د. سلام محمد سفاف **

[email protected]

واجهت شركة تِسلا خلال عامي 2017 و2018 أزمة حادة ناجمة عن انخفاض حاد في معنويات الموظفين وتسربهم رغم الرواتب التنافسية فيها، وكادت تؤدي إلى إفلاسها. آنذاك، وعد إيلون ماسك بتصنيع 5000 سيارة من الموديل الثالث أسبوعيًا، وراح يقضي ساعات طويلة في مصنع “فريمونت”، إلا أنَّ طريقته في الإدارة خلقت جوًا من الرعب؛ حيث كان يُواجه أي رأي بأسلوب لا يخلو من العنف الوظيفي، فأي مدير يخبر ماسك بأنَّ إنتاج 5000 سيارة أسبوعيًا هدف غير واقعي كان يُطرد على الفور أو يُهان علنًا لدرجة أنَّ ماسك طرد مديرًا كبيرًا لأنه اقترح تأخير الإنتاج لتحسين الجودة.

ومع تصاعد الوتيرة، تحولت الاجتماعات إلى محاكم تفتيش وفقًا لشهادة موظفين سابقين، كان ماسك يقطع أي عرض تقديمي يحتوي على أخبار سيئة أو تحذيرات، ويصرخ: “هذا غير مقبول! ابحث عن حل ولا تأتي بالمشاكل!”

ونتيجةً لذلك، بدأ المديرون التنفيذيون بإخفاء التقارير السلبية والتحديات الحقيقية، وفضّلوا إخبار ماسك “ما يُريد سماعه” بدلًا من الحقيقة لتغدو الاجتماعات عبارة عن سرد للإنجازات الوهمية وإخفاء للفشل.

وكانت النتيجة كارثة على الأرض، فقد خرجت آلاف السيارات بعيوب فادحة، وغادر العشرات من كبار المهندسين والمديرين الشركة، كما سرب الموظفون الساخطون معلومات عن بيئة العمل داخل تِسلا لوسائل الإعلام؛ مما زاد الأزمةُ سوءًا… ثم بدأ المستثمرون يشككون في قدرة تِسلا على البقاء حيث لاحظ المحللون الماليون التناقض بين تصريحات ماسك المتفائلة وتقارير الإنتاج المتعثرة.

وتكشف لنا أزمة تِسلا مسؤولية القائد عن المناخ العاطفي، فهو ليس مجرد مسؤول عن الأرقام؛ بل هو المهندس الأول للبيئة الوظيفية في المؤسسة، فعندما مارس ماسك أسلوبًا لا يخلو من “العنف الوظيفي” أو “الإهانة العلنية”، فإنِّه أرسل رسالة واضحة “سلامتكم النفسية غير مهمة”، ليقدم لنا نتيجة مُفاجئة: أن الرواتب المرتفعة في تِسلا لم تعوض العاملين فيها عن البيئة السامة.

ويبدو جليًا أنَّ الثقة هي العملة الأهم في المؤسسة حيث يمكنك توظيف ألمع العقول والمهندسين (كما فعلت تِسلا)، ولكن إذا لم تمنحهم الثقة والأمان النفسي ليقولوا الحقيقة، فسيصبحون عديمي الفائدة. فالقائد الذي يطلب من فريقه “البحث عن حلول” يجب أن يكون مستعدًا أولًا لسماع “المشاكل”، وإذا أصبحت الأخبار السيئة محظورة، فسوف يستبدلها الفريق بـ “أخبار جيدة وهمية”، وهذا هو أسوأ أنواع الخداع المهني.

وتقدم لنا تِسلا دروسًا مجانية في القيادة، أهمها:

  • القائد هو المسؤول الأول عن ضمان وصول البيانات الحقيقية لاتخاذ القرار: إن التسرع بإعلان أهداف طموحة جدًا دون الرجوع إلى مُعطيات بيئة العمل والفريق يخلق قيدًا خانقًا على القائد نفسه.
  • النقد البناء هو نظام الإنذار المبكر: عندما يُعاقب القائد من يقدم له النقد، فإنه يُعطل نظام الإنذار المبكر في مؤسسته، وستستمر الأزمة في التضخم حتى تنفجر علنًا.
  • التفرد بالقرار هو وصفة للفشل: القيادة الفعالة تتطلب ذهنية منفتحة وتعاونية لأنَّ تحقيق الأهداف الطموحة يتطلب التعاون والتشاركية وتبادل الآراء، لا الإملاءات.

وهذا يطرح علينا سؤال مهماً: متى تصبح العبقرية عبئًا؟

هذا المثال من تِسلا هو دليل قوي على أنَّ القيادة الاستبدادية حتى لو كانت نابعة من عقلية مبدعة وطموحة يمكن أن تُهدد وجود الشركة نفسها؛ حيث تتطلب القيادة في زمن التحول النضج العاطفي أكثر من العبقرية الفنية.

وعندما يُدرك القائد أنَّ مسؤولية صناعة بيئة عمل فاعلة وإيجابية تقع على عاتقه، عندها فقط يمكنه تحويل رؤيته الطموحة إلى واقع مُستدام، فالنجاح الحقيقي لا يأتي من الخوف؛ بل من الثقة والشجاعة في مواجهة الحقائق المرّة.

** أستاذ زائر في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم

** وزيرة التنمية الإدارية سابقًا بسوريا

شاركها.