لا يكاد يخلو أي ملف في السياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال ولايته الثانية؛ من الحرب التجارية مع الصين، إلى جهود إحلال السلام في أوكرانيا، وصولاً إلى فكرة ضم جرينلاند، من عنصر مشترك واحد، وهو المعادن الحيوية، وفق موقع “أكسيوس”.

وأشار الموقع الأميركي إلى أن الصين تضع الولايات المتحدة في موقف حرج، في ما يتعلق بالإمدادات من العناصر الأرضية النادرة وغيرها من المعادن شحيحة الوجود، وقد أثبت الرئيس الصيني شي جين بينج استعداده لاستخدام هذا الملف كـ”ورقة ضغط”.

لهذا كان ترمب حريصاً على إبرام هدنة تجارية مدتها عام مع بكين، ويسعى في الوقت نفسه إلى التنقيب حول العالم عن مصادر بديلة لهذه المعادن.

وتحتاج الولايات المتحدة إلى مغناطيسات مصنوعة من العناصر الأرضية النادرة لتصنيع كل شيء، من المقاتلات الحربية إلى توربينات الرياح، وتكاد الصين تهيمن على كل الإنتاج العالمي.

وردت بكين على رسوم ترمب الجمركية بفرض ضوابط على صادرات المعادن النادرة، ما دفع الإدارة الأميركية إلى القبول باتفاق، ووافق شي على تعليق هذه القيود لمدة عام، رغم أن هدنات سابقة انهارت قبل موعدها.

وكانت أزمة العناصر النادرة مصدر قلق كبير داخل البيت الأبيض، ما زاد من وتيرة التحرك الأميركي عالمياً بحثاً عن المعادن.

“سباق نفوذ”

وقالت مديرة برنامج أمن المعادن الحيوية في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، جرايسلين باسكاران: “أصبحت المعادن بالفعل أقوى أشكال النفوذ في السياسة الخارجية اليوم”.

وخلال جولة ترمب الآسيوية، وقع ثلاث اتفاقيات متعلقة بالمعادن الحيوية قبل لقائه شي، ثم دعا 5 قادة من دول آسيا الوسطى الغنية بالموارد إلى البيت الأبيض فور عودته.

وخلال 72 ساعة فقط، أعلنت الإدارة الأميركية استثمارات بقيمة 1.2 مليار دولار في شركتين ناشئتين بمجال المعادن النادرة، وكشفت عن اتفاق للمعادن الحيوية مع كازاخستان، التي تتمتع باحتياطيات كبيرة، وأعلنت أخيراً عن اكتشاف ضخم للمعادن النادرة.

كما برز ملف المعادن النادرة في مباحثات مقايضة الديون مع الأرجنتين، ومحادثات السلام مع أوكرانيا، والمفاوضات التجارية مع دول عدة بينها أستراليا، والبرازيل، واليابان. وجرى طرح الملف خلال زيارة ترمب للسعودية، وكذلك خلال زيارات قادة أفارقة إلى واشنطن.

كما يستند إصرار ترمب على ضرورة سيطرة الولايات المتحدة على جرينلاند إلى حد كبير إلى رغبتها في استغلال الثروات المعدنية الهائلة في القطب الشمالي.

وتعد الصين المصدر الوحيد أو المهيمن لثمانية من أصل تسعة معادن يُعد انقطاع إمداداتها الأكثر إضراراً بالاقتصاد الأميركي، بحسب تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية لعام 2025.

ويتصدر القائمة معدن “الساماريوم”، وهو عنصر أساسي يُستخدم في إنتاج مغناطيسات تدخل في صناعة الطائرات المقاتلة والصواريخ، وكحال باقي المعادن النادرة، تهيمن الصين على جميع مراحل سلسلة التوريد، من التعدين إلى الفصل والمعالجة ثم تصنيع المغناطيسات.

محاولات كسر هيمنة الصين

وفي وقت سابق من العام الجاري، أصبحت الحكومة الأميركية أكبر مساهم في المنجم الوحيد لإنتاج العناصر النادرة داخل الولايات المتحدة، وتسعى، بالتعاون مع حلفاء مثل أستراليا، لكسر هيمنة الصين على عمليات معالجة المعادن وإنتاج المغناطيسات.

وقالت باسكاران إن هذه التطورات كانت “غير متوقعة قبل فترة قصيرة”، لكنها أضافت: “لن نقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال عام”.

وتلعب المعادن دوراً مركزياً في نزاع آخر تتوسط فيه الولايات المتحدة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يزخر شرق الكونغو بمعادن ثمينة من بينها “التانجستن”، الذي تعتمد واشنطن في جزء كبير منه على الواردات الصينية.

وذكر مصدر مطلع على المحادثات لـ”أكسيوس” أن الإدارة الأميركية ضغطت من أجل إدراج ملف المعادن في محادثات السلام، وتسعى لتهيئة فرص للشركات الأميركية.

لكن ترمب ليس وحده في هذه الساحة، إذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، أن روسيا ستطرح خطة لإنتاج العناصر النادرة محلياً، وفي الوقت نفسه، تتفاوض دول الاتحاد الأوروبي مع بكين لضمان عدم انقطاع الإمدادات عنها.

ولفت “أكسيوس” إلى أن شي سيظل يملك “ورقة المعادن الحيوية” ما دامت الولايات المتحدة تعتمد على الصين، بينما يواصل ترمب استخدام كل أدواته لقطع هذا الاعتماد وكسر الهيمنة الصينية.

شاركها.