في مدرسة بريف جرابلس، تحاول المعلمة فدوى ساروت أن تغفو على فرشة رقيقة داخل الصف، بينما تقيم بقية عائلتها في مدينة أخرى.
فدوى، القادمة من حي الوعر في حمص، تصف نفسها بأنها معلمة مهجرة مرتين: الأولى بسبب الحرب، والثانية بسبب تأخر تنفيذ قرارات النقل والوعود الإدارية.
وتواجه المعلمات في الشمال السوري تحديات يومية بسبب بعدهن عن مدنهن وأسرهن، حيث تقيم بعضهن حاليًا في مدارس أو مساجد أو بيوت مؤقتة.
وتترقب المعلمات تنفيذ النقل الخارجي الذي يعيد كل معلمة إلى مكان قريب من أهلها، بعد أشهر من وعود متكررة من مديرية التربية في حلب.
وما زالت فدوى تنتظر قرار النقل وصرف الرواتب في موعدها، إضافة إلى زيادة تحفظ كرامتها وتسد رمق أطفالها.
هذه الحالة ليست استثناء، إذ تواجه المعلمات المهجرات سلسلة من الصعوبات اليومية التي تؤثر على حياتهن المهنية والشخصية.
كثير منهن يقمن في مدارس أو بيوت معارف وأصدقاء بشكل مؤقت، ما يولد ضغطًا نفسيًا وأحيانًا إحراجًا اجتماعيًا.
كما تشير المعلمات إلى تأخر متكرر في تنفيذ قرارات النقل، وتأخيرات في صرف الرواتب، إلى جانب انخفاض قيمتها مقارنة بتكاليف المعيشة.
ذلك الأمر، وفقًا للمعلمات، يزيد من صعوبة الحياة اليومية ويترك أثرًا ملموسًا عليهن وعائلاتهن.
ليالي الكوابيس والوحدة
في مخيم “يد العون” بريف عفرين، تمضي المعلمة ديما الإبراهيم لياليها على بطانية خفيفة داخل بيت مهجور يلفه الظلام من كل الجهات.
مع حلول الليل، تتسلل إليها المخاوف والكوابيس، فلا ضوء إلا ضوء هاتفها المحمول، بحسب ما قالته ل.
بعد سقوط النظام السابق، كانت ديما تتوقع أن تعود الحياة إلى طبيعتها وتعود إلى التدريس في مدينتها حمص.
لكن الأشهر مرت، والوعود بقيت بلا تنفيذ، رغم أنها بقيت في المخيم وفق طلب يقضي ببقائها أسبوعًا واحدًا على أمل حل الأمور.
وأمام الحالة تلك، تركت أطفالها الأربعة في حمص حتى لا يتأخروا عن مدارسهم، وعادت إلى المخيم، لكن لم يتغير شيء.
السفر المتكرر بين المخيم وحمص أثقل كاهلها ماديًا ونفسيًا، والإرهاق الجسدي والخوف الدائم من الطريق لم يترك لها فرصة للراحة.
وأضافت أن كل يوم جديد يحمل قلقًا متجددًا على حياتها وحياة أطفالها.
رحلة طويلة
في ريف عفرين، تواجه المعلمة فرسان جاروشة من القريتين في ريف حمص الشرقي رحلة يومية طويلة.
وكانت مجبرة على قطع ثماني إلى تسع ساعات للوصول إلى مدرسة هويش الخلف في مجمع “راجو”، ومعها أطفالها الصغار.
بعد وصولها للمدرسة، وجدت نفسها بلا مأوى، ولحسن الحظ، وفر لها بعض المعارف مكانًا للنوم.
لكن هذا الحل المؤقت لم يدم طويلًا، واضطرت للنوم داخل المدرسة نفسها لمدة شهر كامل.
ومع بداية فصل الشتاء، لم تعد قادرة على التحمل، وتشير إلى أن الوضع أثقل من التعب الجسدي نفسه.
النقل مرفوع للوزارة
على مدى الأشهر الماضية، شهد الشمال السوري سلسلة من المظاهرات والاعتصامات التي نفذها معلمون ومعلمات احتجاجًا على ما وصفوه بتأخر حقوقهم، خصوصًا في ظل ظروف التهجير والبعد عن أسرهم.
وركزت هذه التحركات على مطالب عدة، أبرزها ملف النقل الخارجي الذي يسمح للمعلمين بالعودة إلى محافظاتهم والعمل بالقرب من منازلهم، بعد أن قضوا سنوات بعيدين عن أهلهم ومدنهم.
وفي هذا السياق، أصدر مدير التربية والتعليم في محافظة حلب، أنس القاسم، تصريحًا حول الإجراءات المرتبطة بالنقل الخارجي.
التصريح الذي نشرته مديرية التربية بحلب على فيسبوك، في 12 من تشرين الثاني الحالي، أوضح أن ملف النقل تم رفعه إلى وزارة التربية، بهدف إعادة المعلمين والمعلمات إلى محافظاتهم.
ويأتي هذا التصريح ضمن متابعة مديرية التربية لقضية المعلمات والمعلمين المهجرين، الذين ينتظرون تنفيذ قرارات النقل الخارجي بعد أشهر من الانتظار والوعود المتكررة.
المطالب والحلول
المعلمات المهجرات في الشمال السوري يطالبن بخطوات عملية لتخفيف الضغوط اليومية الناتجة عن التهجير والابتعاد عن أسرهن، إضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة.
وتشمل المطالب الأساسية التي ذكرنها ل:
- الإسراع بعملية النقل الخارجي لتقريب المعلمات من أسرهن ومدنهن وإنهاء حالة التشتت.
- الالتزام بالوعود الإدارية المتعلقة بالنقل والدمج دون تأجيل، بما يتيح للمعلمات تنظيم حياتهن المهنية والشخصية.
- توفير مأوى مؤقت ملائم للمعلمات اللواتي بلا سكن، لحين تنفيذ النقل، بما يخفف الضغط النفسي والإحراج الاجتماعي.
- زيادة الرواتب وصرفها في مواعيدها المحددة بما يحفظ كرامة المعلمات ويؤمن لهن حياة كريمة تلبي الحد الأدنى من متطلبات المعيشة.
وترى المعلمات أن أي خطوة مبدئية لتأمين النقل أو السكن المؤقت ستشكل انفراجًا مرحليًا حتى يتم تنفيذ القرارات النهائية.
فيما يواصلن انتظار حلول رسمية تنهي معاناتهن في ظل ظروف الحرب والتهجير.
احتجاجات ممتدة منذ أشهر
مع بداية أيلول الماضي، تظاهر مئات المعلمين في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي، بينها أعزاز، الباب، عفرين، جرابلس، ومارع، مطالبين بالتثبيت الوظيفي وصرف الرواتب المتأخرة.
ورفع المحتجون لافتات تشير إلى أن التأخير في الإجراءات، سواء على مستوى وزارة التربية أو مديرية التربية في حلب، يمثل “إهانة” للجهود والتضحيات التي قدموها خلال سنوات الحرب.
وتجددت المظاهرات في 12 من تشرين الأول أمام مديرية التربية في حي الجميلية بمدينة حلب.
وشارك مئات المعلمين القادمين من بلدات ومدن الريف الشمالي، حيث كرروا مطالبهم المتعلقة بالتثبيت وصرف المستحقات المالية.
وأكدوا ضرورة عدم الإبطاء في معالجة ملفاتهم وفرز أضابير خاصة بهم.
فيما تساءلوا عن مصير الوعود المتعلقة بالنقل الخارجي، التي ظلت معلقة دون تنفيذ منذ أشهر.
“التربية” تعلن بدء إجراءات دمج معلمي الشمال السوري
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
