ذكرت دراسة علمية أن المحيطات في المناطق الساحلية أصبحت أكثر حموضة، وتشهد تسارعاً في وتيرة التحمض يفوق التقديرات السابقة، ما يشكل تهديداً وجودياً لاقتصادات السواحل حول العالم.

وأوضحت الدراسة، التي أجراها باحثون من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، أن زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تؤدي إلى امتصاص كميات أكبر منه في مياه البحار، ما يجعل المحيط أكثر حموضة تدريجياً، وأن هذه العملية تتسارع في بعض المناطق الساحلية نتيجة تفاعلات طبيعية معقدة، تفاقم من أثر الانبعاثات البشرية.

وبيّنت الدراسة أن العلاقة بين ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ودرجة حموضة مياه المحيط وثيقة للغاية، إذ يؤدي ارتفاع كمية الغاز في الهواء إلى امتصاص جزء كبير منه في مياه البحر، ما يخفض قيمة الأس الهيدروجيني، ويزيد من حموضة المياه.

أنظمة الرفع المحيطي

وأكد الباحثون أن هذه الظاهرة تكتسب خطورة خاصة في مناطق معينة من العالم، تُعرف باسم “أنظمة الرفع المحيطي”، حيث تتصاعد مياه عميقة غنية بالمغذيات، ومنخفضة الأس الهيدروجيني نحو السطح، فتجعل تلك السواحل أكثر عُرضة للتحمض من غيرها.

وكشفت الدراسة، التي نشرت في دورية Nature Communications، ونوقشت خلال فعاليات مؤتمر المناخ COP30 والمنعقد في البرازيل، أن هذه الظاهرة الطبيعية المعروفة باسم “الرفع المحيطي” تضاعف تأثيرات تحمض المحيطات الناتجة عن النشاط البشري.

وأوضح الباحثون أن المياه العميقة الغنية بالمغذيات تكون بالفعل أكثر حموضة بسبب العمليات الميكروبية التي تحدث في الأعماق، حيث تقوم الكائنات الدقيقة بتحليل المواد العضوية الغارقة من السطح إلى القاع، وهي عملية تطلق ثاني أكسيد الكربون في المياه العميقة، وتزيد من حموضتها.

وعندما تعود هذه المياه إلى السطح نتيجة الرفع المحيطي، فإنها تتفاعل مجدداً مع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما يزيد الحموضة بدرجة أكبر.

واستخدم الباحثون عينات تاريخية من المرجان، وسجلات نظائر البورون داخل هياكلها لتتبع كيفية تغير حموضة المياه خلال القرن العشرين.

واستند الفريق إلى نموذج إقليمي لمحاكاة كيفية تطور الحموضة خلال القرن الحادي والعشرين، فوجد أن معدلات التحمض في مناطق الرفع المحيطي تفوق المستويات التي يمكن تفسيرها بارتفاع ثاني أكسيد الكربون الجوي وحده.

وأظهرت النتائج أن هذه المناطق البحرية، مثل تيار كاليفورنيا الذي تم استخدامه كنموذج في الدراسة، تشهد تحمضاً أسرع وأعمق من المتوقع، نتيجة اجتماع العوامل الطبيعية والبشرية معاً.

تهديد الحياة البحرية

وأكد الباحثون أن تيار كاليفورنيا يُعد مثالاً نموذجياً لأنظمة الرفع المحيطي حول العالم، والتي تشمل أيضاً تيار “همبولت” قبالة سواحل بيرو، وتيار “بنجيلا”، وتيار الكناري قبالة السواحل الغربية لإفريقيا.

وأوضحوا أن هذه الأنظمة تُعد من أكثر النظم البيئية البحرية إنتاجية على كوكب الأرض، إذ تدعم جزءاً كبيراً من مصايد الأسماك العالمية، وتؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي لملايين الأشخاص الذين يعتمدون على الموارد الساحلية.

وأشارت الدراسة إلى أن فهم كيفية استجابة هذه الأنظمة لارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون يُعد أمراً بالغ الأهمية، ليس فقط للعلماء المهتمين بتغير المناخ، بل أيضاً للحكومات التي تسعى إلى حماية اقتصاداتها الساحلية من الانهيار المحتمل نتيجة التغيرات في كيمياء المياه.

ولفتت إلى أن تحمض المحيط يهدد الحياة البحرية الحساسة، بما في ذلك الكائنات التي تبني أصدافها أو هياكلها من كربونات الكالسيوم، مثل المرجان والمحار وبعض أنواع العوالق التي تشكل قاعدة السلسلة الغذائية البحرية.

وبيّن الباحثون أيضاً أن ارتفاع الحموضة في المناطق الساحلية لا يعني فقط خطر انقراض بعض الأنواع، بل يشمل أيضاً خسائر اقتصادية ضخمة في قطاعات الصيد والسياحة البحرية.

التأثير على الشعاب المرجانية

وأكدوا أن التحمض يضعف نمو الشعاب المرجانية، ويؤثر على قدرتها على بناء هياكلها الكلسية، ما يؤدي إلى تآكلها، وتدهور الموائل التي تعتمد عليها أنواع كثيرة من الأسماك. كما يؤثر على الأحياء الدقيقة والعوالق التي تمثّل قاعدة النظام البيئي، ما قد يؤدي إلى اضطرابات في سلاسل الغذاء البحرية بأكملها.

من جهتها، أكدت الباحثة المشاركة في الدراسة، هانا يوريكوفا، الزميلة البارزة في كلية علوم الأرض والبيئة بجامعة سانت أندروز، أن تأثير التحمض لا يقتصر على الكائنات الحية الدقيقة، بل يمتد إلى الكائنات المهمة مثل السردين والسلمون التي تعتمد على استقرار الظروف الكيميائية للمياه.

ونوهت إلى أن أي اضطراب في مستويات الحموضة يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في توزيع الأسماك، مما قد يهدد الأمن الغذائي للدول الساحلية.

ولفتت إلى أن مصايد الأسماك في المناطق المتأثرة قد تشهد انخفاضاً في الإنتاجية مع مرور الوقت، وهو ما سينعكس سلباً على المجتمعات التي تعتمد عليها كمصدر رئيسي للدخل.

ووفق الباحثة نفسها، فإن التنبؤ بكيفية استجابة أنظمة الرفع المحيطي لتغير المناخ يمثّل تحدياً علمياً معقداً للغاية؛ لأن التأثيرات البشرية تتداخل مع العوامل الطبيعية المسببة لتحمض المحيط.

وأردف بالقول إن نتائج البحث تظهر أن هذه التفاعلات يمكن أن تضاعف من التغيرات البيئية في نظام تيار كاليفورنيا، مما يستدعي إجراء دراسات مماثلة في مناطق أخرى لفهم التغيرات المستقبلية المتوقعة بشكل أفضل.

شاركها.