ما، أحدهما ينتظر معجزة، والآخر ينتظر صفقة.
بدأت القصة في مكانٍ بعيد، في جامعةٍ صينية عام 1993، حين قرر مجموعة من الطلبة أن يحتفلوا بيومٍ خاص بالعزّاب، في تاريخٍ يرمز إليهم بالأرقام:
1111. كانت الفكرة بسيطة، أن يحتفل الإنسان بنفسه، بعيدًا عن ضجيج الأزواج والعشّاق. بعد سنوات، التقطت شركات التسوّق الفكرة، وحوّلتها إلى مهرجان عالمي للخصومات. ومنذ 2009، صار «يوم العزّاب” أضخم مناسبة تجارية في العالم، يشارك فيها الملايين لشراء ما يحتاجون وما لا يحتاجون. وهكذا تحوّل يوم الوحدة إلى موسم ازدحام، ويوم الذات إلى سباقٍ محمومٍ نحو السلال المليئة.
في المقابل، ظهر في الغرب معنى آخر للرقم ذاته، لكن بنغمةٍ أكثر هدوءاً.
11:11 make a wish — عبارة تتردّد منذ عقود كإشارة كونية صغيرة. حين تتكرّر الأرقام الأربعة على الساعة، يُقال إنك أمام لحظةٍ نادرةٍ لتطلب أمنية. لا أحد يعرف أصلها، ولا أحد يثبت صدقها، لكنها من تلك الطقوس الصغيرة التي تمنح الناس إحساسًا بالاتصال بشيءٍ أكبر من الواقع. لحظةُ تمني صامتة وسط يومٍ صاخب.
والمفارقة أن الرقم نفسه صار رمزاً لمعنيين متناقضين: في الشرق، بوابة نحو الشراء؛ وفي الغرب، نافذة نحو الرجاء. هناك من يطلب سعادةً بخصمٍ يصل إلى 70٪، وهناك من يطلب سعادةً لا تُشترى. وبين الحلم الإلكتروني والحلم الداخلي، يظل الإنسان المعاصر واقفاً في منتصف الطريق، لا يعرف إن كان يملأ عربة التسوّق أم يملأ فراغه. والأكثر إدهاشاً، أن هذا الجنون لا يتوقف عند “11.11”، بل يتضاعف بعد أسابيع قليلة مع الجمعة السوداء حيث يُعاد المشهد نفسه بحجمٍ أكبر، وتُعاد صياغة الرغبة بأسماءٍ مختلفة. عروض، خصومات، شحن مجاني، قسائم، وعدٌ بالسعادة مع كل نقرة. وكأن العالم يعيش موسماً طويلاً من اللهاث خلف الوهم ذاته، موسماً تُقاس فيه فرحة الإنسان بعدد الطرود المنتظرة لا بعدد اللحظات الحقيقية التي يعيشها.
وبصراحة، لم يعد الفرق بين الأمنية والخصم كبيراً كما نتصوّر. كلاهما وعدٌ مؤقت. أحدهما يلمع على شاشة الهاتف، والآخر في خيال القلب. كلاهما يجعلنا ننتظر شيئاً يغيّر يومنا، وربما حياتنا. لكن الحقيقة التي لا يعلنها أحد: أن الأمنية لا تتحقق بضغطة زر، ولا السعادة تُشحن إلى عنوانك خلال ثلاثة أيام عمل.
لقد صار الإنسان المعاصر يعيش بين رقمين: 11:11 و11.11 — رقمٌ يربط روحه بالسماء، ورقمٌ يربط بطاقته البنكية بالأرض. بين الأولى التي تعده بالمعنى، والثانية التي تغريه بالمادة. وفي كلتا الحالتين، يظلُّ يبحث عن نفسه في أرقامٍ لا تنطق، في زمنٍ يزداد فيه الضجيج، ويقلُّ فيه الاكتفاء.
وبصراحة.. لا بأس أن نتمنى، ولا بأس أن نشتري، لكن الأسوأ أن نعيش العمر كله ننتظر فلا أمنية تتحقق، ولا خصماً يكفي.
